برلين (زمان التركية) على الرغم من وجود العديد من التعريفات والآراء المختلفة في موضوع القيمة في أدب العلوم الاجتماعية، فإننا يمكن أن نعرِّف القيمة بأنها معيار وحكم دائم يستوعب به الفرد في النهاية التفاعل مع بيئته، ويوجِّه به أفعاله. القيم بالمعنى الاجتماعي هي المبادئ السلوكية التي عُمِّمت واتفق المجتمع على كونها الأفضل والأصدق والأكثر فائدة. أما بالمعنى الفردي فتعُبِّر عن الحقائق الأساسية التي ترشد إلى السلوكيات.
المؤسسات الدينية والجمعيات الشبابية والمدارس يقع على عاتقها مهمة نقل القيم التي تتبناها المجتمعات أو الجماعات للأجيال الجديدة. في هذا السياق، فإن إحدى الوظائف المهمة للمعلمين هو نقل القيمة الإنسانية الأساسية والمعايير الأخلاقية للأجيال القادمة.
أهم عوامل نجاح مدارس كولن
إذا كانت المدارس التابعة لحركة كولن تلقى قبولا كبيرًا، فهذا يرجع إلى أدائها الناجح أكاديميًّا، بالإضافة إلى تدريسها القيم للطلاب. كيف يتم تدريس القيم التي تعمل على التكامل بين العقل والقلب؟ على الرغم من عدم تطبيقها لبرنامج مختلف عن المدارس الأخرى في الدول الموجودة بها؟
أعتقد أن جواب هذا يكمن في ثقافة المدرسة. ويمكن أن يقال إن القيادة والسلوك النموذجي للمدرسين في الأنشطة داخل المدرسة وخارجه له دور مهم، وبتعبير آخر فإن المعلمين هم عامل النجاح الأهم في قيام المدارس بتدريس القيم التي تُحقِّق البعد المعنوي أو الروحي للتربية الشمولية. في الواقع، فإن المعلم في التربية والتعليم هو عنصر النجاح الحاسم من كافة الزوايا. ومن هنا، فإن أعظم الفروق التي تراعيها مدارس كولن هو اختيارها لمعلميها الذين يدرسون القيم لطلابهم بسلوكهم المنضبط وروحهم العميقة.
وبما أن تأثير المعلم على الفرد يفوق كثيرًا تأثير الأم والأب والمجتمع؛ فقد وجَّه الأستاذ كولن محبيه إلى ضرورة أن يكون المعلمون تربويين من أجل توقع نجاحهم في تدريس القيم لطلابهم، ومن توجيهاته في أهمية المعلم قوله: “المعلم هو بطل المحبة والتسامح الذي يعرف طلابه بجميع صفاتهم، ويحتضنهم دائمًا بمودة، ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم، ويصفق لنجاحهم، ويغض الطرف عن جوانبهم السلبية. المعلم هو مربٍّ مثالي يوافق قوله فعله، ويظهر بحياته تمامًا الأشياء التي يتمنى وجودها لدى طلابه”.
وقد عملت الحركة في قطاع التعليم وأنشأ رجال الأعمال المنتسبون لها نحو ألف مدرسة في أنحاء تركيا وألفي مدرسة في أكثر من 100 دولة في أنحاء العالم، لا سيما في دول أفريقيا التي كانت ظروفها في غاية الصعوبة عندما كانت الحركة تعمل هناك. كما تمددت في هذه الأنشطة، لا سيما التعليمية منها التي تقدمها مدارس الخدمة بمستوى راقٍ. واجتذبت هذه المدارس أبناء الصفوة في الدول التي تعمل بها إضافة إلى تخصيص منح دراسية للطلاب المتميزين من غير المقتدرين. ونجحت الحركة في الاندماج في المجتمعات التي تعمل بها، لا سيما الفقيرة منها من خلال حفر آبار المياه وتقديم المساعدات الغذائية والطبية والمنح الدراسية كما في الدول الأفريقية وبعض دول آسيا والقوقاز.
المصدر: مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي خبرات مقارنة مع حركة فتح الله كولن التركية، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، صـ366، 367، 368 بتصرف.