أنقرة (زمان التركية) – تواجه العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وكل من ألمانيا وهولندا توترات كبيرة مستمرة منذ عام تقريبًا، إلا أن هناك إشارات على أن العلاقات في طريقها للتحسن اعتبارًا من الأسبوع الجديد.
وعلَّق الخبراء والمتخصصون على الزيارة التي سيجريها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للعاصمة الألمانية برلين يوم الجمعة المقبل الموافق 28 سبتمبر/ أيلول الجاري، موضحين أنها ستكون نقطة تحول في العلاقات بين البلدين.
أما العلاقات مع هولندا، فمن المقرر أن تشهد الفترة المقبلة تحسنًا نسبيًا، مع بدء السفير الجديد شعبان ديشلي مهام عمله سفيرًا لتركيا لدى لاهاي، بعد أن كانت العلاقات متوترة بين البلدين منذ مايو/ أيار 2017.
ومن المقرر أن يتوجه الرئيس التركي إلى ألمانيا بعد انتهاء جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومن جانبه نشر موقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” في نسخته باللغة التركية تحليلًا للخطوات الأخيرة التي يتخذها أردوغان في العلاقات الخارجية.
ومع العودة بمسلسل الأحداث إلى عام مضى، يتبين أن التوترات بين تركيا وكل من هولندا وألمانيا بدأت مع رفض الحكومتين الألمانية والهولندية السماح لأعضاء ومسؤولين بالحكومة التركية إجراء دعاية سياسية على أراضيهما؛ الأمر الذي أغضب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ودفعه لإطلاق أوصاف مثل “النازية” و”الفاشية” على حكومتي البلدين، مما أدى إلى تفاقم الأزمة.
كما توترت العلاقات بين برلين وأنقرة، بسبب اعتقال السلطات التركية عددًا من المواطنين الألمان الموجودين على أراضيها، ومن بينهم صحفيون، مما أدى إلى تراجع العلاقات إلى أقل مستوى.
أما هولندا فقد أعلنت خلال فترة الدعايا التركية للإستفتاء على الدستور العام الماضي، وزيرة الأسرة والسياسات الاجتماعية التركية فاطمة بتول صايات كايا “شخصًا غير مرغوب فيه”، وقامت بترحيلها بالقوة بواسطة الشرطة. فردت تركيا بدعوة هولندا للاعتذار.
إلا أن حكومة لاهاي رفضت الاعتذار؛ وفيما وراء الكواليس بذل وزيرا الخارجية في البلدين جهودًا كبيرة من أجل إعادة تحسين العلاقات بين الطرفين.
ولكن لماذا يرى الرئيس التركي أردوغان ضرورة التقارب مع لاهاي وبرلين، بالرغم من عدم تقديم هولندا اعتذارًا كما طالبتها الحكومة التركية؟
ومن جانبه أجرى موقع “Nu.nl” الهولندي دراسة للإجابة على هذا السؤال، ونقل عن عضو هيئة التدريس في قسم اللغة التركية بجامعة ليدين الدكتورة بيترا دي بروجين، تأكيدها على أن البرودة في العلاقات بين تركيا وكل من ألمانيا وهولندا لن تدوم طويلًا لأن الطرفين تربطهما مصالح مشتركة قوية مع بعضهما البعض، قائلة: “هذا هو شكل تداول السياسات الدولية. مرَّ الوقت، ونسيت المشكلة. ويمكن للطرفين تطوير العلاقات دون أن يتنازل أي منهما عن كبريائه”.
وأوضحت دكتورة بروجين أن المصالح القوية التي تتحدث عنها تبدأ بالمجال الاقتصادي، مشيرة إلى أن الأزمة مع هولندا وألمانيا لم تستطع التغطية على العلاقات التجارية القوية.
بلغ حجم التجارة بين ألمانيا وتركيا في عام 2017 نحو 37 مليار يورو. كما تضم ألمانيا 3.5 مليون مهاجرًا من أصول تركية، أي ما يعادل 4% من سكان ألمانيا.
أما هولندا فهي أكبر مستثمر خارجي في تركيا، وتحتل إنجلترا المركز الثاني بعدها، حيث تمتلك استثمارات في تركيا بضعف استثمارات إنجلترا. ويبلغ حجم التجارة البينية 20 مليار يورو.
وأوضح الصحفي المتخصص في الشأن التركي سينان جان أن أزمة القس الأمريكي أندرة برونسون وما تبعها من أزمة مع الرئيس الأمريكي ترامب، دفعت تركيا إلى أحضان الاتحاد الأوروبي.
أي بمعنى آخر، فإن أردوغان أجبر على تحسين علاقاته مع أوروبا بعد التوتر الذي شهدته علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية، بالتزامن مع تدهور سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية.
وأوضح سينان جان أن العلاقات مع روسيا ليست في مستوى يحقق الراحة للاقتصاد التركي. وعقب أزمة الليرة التركية بدأت ألمانيا إرسال رسائل تشير إلى أنها تقف بجانب تركيا، ما انعكس على تطور العلاقات بين البلدين.
وبحسب الصحفي جان فإن من الأمور المهمة التي تحكم العلاقات بين تركيا وأوروبا، ملف اللاجئين واتفاق إعادة استقبال اللاجئين التي وقعت مع تركيا، مشيرًا إلى أنها المرة الأولى منذ 100 عام تمتلك فيها تركيا أوراقًا قوية في وجه أوروبا.
وأشار جان إلى تصريحات أردوغان التي قال فيها: “إذا لزم الأمر سأفتح الحدود”، مؤكدًا أن هذا الأمر سيمثل مشكلة كبيرة للغاية بالنسبة لأوروبا.
وأكدت الدكتورة بروجين أن الاتحاد الأوروبي مجبر على استمرار اتفاقية اللاجئين مع تركيا، مشيرًا إلى أنه في حال وقوع الهجوم على إدلب من قبل الجيش السوري سيخلق ذلك موجة جديدة من الهجرة نحو أوروبا.
وأوضحت الباحثة الهولندية بروجين أن الجزء الأكبر من الفارين من إدلب سيقصدون العبور إلى أوروبا، مشددة على أن هذا هو أهمية دور تركيا.