لا لحب عليٍّ بل لبغض عمر
حول تدويل خدمة الحجاج والحرمين الشريفين
بقلم: صالح جمال
أعتقد أن الاقتراحات حول تدويل خدمات الحجاج وإدارة الحرمين الشريفين قضية يثيرها أطراف تستقي معظم آرائها من رؤى إيرانية، و، تطل برأسها حينا وتخفيها أخرى، ليستخدموها شماعة في وجه المملكة العربية السعودية خاصة والعالَم السني عامة، وفي الآونة الأخيرة دخل على الخط بعض دول المنطقة وبعض جماعات محسوبة على الإسلام السياسي، لتنفخ في هذا الجمر، ليس لحد ذات القضية بل ليثيروها لأغراض سياسية من شأنها أن تشعل فتيل فتنة قد لا تستطيع الأمة الإسلامية إخمادها لمدة قرن. بل قد تكون شغلَ الأمة الشاغل، وتستنزف طاقاتها المالية والبشرية، وتشغلها عن التركيز على قضاياها الأساسية مثل بناء صرح الأمة من جديد، من خلال تنشئة جيل جديد ينهض بمهمة إنشاء حضارة جديدة، ويستطيع أن يقاوم التحديات التي تعرقل مسيرتها التاريخية، وتُفوّت عليها الفرصة للالتحاق بركب الحضارة. وفي نهاية المطاف تصبح هزيلة الجسم ضعيفة البنية وصيدا سهلا لمن يتربصون بها الدوائر.. أعاذنا الله منها..
ولا أستبعد أن تكون هناك أطراف دولية أخرى تريد استغلال الموقف لصب الزيت على النار، من أجل تصفية حساباتها الضيقة مع المملكة.. على حد المثل التركي القائل: “انزعج من البرغوث فأحرق اللحاف”، ولكن لن تقف المشكلة عند هذا الحد بل من شأنها أن تستفحل القضية ويتسع الخرق على الراقع، لا سمح الله..
ولذلك ننصح هؤلاء -والنصيحة واجب كل مسلم- أن يتذكروا أن الفتنة لا تقف غالبا عند الحدود التي يرسمها من يوقدونها.. وخير مثال على ذلك الحالة السورية، حيث كان يحلم بعض الأطراف بمن فيهم أردوغان والمغامرون حوله من المقامرين بدماء الأمة أنهم سيقضون في وقت قريب على نظام بشار الأسد مما يعبّد لهم الطريق إلى الشام التي سيُصَلُّون فيها صلاة الجمعة في الجامع الأموي، ولربما كان هذا الحُلم يذهب بأردوغان إلى أبعدَ من هذا فيَأمل أن تُنادى باسمه على المنابر بصفته خليفة للمسلمين.. ولا تزال الأرشيفات تحتفظ بالخطاب الحماسي الذي أدلى به أردوغان في مهرجان خطابي جماهيري بمحافظة أنطاكية المتاخمة للحدود السورية، يبشرهم بأنه سيصلى معهم صلاة الجمعة في غضون ثلاثة أشهر في الجامع الأموي.. ولما دخل على الخط أطراف إقليمية خرج الأمر عن السيطرة إلى أن أدى الأمر إلى تدخل قوى دولية كانت بالمرصاد.
وبالتالي ينبغي أن يكون اتخاذ الموقف من مثل هذه الاستفزازات حصيلةَ دراسة متأنية، تستخدم فيها جميع الوسائل المتاحة بعيدا عن ردات فعل متعجلة، لا تسمن ولا تغني من جوع.. فلا يزال جمر هذه الفتنة تقف بالمرصاد تحت رماد لا يلبث أن يتطاير بريح عاتية.. ولا يذتهبن الوهم بالبعض أن هذه السطور كتبت لمجرد التزلف أو التودد أو الانحياز إلى المملكة العربية السعودية.. بل هناك توجس ينبغي أن ينبغي أن ينتاب كل من يفكر بموضوعية ولا ينحاز إلا للحق ويحسب ألف حساب لما يحاك لبلادنا من متاعب إضافية تقصم ظهورنا وتضيف إلى معضلاتنا شرورا ومفاسد نحن في غنى عنها..
فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.. وطوبى للمصلحين الذين يفسدون ما أفسده الناس. ولست أدري هل الذين يجازفون بهذا عن علم أو غير علم يحسبون كل ذلك أو لهم أطماع تطغى على مشاعرهم وعقولهم وبصائرهم..
أجل، من حق كل مسلم أن يلفت نظر المسؤولين في السعودية إلى أي خلل أو قصور في الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، ويقدم حلولا إيجابية وطروحات مبتكرة، وأعتقد أن ذلك سيجد آذانا صاغية من قبل المسؤولين السعوديين إذا قيل بأسلوب بنّاء.. ولكن ينبغي أن لا يصل الأمر إلى ما قيل في المثل التركي: “أراد أن يصلح الحاجب فقفأ العينَ”.
وأكثر من يحزّ في نفوسنا أن يقوم بعض الجهات بتصفية حساباتها السياسية مع السعوديين من خلال استغلال المشاعر الدينية… وتبدو مثل هذه الأمور من قبيل: “كلمة حق أريد بها باطل”..
كفانا استغلال المشاعر والعواطف الدينية لأغراض سياسية أو شخصية!
وللحديث بقية يضيق عنها المقام..
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه..
كفوا عن ديننا… كفوا عن مشاعرنا… اتركونا وشأننا…