إعداد: محمد حامد، باحث مصري في العلاات الدولية
القاهرة (زمان التركية) – قمة طهران كانت قمة الملفات الساخنة سواء على مستوى العلاقات الثلاثية بين طهران وأنقرة وموسكو سياسيًّا واقتصاديًا وتجاريًا وعسكريًا أو على المستوى الإقليمي فيما يخص الأزمة السورية، بالإضافة إلى ملف العقوبات الأمريكية على الدول الثلاث التي فرضتها إدارة دونالد ترامب بشكل متتال عليها، فالقمة تعبر عن التحالف الجديد بين موسكو وأنقرة وطهران، التحالف الذي يرغب في إحلال السلام في سوريا دون الجور على مصالح الدول الثلاث.
تعد هذه القمة الثالثة بعد قمتين في تركيا وروسيا، وتأتي لتكمل سلسلة القمم الماضية. هذا هو تحالف أستانة الكبير الذي أنشأ مناطق خفض التصعيد الأربعة في سوريا والتى أدت إلى نهاية الحرب في سوريا بشكل عملي وتسوية الصراع بين المعارضة المسلحة والنظام السوري.
أولا: قمة الحرب على أدلب
تعتبر قمة طهران هي المحطة الأخيرة في قطار أستانة الذي انطلق في مايو/ أيار الماضي لإنهاء الحرب في سوريا والتى ستنتهي في إدلب.
في ظل الحديث المتواتر حول إعداد النظام السوري وحلفائه من الروس والإيرانين للهجوم على مدينة إدلب في شمال سوريا لتصفية آخر معقل من معاقل الجناح المتطرف بالمعارضة السورية المسلحة أو بالأحرى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا) والتى مولت قطريًا طوال السنوات الماضية، ولكن المقاطعة العربية لقطر جففت منابع التمويل لها، فجبهة النصرة تنظيم إرهابي، ولا شك أن ما سيحدث خلال الأيام القادمة من مواجهات بين النظام السوري بمساندة الروس والإيرانين سيتم تحت شعار مكافحة الارهاب.
ويسعى كل طرف من أطراف أستانة لتحقيق مكسب من معركة إدلب على النحو التالي:
تركيا أيضا ستشارك في هذه الحرب تحت ذريعة تصفية التواجد الكردي في إدلب خاصة أن إدلب تعتبر امتدادا استراتيجيًا لقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية وأيضا ستتذرع بحماية المدنيين من بطش النظام السوري أو هكذا سيتم الترويج له من قبل وسائل الإعلام التركية، بل للمفارقة سيشارك قوات سورية من قوات المعارضة السورية المعتدلة والتى أصبحت قوات رديفة من القوات التركية التى حاربت في درع الفرات وغصن الزيتون وأصبح ولائها الأول للأتراك ستتشارك مع أنقرة في دخول إدلب
أما الروس فيرون أن حرب إدلب لتصفية بؤرة جبهة النصرة هي خير ختام وتتويج للجهود الروسية التى بذلت منذ سبتمبر/أيلول 2015 أي قبل ثلاثة أعوام من الآن عندما شارك سلاح الجو الروسي في الحرب السورية لمساندة النظام السوري وإنقاذه من الانهيار، قامت روسيا باستغراض كبير لسلاح البحرية الروسي وبوراج حربية وغواصات وأعلنت عن مناورات بحرية في مياه المتوسط لأول مرة في تاريخيها وهي تريد إرسال رسائل إلى الولايات المتحدة والغرب أنها لن تسمح لأحد بالتدخل في معركة إدلب، بالإضافة إلى الزهو بالنفس أنها قضت على أعتى موجه من الثورات الملونة في الشرق الأوسط (الثورة السورية) أو مايعرف بالربيع العربي وهو صنيعة غربية بالأساس مثلما فعلت من قبل في بداية العقد الماضي عندما تصدت للثورات في أوكرانيا وجورجيا وأكثر من دولة من دول الاتحاد السوفيتى السابق .
أما المعركة بالنسبة لإيران والنظام السوري فهي معركة إعلان النصر لمحور المقاومة الذي حشد بكل قوته لكي يفوز في هذه المعركة. فسوريا عادت كلها في قبضة الأسد. استطاع النظام السوري استعادة كافة الأراضي التى خسرها خلال السنوات الثمانية الماضية بمساعدة الحليف المخلص إيران. فبعد أن تحولت إدلب إلى مستودع لكافة المقاتلين وعائلتهم الذين خرجوا من درعا والغوطة الشرقية حتى أصبحت المعقل الأخير لهم لا مجال للخروج إلى مكان آخر.
فيمكن القول إن الشمال الشرقي سيكون من نصيب تركيا لتؤمن نفسها من التمدد الكردي، والشمال الغربي سيكون من نصيب روسيا لكي تحافظ على الظهير الاستراتجي لقاعدة (حميم) الروسية، والجنوب الشرقي والغربي يرغب النظام السوري والميلشيات الإيرانية في تأمين تواجدهم هناك، وسيسعي جميع الأطراف إلى أن تتم العمليات العسكرية بأقل الخسائر في أرواح المدنين حيث تعج إدلب بـ4 ملايين مواطن سوري، بينهم أكثر من 75 ألف مقاتل فيجب تجنب عدم استخدام المدنين كدروع بشرية، وبذل جهدا حثيثا لعدم وقوع مأساة إنسانية في إدلب على غرار ماحدث في حلب قبل عامين خاصة في ظل حديث استيفان ديمستورا حول امتلاك هيئة تحرير الشام أو جبهة النصرة سابقا لغاز الكلور وأسلحة كيماوية وهو ما قد يتخذه الغرب وتحديدا إدارة دونالد ترامب لتوجيه ضربة عسكرية جديدة لسوريا.
ثانيا: قمة طهران والعقوبات الأمريكية:
إن التحالف الثلاثي بين إيران وروسيا وتركيا كما يجمعه اتفاق أستانة يجمعه أيضا عقوبات أمريكية فرضت من قبل إدارة ترامب لأسباب مختلفة، فالروس متهمون بالتدخل أو التاثير في الانتخابات الأمريكية، وهذا أكبر تهديد للأمن القومي الأمريكي، بالإضافة لتقويض أمن واستقرار أوكرانيا. أما الإيرانيون فترامب صفعهم بالانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة العمل بمنظومة العقوبات الدولية والأمريكية مجددا. أما الأتراك فجاءت أزمة احتجاز القس الأمريكي أندرو برنسون لكي تفجر أزمة عقوبات أمريكية على وزراء أتراك وعلى سلع تركية تصدر إلى الولايات المتحدة مما أثر سلبًا على الاقتصاد التركي، فهي قمة كل من اكتوى من نار العقوبات الأمريكية .
ويمكن إجمال ذلك في النقاط التالية:
التحالف الثلاثي بين الدول بني على مصالح فرضتها عليهم الممارسات الأمريكية ضد بلادهم، فروسيا قوة عظمي ترفض الاستهانة بها، والرئيس فلاديمير بوتين لا يؤمن بعالم أحادي القطبية بل بعالم ومجتمع دولي متعدد الأقطاب، وأن عصر الهيمنة الأمريكية على القرار الدولي واشك على الأفول. فروسيا استطاعت أن تستخدم دولتين إقليميتين وزانتين مثل إيران وتركيا لتصبحا درعا واقيا في مواجهة الولايات المتحدة، بل استطاعت روسيا منفردة تثبيت بل فرض رؤيتها لحل لإنهاء القتال في سوريا وإقناع الطرف التركي والإيراني وإبعاد أو تقليص النفوذ الأمريكي في سوريا .
روسيا أيضا استطاعت نزع تركيا من المربع الغربي وضمها إلى حاضنتها، بل إن روسيا جعلت تركيا تنسلخ من الناتو وهي ثاني أكبر جيش في هذا الحلف الذي أسس لمواجهة الروس واليوم تشذ أنقرة عن القاعدة وتهرول لروسيا وإيران خصوم الولايات المتحدة الأمريكية، والتناغم الروسي التركي ناتج من الدعم الروسي لتركيا بعد الانقلاب الفاشل في تركيا في عام 2016 ومساندة موسكو لتركيا ورفضها العقوبات اأامريكية الأخيرة عليها وأيضا الترحيب باستخدام العملات المحلية (الروبل والليرة) في التعاملات التجارية.
كان إلغاء الاتفاق النووي بالنسبة لإيران خبرا صادما لم تفق من صدمته حتى الآن بل ترى أن مراده الرئيسي هو إسقاط النظام وإشعال الفوضي في البلاد، مما يؤدي إلى إضعاف النظام السياسي وتقويض الاقتصاد الإيراني الذي ما لبث أن بدأ يتعافى من العقوبات ثم عادت له مرة أخرى وهو ما يجب أن تتصدى لها طهران.
على الرغم من أن إيران ظلت لفترة طويلة دولة منبوذة ولكن استطاعت استقطاب تركيا نحوها وإقامة علاقات قوية ومتينة على كافة المستويات مما جعل أنقرة من الصعب عليها أن تفك ارتباطها بإيران لاعتمادها على الغاز الإيراني وتجلى ذلك في الرفض التركي وبصوت عال أن تنصاع للعقوبات الأمريكية أو تلتزم بإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران مرة أخرى، بل تعهدت برفع علاقتها التجارية من 10 مليارت دولار إلى 30 مليار دولار، وأيضا التعامل التجاري بالعملات المحلية (التومان –الليرة ) للتصدي للعقوبات الأمريكية على البلدين وتعزيز سعر صرف العملة في البلدين .
إن روسيا ترى في إيران وتركيا أذرعها الطويلة في الشرق الأوسط التي تقوم بتطويع مسار الأمور في ملفات عدة في المنطقة لصالح موسكو وكسر النفوذ الأمريكي في المنطقة. خاصة أن روسيا عضو مؤسس ومؤثر في منظمة شانغهاي وبريكس، وهما مؤثران في الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي. لذا تسعى كل من طهران وأنقرة الاتحاق به لكى يعود بالنفع على اقتصاد بلديهما وللتخفيف من وطأة العقوبات الأمريكية.
ثالثا: (الخلاصة): قمة السابع من سبتمبر رسمت آفاق استراتجية للدول الثلاث حول المعركة الأخيرة في سوريا ومستقبل سوريا بعد انتهاء الحرب وأيضا ستشهد تعاضدا وتكاتفًا ثلاثيا لمواجهة العقوبات الأمريكية التى أصبحت تقوض استقرار بنية الأنظمة السياسية والاقتصادية في الدول الثلاث روسيا وإيران وتركيا.