برلين (زمان التركية)ــ حذر أكاديمي تركي وخبير بالشأن الروسي من تسبب الاتفاق الثنائي في إضرار بالمصالح التركية على المدي المتوسط والطويل. وقال أستاذ العلوم السياسية كريم هاس، والمتخصص في الشأن الروسي، في مقابلة مع موقع (أحوال تركية) إن اتفاق “المنطقة منزوعة السلاح” في إدلب شمال سوريا بين الرئيسان الروسي والتركي سيؤثر على الدور المستقبلي لتركيا بالمنطقة، وعلى صورتها الدولية.
وإلى نص الحوار:
سؤال: يبدو أن الجانب التركي حصل على ما كان يريد في سوتشي. هل رفع هذا الاتفاق الضغط عن تركيا؟
جواب: على الرغم من أنه يبدو أن أنقرة حصلت على ما كانت تريده ونفذت وقفاً لإطلاق النار في شمالي سوريا مدته شهر، فإن اتفاق سوتشي ليس موافقاً جداً للمصالح التركية؛ فهذا الاتفاق قد يحقق مكاسب في الأجل القصير للإدارة في السياسة المحلية، لكنه في الأجل المتوسط إلى الطويل قد يتسبب في ضرر بالغ.
سؤال: كيف أثر هذا الاتفاق على المصالح التركية في الأجل الأطول؟ وما المكاسب التي كانت تركيا تحاول أن تحققها في إدلب؟
جواب: الوضع في المدينة الواقعة شمالي سوريا كان مقلقاً للحكومات الغربية والمؤسسات الإنسانية غير الحكومية، فضلاً عن دول الشرق الأوسط، لأكثر من شهر بكثير. وقد هددت أعمال التصعيد بين الجانبين باحتمال حدوث أزمة إنسانية كبيرة في المدينة التي تشير التقارير إلى أن ثلاثة ملايين مدني يعيشون بها. ويوافق الروس على هذا الرأي أيضاً.
تريد أنقرة تجنب حدوث أزمة إنسانية قد تؤدي إلى نزوح مئات الآلاف من اللاجئين السوريين صوب الحدود التركية. لكن إدلب هي المعقل الأخير لشبكة معقدة للغاية من المليشيات؛ ومن بين تلك المليشيات هيئة تحرير الشام، التي خلَفَتْ جبهة النصرة تحت هذا المسمى، والتي تعود جذورها لتنظيم القاعدة.
لكن هذا الاتفاق هو هدنة مؤقتة فقط تعطي أنقرة بعض الوقت. من ثم فإننا ما زلنا قد نواجه أزمة إنسانية في إدلب.
وستون في المئة من إدلب خاضع لسيطرة هيئة تحرير الشام المصنفة دولياً على أنها منظمة إرهابية. وفي سوتشي، وافق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على القضاء على الإرهابيين في المنطقة خلال شهر، ووعد بنزع سلاح المعارضة في إدلب. وكانت تركيا تتولى المسؤولية الكاملة عن جماعات إرهابية مثل هيئة تحرير الشام؛ ويعد تحمل عبء من هذا النوع خطأً استراتيجياً قد يؤثر على الدور الذي ستعلبه تركيا بالمنطقة في المستقبل، بل وحتى على صورتها الدولية.
سؤال: هل تعتقد أن تركيا لديها أسباب أخرى لإبرام مثل هذا الاتفاق؟
جواب: بعض الجماعات التي لها تواجد في إدلب لديها خلايا في تركيا وتتلقى دعماً من السلطات التركية، وربما تريد أنقرة أن تبقيهم خارج تركيا. وقد يستغلون حجة الأزمة الإنسانية لتحقيق هذا الغرض.
وتشير الخطة، كما يبدو الآن، إلى تأسيس إمارة جهادية صغيرة إلى جوار الحدود التركية. أعتقد أن أنقرة ستُفَضّل أن تترك دمشق تتعامل معهم. ووفقا للبعض، هناك نحو 30 ألفاً من مسلحي هيئة تحرير الشام في المنطقة؛ وتركيا لم تتحمل المسؤولية عن القضاء على هؤلاء المسلحين فحسب، وإنما هي أيضا تخاطر بنقلهم إلى تركيا وغرسهم هناك.
ولا أفهم لماذا سترتكب الحكومة التركية مثل هذا الخطأ. البعض يتكهنون بأن التهديدات المستمرة من المنطقة تساعد الحكومة التركية في الداخل خلال وقت يتسم بالاستقطاب الاجتماعي والمعاناة من المشاكل الاقتصادية. لا أعرف إن كان هذا هو غرضهم، لكنني أعتقد أنه قد يكون كذلك، لأنه لا توجد أي تفسيرات منطقية أخرى لهذا الاتفاق.
سؤال: هل تستطيع تركيا إزاحة جميع الجهاديين من المنطقة؟
جواب: تركيا بحاجة إلى إنشاء منطقة عازلة بطول 15 إلى 20 كيلومتراً حول إدلب ونزع سلاح الجهاديين والمنظمات الإرهابية حتى الخامس عشر من أكتوبر. وهذا وقت قصير لتنفيذ مثل هذه المهمة. ولقد كانت تركيا من بين الدول الضامنة في المنطقة منذ مايو 2017، لكنها كانت تعمل مع روسيا وإيران. أما بعد سوتشي، فستتحمل تركيا المسؤولية بالكامل.
وعلى مدى العام ونصف العام الأخير، كانت هذه الدول تحاول فصل جماعات المعارضة عن التنظيمات الإرهابية والحفاظ على وقف إطلاق النار، لكن جهودها لم تتكلل بالنجاح. ولا أعرف كيف يمكن لتركيا أن تنجح في تحقيق هذه الأهداف في شهر واحد.
سؤال: ماذا تعتقد سيحدث إذا فشلت تركيا في نزع سلاح الجماعات الإرهابية في المنطقة؟
جواب: إذا كانت تركيا لا تستطيع نزع سلاح هذه الجماعات، فسيكون على الجيش التركي والجماعات المدعومة من تركيا خوض قتال ضدها؛ ونحن نتحدث عن نحو 30 ألف إرهابي. لكن هناك مشكلة مختلفة إذا جرى نزع سلاح تلك الجماعات؛ فأين سيذهب هؤلاء المسلحون؟ هم إما سيذهبون إلى تركيا، أو سينضمون إلى جماعات المعارضة، إذ لا يمكنهم العودة إلى بلادهم. فمعظم هؤلاء يواجهون السجن إذا ما عادوا إلى دولهم من جديد. غير أن انضمام هؤلاء المسلحين إلى صفوف المعارضة يعد مشكلةً أخرى؛ فقد يبدو الأمر كما لو أن تركيا تتعاون مع الإرهابيين.
سؤال: لماذا إدلب مهمة جداً للجهاديين؟ ولماذا سيضعون سلاحهم؟
جواب: لإبقاء السيطرة على معقلهم الأخير. ويمكن للجهاديين أن يحققوا هذا الهدف من خلال الانضمام إلى المعارضة. لكن ومن جديد، هذا يخلق مشكلة لأنقرة إذا كانت الحكومة التركية تخطط لاستخدامهم ضد الجماعات الكردية في شمالي سوريا. فقد تعارض موسكو وواشنطن استخدام تركيا الجهاديين ضد الأكراد.
سؤال: تركيا تنقل أيضاً السلاح إلى نقاط المراقبة العسكرية التابعة لها. ما هو هدف الحكومة؟
جواب: الردع العسكري. الجيش التركي يحاول التأكد من عدم مهاجمة الجيش السوري للمنطقة. لكن هذا، ومن جديد، يعد مشكلةً لتركيا. فإذا قررت القوات السورية والروسية المضي قدماً في عمليتها العسكرية في إدلب، سيكون على الجيش التركي أن يختار جانباً. لكن لماذا يختار الجيش التركي أن يقف في جانب الجهاديين؟ أو الجيش السوري المدعوم من روسيا؟ أنا لا أتفق مع سياسة الحكومة التركية الرامية إلى تعزيز نقاط المراقبة، وأعتقد أن عليها أن تعزز أمن الحدود بدلاً من ذلك.
سؤال: في رأيك، هل تعتقد أن الدول الأوروبية تشعر بالارتياح إلى تأجيل حدوث أزمة إنسانية محتملة؟ ذكرت أن بعض الجهاديين قد يعبرون الحدود باتجاه تركيا؛ ألا يشكل ذلك خطراً على أوروبا أيضا؟
جواب: الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا وفرنسا، تشعر بالارتياح لتجنب حدوث أزمة إنسانية الآن؛ لكن هذا يبدو ارتياحاً مؤقتاً. أعتقد أن موسكو وبرلين على وجه الخصوص مع القضاء على الإرهابيين في إدلب.
فلا دول أوروبا، ولا روسيا، تود أن ترى الجهاديين يعبرون الحدود صوب تركيا. على الجانب الآخر، تَخلُق أنقرة هذه المشكلة بنفسها من خلال سياساتها.
سؤال: في اعتقادك، ما هو شعور الأكراد في سوريا بشأن هذه التطورات في إدلب؟
أعتقد أنهم يجب أن يكونوا سعداء بهذا الموقف؛ فالقوات التركية ستكون مشغولة في محاولة التعامل مع هذه الفوضى في إدلب.
وقد تحاول تركيا استيعاب الجهاديين في صفوف جماعات المعارضة وأن تستخدمهم في وقت لاحق ضد الأكراد. لكن سيكون من الصعب جداً الحصول على دعم موسكو وواشنطن في هذه الظروف.