لا يعد كولن تارك العمل كافراً بل يبقى في دائرة الإيمان إذا كان معتقدًا أن هذا العمل فرض، لكنه يأثم بتركه العمل. ويعد النفاق أخطر من الفسق، لأن النفاق عمل من غير إيمان.
فالإسلام: تعلق بالله، وحب، وإخلاص، وعبادة لله كأننا نراه وتمثل بالخُلُق الحسن وكأن الأستاذ فتح الله كولن في تعريفه السابق يلخص الإسلام كله، فهو يركز على القول والفعل والحال، يقول كولن: ” فأساس الإسلام وباطنه: الإذعان والتسليم، أما ظاهره فطاعة وانقياد وعمل”.
إن الأستاذ كولن وإن كان يرى التفريق بين الإسلام والإيمان – التصديق – من حيث المعنى اللغوي، لكنه يرى تلازمهما وعدم انفكاك أحدهما عن الآخر في الحقيقة، “لأنه لا إسلام بدون إيمان، ولا إيمان بدون إسلام، والإسلام كدين هو الأمر الجامع لذلك كله”([3]).
تعريف الإيمان
وبهذا يكون كولن مؤكدًا لرأي المحدثين والسلف من أهل السنة والجماعة في تعريفهم للإيمان بأنه: ” تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان”([4]). يقول كولن: “لكي يثمر الإيمان ويسبغ الحياة على الوجدان، لا بد من إسناده بالعمل الصالح” ([5]).
كولن وإن كان يرى التفريق بين الإسلام والإيمان – التصديق – من حيث المعنى اللغوي، لكنه يرى تلازمهما وعدم انفكاك أحدهما عن الآخر في الحقيقة.
الإيمان وترك العمل
ومع أن كولن يركز على أهمية العمل لكنه لا يعد تاركه كافراً بل يبقى في دائرة الإيمان إذا كان معتقداً أن هذا العمل فرض، لكنه يأثم بتركه العمل. ويعد النفاق أخطر من الفسق، لأن النفاق عمل من غير إيمان، فهو كفر مخفي لا يغفر، أما الفسق فهو ترك العمل مع وجود الإيمان، ويحتمل فيه المغفرة بالتوبة، والاستغفار، والإنابة الى الحق، ويرى حسن الظن بتارك العمل، وعدم الحكم عليه بالكفر، لكن الأمر مختلف مع تارك العمل الذي يستحقر المؤمنين، فهو يميل إلى تكفيره، ويؤكد أن المكره مؤمن لأن قلبه مطمئن بالإيمان، ولو تلفظ بالكفر مكرها” ([6]).
يوافق رأي كولن رأي المحدثين والسلف من أهل السنة والجماعة في تعريفهم للإيمان بأنه: ” تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان.
مسألة زيادة الإيمان ونقصه
يرى كولن أن الإيمان يزيد وينقص بالعمل، يقول كولن: “الأساس الإيمان، والباطن يستدعي الظاهر ويربو به، والظاهر يستند إلى الباطن ويقوم به وأن العمل هو صوت لروح النظر وجوهره” ([7]). والشاهد هنا قوله ويربو به، لأن الأساس هو الإيمان، والظاهر الذي يزيد وينقص هو العمل، وهذا نص في زيادة الإيمان ونقصانه عنده، وهو بهذا يخالف رأي الماتريدية الذين لا يرون زيادة الإيمان ونقصانه لأن الإيمان عندهم هو التصديق وهو لا يقبل النقصان ([8]).
ويخلص كولن إلى تعريف شامل للإسلام كدين بأنه: ” مجموع السنن الإلهية المنزلة لإخراج البشر من سجن الحيوانية وتجهيزهم للسياحة في إقليم القلب والروح، وروح هذا النظام: الإيمان، وجسده: الإسلام، وشعوره: الإحسان، وكل هذا عنوانه الدين” ([9]) وكثمرة لهذا الإيمان يجعل المؤمن والمسلم الدين إحياءً لحياته وحياة المؤمن بتحقق هذا الدين وتبليغه للآخرين.
يرى كولن أن الإيمان يزيد وينقص بالعمل.
تلخيص وتعقيب:
يفرق كولن بين الإسلام والإيمان في اللغة, لكنه يرى صعوبة التفريق بينهما في المعنى الاصطلاحي، فهما وجهان لحقيقة واحدة أساسها: التسليم والانقياد لله, وظاهرها: العمل، ولا يعد متدينًا من لم يجمع بين الباطن والظاهر كما يقول الإمام أبو حنيفة : “الإيمان مع الإسلام كالبطانة مع الظهارة” ([10])، وهو بهذا – كعامة أهل السنة – يحذر من ترك العمل والنفاق والتكفير ويعذر المكره ويرجح زيادة الإيمان ونقصانه بالعمل, وهذا المنهج هو الذي يطلق الطاقات، ويحمي المجتمعات من الانحراف، فقبول التوبة يفتح باب الاستقامة, وزيادة الإيمان بالعمل تطلق طاقة المسلم في خلافة الأرض، طاعة لله ورغبة بما عنده، وبهذا يكون الدين إحياء للحياة الدنيا والعقبى، وبعد هذا التمهيد حول علاقة الإنسان بربه من حيث الإسلام والإيمان أو الكفر والنفاق، والتي هي ثمرة العقيدة انتقل إلى منهج كولن في العقيدة، الذي يرى الاستدلال بخبر الآحاد , والجمع بين نوري الوحي والعقل , والربط بين العقيدة والعمل .
بقلم/ أمل عبد الله محمد النعيمات