تقرير: عبد السلام كمال أبو حسن
برلين (زمان التركية) – كشف تقرير جديد أن الحكومة التركية استتخدمت مراسيم الطوارئ لمعاقبة نواب البرلمان من خلال نزع الحصانة البرلمانية وإلقاء القبض على النواب المعارضين أو المستقلين، إلى جانب المواطنين العاديين”، وكذلك السماح لجهاز الاستخبارات بإجراء عمليات غير قانونية من قبيل الخطف والتهديد بالقتل داخل تركيا وخارجها دون أدنى مسائلة قانونية.
أكدت دراسة جديدة صدرت عن كل من “مركز نسمات للدراسات الاجتماعية والحضارية” و النسخة العربية لصحيفة “زمان التركية” أن الحكومة التركية توسعت في إصدار مراسيم الطوارئ ليس فقط في الشؤون الضرورية؛ بل في الأمور العادية التي تحتاج للمناقشة الاجتماعية والبرلمانية لتأثيرها المباشر على مصالح فئات مختلفة من المجتمع.
وتحت عنوان “مقصلة مراسيم الطوارئ في تركيا” أشار التقرير إلى أن المتابع للشأن التركي يظهر له جليًّا أن حالة الطوارئ سمحت لأردوغان بإصدار مراسيم لها قوة القانون، أحدثت على مدى عامين تغييرًا عميقًا في التشريعات التركية، وبموجب التعديل الدستوري، يحتفظ الرئيس بهذه الصلاحية بعد رفع حالة الطوارئ.
مراسيم الطوارئ حقائق وأرقام
وذكر التقرير أنه وبموجب مراسيم الطوارئ وحسب آخر الإحصائيات بلغ عدد الذين تعرضوا للاستجواب خلال العامين الماضيين ما يقرب من 400.000 فرد، اعتقل منهم 80.147 فردًا، وتم احتجاز 141.558. أما الذين فصلوا من وظائفهم فقد بلغوا 170.372، منهم 17.844 ضابط جيش تم عزلهم من المؤسسة العسكرية، و5.335 محافظًا وإداريًّا تمت إقالتهم، و33.417 شرطيًّا تم فصلهم، و4.463 قاضيًا ومدعيًّا عامًا تم عزلهم، و16.409 طلاب عسكريين فصلوا من أكاديمياتهم العسكرية. بالإضافة إلى 8.573 أكاديميًا في الجامعات المختلفة و55.288 مدرسًا ومديرًا إداريًّا في وزارة التعليم، و7.220 في وزارة العدل، و7.249 طبيبًا وموظفًا في وزارة الصحة، و3.330 إمامًا وواعظًا في إدارة الشؤون الدينية. هذا إلى جانب إغلاق 200 وسيلة إعلامية وحجب آلاف المواقع والمدونات الإلكترونية، واعتقال 319 صحفيًّا، وصدور مذكرات اعتقال بحق 142 صحفيا آخرين مشردين خارج البلاد.
وأضاف التقرير أن حزب الشعب الجمهوري المعارض كشف في تقريره الخاص بالذكرى السنوية الثانية للمحاولة الانقلابية عن انتحار 60 شخصًا على الأقل من الذين اتخذت ضدهم إجراءات قانونية في إطار التحقيقات، بينما أقدم 4 أشخاص على محاولة الانتحار. ووقعت 8 من هذه الحالات في السجون أو في المعتقلات أو أثناء الاعتقال.
انتهاك مراسم الطوارئ للقانون في تركيا
وتحت عنوان (انتهاك مراسيم الطوارئ للمبادئ القانونية) تحدث التقرير أن الرئيس رجب طيب أردوغان بفضل حالة الطوارئ تمتع بقوة كل سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية في آن واحد؛ فقد كان هو المشرع والقاضي والمتحدث باسم الأمة، وكان يقرر قبل القضاء ما الذي يعد جريمة ومن هو المذنب وما العقوبة المناسبة لجريمته، ويطالب المحاكم باتخاذ اللازم. وفي حالة ما لم تحكم المحاكم طبقًا لما يوافق سياساته الخاصة، كان يحرض عموم الشعب على تنفيذ الحكم بأنفسهم، فقد قال: “لن ينجو أي واحد من هؤلاء القتلة من المصير المحتوم الذي ينتظرهم، ولن يساعدهم الدفاع الذي يقدمونه أثناء المحاكمة عندما يتعفنون في السجون، وعندما تنتهي مدة حبسهم ويطلق سراحهم، شعبنا هو من سينفذ فيهم العقوبة اللازمة (القتل) أينما وجدهم في الشوارع”.
وفي ذات الصدد أكد التقرير أن استخدام العنف أصبح ظاهرة ليس فقط ضد الأشخاص بصورة فردية بل ضد المنشآت والمؤسسات التي تستهدفها الحكومة التركية، فلقد تعرضت العديد من المنشآت المرتبطة بحركة كولن من مكتبات ومدارس وجامعات للنَّهب والتخريب والمداهمة، وفي مظاهرات قادتها شخصيات بارزة من الحزب الحاكم -معروفة بتطرفها الفكري- طالبوا الجماهير باعتبار كل ممتلكات حركة الخدمة غنيمة يمكن الاستيلاء عليها، وهذا الفكر لا يختلف عن العقلية التي كانت تدير ما يسمى الدولة الإسلامية بالعراق والشام (داعش).
استهداف الجرائد المعارضة وحبس المشتركين فيها
أضاف التقرير أنه على الرغم من أن الدستور يحظر صراحة مصادرة الصحف وكل مؤسسات البث والنشر بجميع أشكالها إلا أن الحكومة التركية استخدمت مراسيم الطوارئ للقضاء على الصحف المستقلة وعلى كل المعارضين لها، حيث قامت الحكومة التركية بمصادرة جريدة زمان اليومية في 4 مارس 2016، وهكذا تحولت الجريدة بين عشية وضحاها من جريدة مستقلة تعارض سياسات الحكومة، إلى جريدة موالية تردد ما تمليه عليها الحكومة.
وأشار التقرير إلى أن مصادرة الجريدة وحدها لم يكن كافيًّا، ففي كثير من الحالات تم القبض على مواطنين بتهمة الاشتراك في صحيفة “زمان”، بدعوى أن الجريدة هي جزء من حركة كولن “الإرهابية”، وكذلك يصبح زوج أو زوجة هذا المتهم وأولاده أيضا مشتبهًا بهم في قضايا “إرهاب”، مع الأخذ في الاعتبار أن الجريدة كانت توزع مليون ومئتي نسخة يوميًا، كل هؤلاء أصبحوا مشتبهًا بهم، وسيتضاعف الرقم بإضافة أزواج أو زوجات وأولاد المشترين للجريدة.
واليوم هناك آلاف من المواطنين والمواطنات الأتراك المعتقلين بتهمة قراءتهم جريدة كانت توزَّع في كل مكتبات بيع الجرائد والمجلات، وتباع من خلال الكروت الائتمانية لأن لها وضعًا قانونيًّا معتبرًا، وتعمل تحت مظلة القانون والدستور والقانون الدولي.
وبين التقرير أن هذا التعسف في استخدام مراسيم الطوارئ لا يقتصر على جريدة زمان وقرائها، بل طال أيضًا عديدًا من المنشورات الهامة مثل صحيفة “Bugün”اليومية، ومجلة “Aksiyon”الإخبارية الأسبوعية والدورية الشهرية “Sızıntı” كانت مدرجة أيضًا كدليل جنائي من قبل المدعين العامين الذين حققوا مع المشتركين من قراء تلك المجلات والصحف، إذ يتم تضمين سِجِلّ الاشتراك في لائحة الاتهام باعتباره دليلاً
استهداف عملاء بنك آسيا
قال التقرير إن السلطات التركية استخدمت تهم وأدلة جديدة بعيدة كل البعد على التهم والأدلة القانونية؛ من أجل معاقبة كل معارض لها، ومن ضمن هذه التهم فتح حساب في بنك آسيا، فعلى الرغم من أن بنك آسيا كان أحد أعلى ثلاثة بنوك سيولة نقدية في تركيا إلا أنه لم يسلم من استهداف أردوغان، لأن بعض المساهمين من المستثمرين بالبنك ذوو صلة بكولن. وقد بدأت حملة أردوغان على البنك أولاً بإشاعة إفلاسه، ولأن هذه الشائعة لم يكن لها أي أساس من الصحة لم تجد لها تأثيرًا سلبيًّا على البنك، لذا تم افتعال قضية قانونية لمصادرة البنك عن طريق الموالين للحكومة داخل المؤسسة القضائية، وقامت الحكومة بملاحقة المساهمين في البنك من المستثمرين وكذلك 700.000 مواطن خضعوا جميعهم للتحقيق لا لشيء إلا لأنهم من عملاء البنك.
واختتم التقرير بأن الجميع بات يدعو الحكومة التركية إلى استعادة حكم القانون، والكف عن التعذيب والمعاملة اللاإنسانية للمواطنين في المعتقلات والسجون، وإتاحة فرصة تواصل المحتجزين مع محاميهم، والتحقيق بشكل شامل وفعال في حالات إساءة استخدام السلطة من قبل الحكومة، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين وخاصة الصحفيين، وكذلك إسقاط جميع التهم الموجهة للمسجونين، وإعادة الأصول المالية التي استولت عليها الحكومة من غير حكم قضائي باتّ إلى أصحابها الشرعيين، وتعويضهم عما لحقهم من ضرر مادي ومعنوي، وكذلك ضمان محاسبة المسؤولين الحكوميين الذين أساءوا استخدام مناصبهم السياسية.