أنقرة (زمان التركية) – توقع كاتب تركي أن تأخذ بلاده خطوة إلى الوراء في أزمتها مع الولايات المتحدة، على غرار ما اتبعته في الفترة الماضية مع روسيا وألمانيا.
وتناول الصحفي حسين أيكول الوضع في تركيا بقوله إن زعماء الدول الأخرى كذلك يختارون هذه الطريقة ولكنهم لا يفعلونها بشكل بارز بهذا القدر.
وواجهت تركيا التي اصطدمت خلال السنوات الأخيرة بالعديد من الدول في السياسة الخارجية نتيجة للسياسة التي يتبعها الرئيس رجب طيب أردوغان أزمات مع روسيا وألمانيا ومؤخرا مع الولايات المتحدة الأمريكية، ففي 25 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015 واجهت تركيا مشكلة مع روسيا نتيجة إسقاطها المقاتلة الروسية وعقب هذه الواقعة اصطدمت بألمانيا نتيجة لاعتقالها مواطنين المان من بينهم الصحفي دنيز يوجيل.
تجاوزت تركيا المأزق الذي وقعت فيه بتقديمها تنازلات مهمة إلى روسيا بالإعتذار عن إسقاط المقاتلة الروسية، وإلى ألمانيا بإخلاء سبيل الصحفي الألماني دنيز يوجيل. ومؤخرا واجهت تركيا أزمة كبيرة مع الولايات المتحدة نتيجة لوضعها القس الأمريكي المعتقل أندرو برونسون قيد الإقامة الجبرية في منزله في الوقت الذي كانت تترقب فيه إخلاء سبيله.
أزمة روسيا والاعتذار الذي أعقبها
في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015 تسبب إسقاط المقاتلات التركية من طراز إف 16 لمقاتلة روسية من طراز سوخي 24 في أزمة بين البلدين، وفي اليوم التالي للواقعة ذكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحاته أنه تم الاشتباك نتيجة لانتهاك المقاتلة الروسية للحدود التركية الجوية على الرغم من تحذيرها عدة مرات مؤكدا أنهم سيردون بالطريقة نفسها في حال ما إن تكرر الانتهاك.
وباتخاذ روسيا موقفا حادا أخذت تصريحات أردوغان تلين بمرور الوقت، ففي السابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني صرح نائب الرئيس الروسي يوري أوشاكوفا أن أردوغان أعرب في تصريحاته للصحفيين عن رغبته في الاتصال هاتفيا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن غير أن بوتن لن يتواصل مع أردوغان لحين اعتذاره.
صدق بوتن على عقوبات مثل فرض رسوم جمركية على صادرات بعض السلع الغذائية التركية وإيقاف حركة السياحة وإلغاء بعض رحلات الطيران وفرض تأشيرات على الأتراك.
وفي 27 يونيو/ حزيران عام 2016 اعتذر أردوغان من نظيره الروسي، حيث أعلن الجانب الروسي أن أردوغان اعتذر خلال رسالته من أسرة الطيار الذي لقي حتفه نتيجة إسقاط المقاتلة الروسية.
ثمن الخطابات المتطرفة كان باهظا
كلفت أزمة الطائرة مع روسيا تركيا ثمنا باهظا، فنتيجة للعقوبات الروسية تم إلغاء إعفاء مواطني الدولتين من التأشيرات وحظر دخول العديد من المنتجات التركية وفي مقدمتها المنتجات الغذائية إلى روسيا بجانب منع مبيعات الرحلات إلى تركيا وإيقاف رحلات تشارتر.
كما تم إيقاف أنشطة الشركات التركية في روسيا، بينما امتنع أصحاب الأعمال عن توظيف عمال أتراك جدد باستثناء 60 شركة.
نتيجة للعقوبات الروسية تراجعت الصادرات التركية إلى روسيا إلى مستوى الأربعين في المئة. وكانت العقوبة الأخرى التي أصابت الاقتصاد التركي عائدات السياحة، إذ تراجعت أعداد السياح الروس القادمين إلى تركيا خلال الأشهر الثمانية الأولى إلى تسعين في المئة.
واضطر المواطنون الأتراك لمغادرة روسيا وتعطلت مشاريع الطاقة وتراجعت العلاقات بين البلدين، ولم تتحمل تركيا شدة العقوبات ليتوجه وفد تركي إلى روسيا في 9 أغسطس/ آب عام 2016 والتقى الوفد بمسؤولين بالحكومة الروسية.
وعقب اللقاء تعهد الجانب الروسي للوفد التركي برفع الحظر السياحي عقب الفحوصات الأمنية، بينما تقرر خلال اللقاء مواصلة مشاريع ” التيار التركي” ومحطة الطاقة النووية “Akkuyu” وإلغاء القيود الأخرى تدريجيا.
تعهد أردوغان بعدم إخلاء سبيل الصحفي الألماني طوال فترة حكمه لكن..
وقعت أزمة مشابهة بين تركيا وألمانيا نتيجة لاعتقال مراسل صحيفة دويتشه فيلة دنيز يوجيل.
وتسبب الأمر في تصريحات عنيفة بين قيادات الدولتين، ففي رد منه على تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حول انتظار بلادها من القضاء التركي الأخذ في عين الاعتبار مبدأ حرية الصحافة الذي يمثل أهمية كبيرة للمجتمع الديمقراطي فيما يخص قضية دنيز يوجيل أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده لن تعيد يوجيل إلى ألمانيا أبدا.
وأضاف أردوغان أن هذا الأمر لن يتحقق طوال فترة حكمه مشيرا إلى امتلاكهم لقطات ومستندات تثبت كون يوجيل إرهابي وعميل.
عقب تصريحات أردوغان العنيفة أفاد وزير الخارجية الألماني في 20 يوليو/ تموز عام 2017 أن صبرهم نفد وأنهم سيجرون تغييرات في سياستهم تجاه تركيا. وفي 17 فبراير/ شباط عام 2018 تم إخلاء سبيل يوجيل وعاد إلى ألمانيا على متن طائرة خاصة، دون محاكمة.
الأسلوب نفسه مع الولايات المتحدة هذه المرة
أزمة تركيا الأخيرة القائمة حاليا تكمن في القس الأمريكي أندرو برونسون. وبلغت العلاقات بين البلدين مرحلة مختلفة على خلفية رفض تركيا طلب إلغاء منع برونسون من مغادرة البلاد، وقررت الولايات المتحدة فرض عقوبات على تركيا في مواضيع محددة.
وفي رد منه على العقوبات الأمريكية عاود أردوغان تصريحاته المتطرفة مرة أخرى، حيث صرح أردوغان في الأول من أغسطس/ آب الجاري أنهم لن يسمحوا باستخدام لغة الوعيد وأنهم يرغبون في أن يعي الجميع هذا.
عقب فرض العقوبات الأمريكية سجل الدولار سعرا قياسيا أمام الليرة ببلوغه حاجز 5.42 ليرة، وتحركت تركيا التي دخلت في أزمة من حيث مؤشر العملات الأجنبية نتيجة الارتفاع المتواصل للدولار لحل الأزمة المتفاقمة.
وعلى الرغم من تصريحات الحكومة العنيفة فيما يخص قضية القس الأمريكي أندرو برونسون اضطرت أن ترسل وفدا إلى الولايات المتحدة لحل الأزمة، حيث التقى الوفد التركي المكون من تسعة أشخاص برئاسة نائب وزير الخارجية سدات أونال.
ولعل أبرز عامل مشترك لهذه الأزمات الثلاث هو تراجع أعضاء الحكومة التركية وعلى رأسهم أردوغان عقب تصريحاتهم العنيفة لهذه الدول.
وعلى الرغم من الإجراءات المتخذة من أجل التراجع في الأزمات الثلاثة فإن الاقتصاد التركي والسياسة الخارجية لتركيا تضررا كثيرا خلال هذه الأزمات.
خطوة إلى الوراء
وتوقع الصحفي حسين أكيول الذي يتابع العلاقات الدولية عن كثب أن تركيا ستتخذ اجراءات للتراجع في موقفها مع الولايات المتحدة، حيث أوضح أكيول أن الإدلاء بتصريحات عنيفة ومن ثم اتخاذ اجراءات تراجعية ليس أمر من صنع أردوغان فقط مشيرا إلى أن زعماء الدول الأخرى كذلك يختارون هذه الطريقة أيضا لكن لا يفعلونها بطريقة بارزة بهذا القدر.
وأضاف أكيول أن زعماء الدول يدلون بخطابات حول حمايتهم لحقوق دولهم لاستهداف الرأي العام المحلي وعندما تتفاقم الأمور يرون أن اتخاذ خطوة للوراء سيحقق نفعا أكبر ومن ثم يلجؤون إلى هذه الطريقة.
وأكد أكيول أن تركيا ستتخذ خطوة تراجعية فيما يخص الولايات المتحدة قائلا: “ستتوصل تركيا إلى صياغة لمسألة إخلاء سبيل برونسون وستخلي سبيله، إذ سيخلقون انطباعا بأنهم محقون في هذا الأمر غير أن الأمر أسفر عن ارتفاع سعر الدولار أمام الليرة وأن منحهم مبتغاهم سيكون أكثر نفعا للبلاد ولهذا سيتخذون خطوة للوراء”.
هذا وأشار أكيول إلى احتمالية إقدام أردوغان في القريب العاجل على الاعتذار من نظيره الأمريكي لاعتقاله مواطن أمريكي مثلما فعل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتن مفيدا أنه لم يعد لإدارة أردوغان خيار آخر سوى هذا للحيلولة دون ارتفاع الدولار.
لقراءة الخبر باللغة التركية اضغط على الرابط التالي: