إسطنبول (زمان التركية) – نشر موقع “أحوال تركية” الحوار الذي أجراه الكاتب الصحفي “أحمد كولوسوي” مع النائبة عن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في البرلمان التركي عن محافظة إسطنبول “هدى قايا” التي خطفت الأضواء على نفسها بنضالها المستمر من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وقال الصحفي كولوسوي في صدد تعريفه بالمناضلة هدى قايا إنها أصبحت نائبة عن حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان عن محافظة إسطنبول في السابع من يونيو 2015، وعُرفت بنضالها ومواقفها الشجاعة في وجه السلطات، ونالت احترام المجتمع التركي بكفاحها من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وأفاد أن لها كتابات في العديد من المجلات، إلى جانب مقالاتها في صحيفة “السلام”. قامت الشرطة التركية بإلقاء القبض عليها في الفترة التي اندلعت خلالها أحداث الحجاب في عام 1998.
ولفت إلى أن هدى قايا تعرضت للاعتقال مرة أخرى بسبب مقال لها بعنوان “ليلة الحس الوطني”. ولم يسلم ابنها محمد جهاد، الذي لم يكن قد تجاوز الثالثة عشرة من عمره، من يد الشرطة أيضاً؛ فجرى اعتقاله -هو الآخر -أثناء هذه الأحداث، تحت تهديد السلاح في ميدان أق بينار، الذي يعد من أكثر الأماكن ازدحاماً في ملاطيا بأكملها.
وأشار إلى أن السيدة قايا وابنها قُدِّما للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة التركية بذريعة ارتكابهما “جريمة فكر”، وأصدرت المحكمة قرارها بحبس هدى قايا لمدة عشرين شهراً، استناداً إلى المادة 312 من قانون العقوبات التركي.
بعد هذا التعريف المقتضب بنائبة الحزب الكردي هدى قايا انتقل الصحفي أحمد كولوسوي إلى سرد تفاصيل الحوار:
*سؤال: هل يمكنك أن تصوري لنا الواقع السياسي في تركيا اليوم؟
يقبع في سجون تركيا ما يربو عن 100 ألف معتقل؛ لم يقترف أي منهم إثماً سوى أنهم عبَّروا عن رأيهم، أو انتقدوا السلطة الحاكمة على وسائل التواصل الاجتماعي، أو شاركوا بتغريدة، أو ما شابه على أحد المواقع.
ألقوا بهم في السجون لأنهم طالبوا بالسلام. والأدهى من ذلك أنهم لا يستدعونهم لحضور جلسات المحاكمات؛ وبالطبع قاموا بعزل هؤلاء الأشخاص من وظائفهم، وصارت زوجاتهم وأبناؤهم يتسولون قوت يومهم. أعتقد أنه سيكون من الظلم وصف الصور، التي نعيشها اليوم، بأنها “ضبابية غير واضحة”؛ فهي في حقيقة الأمر كالحة السواد. لا بد أن نسارع بتطبيق “برنامج تصحيح”. ينبغي أن نترك اللغة التي تحض على الكراهية وامتهان آدمية الآخر. لا بد أن يتحلى جميع المواطنين-ولا أقصد فئة بعينها-بالإرادة، وأن يكون لديهم ضمير، وأن تظهر شخصيتهم في فكرهم وكتاباتهم. لا بد أن يكون للجميع الحق في توجيه النقد؛ فالحق في النقد هو الذي يصنع الرجال. ويتعين على السلطات في المقابل أن تتيح لهم استخدام هذا الحق بحرية تامة.
الطبيعي أنك تستطيع أن تناقش وأن توجه النقد إلى أي شخص أو أي شيء لا تؤمن به. الله سبحانه وتعالى نفسه لم يحظر على البشر أن يُعملوا عقولهم، بل -على العكس من ذلك-حثّهم على التفكير. وهناك الكثير من الآيات التي تحث على هذا الأمر في القرآن الكريم. إذن فالخالق نفسه لم يحظر على الإنسان التفكير والتدَبُّر؛ فمن يكون هذا “المخلوق”؛ كي يضفي نوعاً من القدسية على نفسه وعلى مؤسساته؛ فلا يمسها أحدٌ أو يتعرض لها بالنقد؟! هذا أمر لا يقبل به أي عقل سليم! فمثل هذا التفكير لن تجني منه المجتمعات إلا الخراب، وهذا ما حدث بالفعل.
*سؤال: لم يتبق سوى أيام قليلة على بدء العام الدراسي الجديد. تتجه الأنظار في هذا الإطار نحو توجه الدولة لإضفاء الطابع الديني على التعليم، وفرض دروس دينية إلزامية على الطلاب. ما رأيك في هذا الاتجاه من جانب الدولة؟
لا بد أن يكون لنا وِقفة جادة في هذا الموضوع على وجه الخصوص؛ إذ لا يمكن لأية عقيدة أو لأي مذهب أن يفرض نفسه على الآخرين، كما لا يملك أحدٌ الحق في أن يفرض طريقته في التفكير على الطرف الآخر. لا بد أن يتمتع كل مواطن-مهما كانت عقيدته أو مذهبه-بحقه الكامل في تنشئة أبنائه بالشكل الذي يريده هو.
كان بإمكاننا أن نطرح مثل هذه القضايا للمناقشة في مجلس النواب قبل بضع سنوات. أما اليوم فنحن عاجزون عن القيام بهذا الأمر. أصبحنا في وضع أكثر سوءاً من مجرد مناقشة موضوع الدروس الدينية الإلزامية، الذي ناقشناه قبل ثلاث سنوات. أنا كمسلمة غير راضية عن هذا النظام؛ فأنا لا أريد أن يُجبر حفيدي على الجلوس في مدرسة يُلقَّن فيها أفكار هذه الزمرة الحاكمة. هذه مشكلتنا جميعاً، وليست مشكلة العلويين فقط.
ينبغي أن نتصدى لهذا الأمر؛ فلا نقبل -بأي حال من الأحوال -موضوع الدروس الدينية الإلزامية. لقد أصبح التعليم في تركيا في حالة يُرثى لها. لقد فقد المجتمع قيمه، وضاعت الضمائر، وصار همنا الآن هو النضال من أجل البقاء.
*سؤال: سمعنا مؤخراً أن الانتخابات المحلية ستجري في الخريف القادم. هل لديكِ خارطة طريق محددة من أجل إسطنبول، وكيف تستعدين في هذه المرحلة، وهل تفكرين في تكوين تحالف مع الاشتراكيين اليساريين؟
البرلمان الآن في عطلة بدأت قبل يونيو. وخلال هذه العطلة جرت انتخابات الرئاسة، ومراسم حلف اليمين الدستورية، وستستمر العطلة حتى الأول من أكتوبر المقبل. ومع هذا، فنواب حزب الشعوب الديمقراطي – وكذلك اللجان العليا -مستمرون في أعمالهم على قدم وساق؛ حيث يتم المصادقة على كافة القرارات الاستراتيجية بما فيها نتائج الانتخابات المحلية هناك. لا أعرف ما الذي يدور في كواليس هيئة الإدارة المركزية الآن، ولكن هناك احتمال قوي؛ يتمثل في أن يتم تبكير موعد إجراء الانتخابات. في اعتقادي الشخصي، يتعين على كل حزب أن يدفع بمرشح له في هذه الانتخابات.
تحدثت عن وجهة نظري هذه أثناء انتخابات الرئاسة أيضاً. ولو استمعت الأحزاب لنصيحتي لما حدثت هذه المهانة؛ فالتحالف ليس مشكلة حزب الشعوب الديمقراطي وحده، لأنه يرتبط بقناعات الأطراف المقابلة كذلك. كيف سيكون التحالف؟ هل سيقبل الطرف الآخر المرشح الذي تقدمنا به؟ من المهم أن يكون هناك توافق كبير بين الطرفين. والنقطة التي يجب أن نهتم بها في حزب الشعوب الديمقراطي هي اتجاهات القاعدة العريضة للحزب.
قايا: مئات الالاف ألقي بهم في السجون لأنهم طالبوا بالسلام
قايا: مئات الالاف ألقي بهم في السجون لأنهم طالبوا بالسلام
*سؤال: وجه صلاح الدين دميرطاش مؤخراً نداء من أجل النزول إلى الميادين، منتقداً الإدارة الحالية في حزب الشعوب الديمقراطي. كيف تقرأين هذا التصريح؟
يجب أن نقَيِّم النقد الذي وجهه صلاح الدين دميرطاش بالمعنى الإيجابي، وليس العكس. وبالتالي يتعين على الجميع في حزب الشعوب الديمقراطي أن يعير سمعه وانتباهه لأي نقد يوجهه رجلٌ ناضل وكافح وبذل الجهد مع الحزب لسنوات طوال. ماذا ننتظر من رجل غلُّوا يديه وقدميه وألقوا به في السجن؟! أليس من الطبيعي أن يوجه النقد لما يصير على الساحة الآن؟ أما نحن، فيتعين علينا جميعاً أن ننتبه لمثل هذه الانتقادات، وأن ندرسها جيداً. نحن نتفاخر دائماً بانتمائنا إلى حزب يمثل هويات وفئات مختلفة.
*سؤال: بقدر معرفتي، فأنتم تقومون بدور سياسي فاعل تحت سقف حزب الشعوب الديمقراطي منذ السابع من يونيو حتى يومنا الحاضر. في رأيك هل ارتكب حزب الشعوب الديمقراطي أخطاءً سياسيةً خلال الفترة الماضية؟ هل توضحين لي هذا الأمر من فضلك؟
بالطبع كانت لدينا أخطاء، ولايزال لدينا جوانب قصور حتى هذه اللحظة أيضاً. ولكننا نحاسب أنفسنا باستمرار سواء كان النقد الموجه إلينا من مخاطب لنا أو من أبناء شعبنا؛ فالنقد عندما يوجه يكون الهدف منه إصلاح جوانب معينة. أعتقد أن الوضع في حزب الشعوب الديمقراطي يختلف كثيراً عن غيره من الأحزاب الأخرى؛ فهو غالباً ما يحتكم لخبرته السياسية وبصيرته.