برلين (زمان التركية)ــ قال البروفيسور التركي علي نيسين الحائز على جائزة ليلافاتي (Leelavati) عن مشروع (قرية الرياضيات) لتيسير تدريس الرياضيات في تركيا، بحوار مع صحيفة (أحوال تركيا)، إنه كان يجب على الحكومة التركية الإهتمام بـ “التنمية المستدامة” قبل التركيز على مشروعات تستنزف المليارت، ورأى أن من الأفضل أن يترك الرئيس التركي أمر الاقتصاد للخبراء والمتخصصين، وألا يدلي بحكمه في موضوعات مثل الفائدة والتضخم. وأكد العالم التركي أنه على الأحزاب السياسية قطع علاقاتهم بالماضي، وأن يتعلقوا بالمستقبل، من خلال التحضير للجمهورية الثالثة.
وجاء في الحوار مع علي نيسين الذي يتعرض للنقد بسبب آرائه السياسية، ما تسبب مؤخرًا في قطع التبرعات عن وقف نيسين، الذي يحمل اسم والده عزيز نيسين، الآتي:
سؤال: نود في البداية أن نهنئك بفوزك بجائزة “ليلافاتي” المعروفة بنوبل عالم الرياضيات. هل تلقيت مكالمة للتهنئة من أي من رجال السلطة في تركيا؟
للأسف لم يتصل بي أي شخص من أنقرة… أشعر بالأسف، ليس لشخصي، ولكن لكونهم لم يهنئوا دولة تركيا بفوزها.
إذا كان هناك شيء يجب أن يهنئوني عليه فسيكون لريادتي في تأسيس قرية الرياضة. أعتقد أنه لن يهنئني أي من الوزراء من أجل هذه القرية، التي يرون أنها قد شيدت بالمخالفة للقانون. وإذا كان هناك مهنئون، فبالتأكيد لن يكونوا من هذه الناحية.
سؤال: أود أن أعرف تقييمك للبرنامج الاقتصادي لتركيا، وللارتفاع في التضخم، وللعملات الأجنبية أمام الليرة التركية، ولأداء البنك المركزي من وراء هذا كله؟
إذا لم تكن استثماراتنا موجهة من أجل الإنتاج، وانصرفت نحو الاستهلاك فقط، فلن يحدث أكثر مما نراه اليوم؛ الدولار يزداد، والتضخم يزداد أيضاً.
لا ينكر أحد مدى أهمية مشروعات مثل الطرق والجسور والمطارات من أجل البنية التحتية في البلاد. ومع هذا فلن يستقيم الاقتصاد بالاكتفاء بمثل هذه المشروعات فقط؛ إذ ينبغي على الدولة أن تخلق بؤر إنتاج جديدة؛ تضاعف الدخل القومي للدولة، وبالتأكيد ستستفيد من تلك الطرق والكباري والمطارات؛ فبقدر ما يُسعد مشروع البنية التحتية المواطن، فلا بد من وجود هذا الصنف الآخر، الذي يدر دخلاً إضافياً للدولة. وهو ما يطلق عليه اسم “التنمية المستدامة”. ويكون ذلك عن طريق الاستثمار في بناء المصانع، وفي القطاعات المنتجة. والأهم من ذلك الاستثمار في العلوم الأساسية.
سؤال: أثار مجيء بيرات البيرق على رأس وزارة الاقتصاد الجدل. كيف تقيِّم إدارة الاقتصاد في تركيا ودعوة رئيس الجمهورية أردوغان المواطنين إلى التوجه إلى البنوك لبيع ما يدخرونه من عملات أجنبية إنقاذاً للاقتصاد؟
لا يمكنني أن أتحدث بما يسيء للآخرين، كما أنني لا أوجه النقد لأحد دون أن يكون في يدي الحجة الدامغة. ربما كان بيرات البيرق مؤهلاً، وعلى دراية بما يتعين عليه فعله في هذا الأمر. لم أرَ له الكثير من الأخطاء إلى يومنا هذا. ومع هذا فأتساءل ألم يكن هناك شخص آخر غير صهره ليأتي به إلى هذا الموضع. نعلم ما يحتاجه السوق. لا أفهم لماذا نعاند في مثل هذه الأمور.
قد يكون لرئيس جمهوريتنا المقدرة والخبرة الكافية في الكثير من الموضوعات، ولكن المؤكد أن الاقتصاد ليس واحداً من تلك الأمور. الأفضل أن يترك أمر الاقتصاد للخبراء والمتخصصين، وألا يدلي بحكمه في موضوعات مثل الفائدة والتضخم، وألا يعطي المتخصصين دروساً في هذه الأمور. أردوغان، على سبيل المثال، بارع للغاية في تحقيق النصر في الانتخابات؛ من أجل هذا فلا حرج عليه، هو نفسه بروفيسور في كسب الانتخابات، ولكن عليه ألا يخلط بين الأمور.
أعتقد أن دعوة أردوغان مواطنيه أن يُخرِجوا مدخراتهم من العملات الأجنبية والذهب هي علامة واضحة على العجز، وإذا لم تتخذ الحكومة تدابير جادة في هذا الشأن فسيصل سعر صرف الدولار إلى ست ليرات، بل قد يتجاوز سبع ليرات مقابل الدولار الواحد.
سؤال: أصبحت العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة على المحك، بعد قرار توقيع عقوبات على تركيا على خلفية قضية القس الأميركي برانسون. وفي المقابل قال أردوغان “سنعمل نحن أيضاً على تجميد حسابات وزيري العدل والداخلية الأميركيين، إذا كان لهما حسابات لدينا. أضف إلى هذا تعليق أميركا تسليم مقاتلات F35 إلى تركيا. سؤالي هنا عن توقعاتك لما يمكن أن يحدث في هذا الملف على المدى القريب والمدى البعيد معاً؟
هذا سؤال صعب بالفعل.. لو كنا في عام 1968، فلربما كانت التحركات قد أسفرت عن شيء، ولكن مر على هذا التاريخ خمسون عاماً؛ تغير خلالها النظام العالمي كثيراً مع رحيل السوفييت، وأصبح النزاع بين معسكر الشرق والغرب سلاحاً في يد تركيا؛ تستخدمه باستمرار. ولكن يجب على تركيا أن تستخدم هذا السلاح وفق معيار واحد. لا أعرف، ولكن يبدو لي أننا تخطينا هذا المعيار تماماً.
قبل عدة أشهر كانت لنا مشكلة كبيرة مع روسيا، والآن نحن أصدقاء، ويبدو أن علاقتنا مع ألمانيا قد تحسنت أيضا. من أجل هذا لا يمكنني التنبؤ بمستقبل عالم بوجهين، يلهث وراء مصلحته فقط. أنا أستسلم.
سؤال: كيف تقَيِّم النقاشات الدائرة في المؤتمر العام، الذي بدأ في حزب الشعب الجمهوري بعد انتخابات 24 يونيو؟ هل كان سلوك كمال كليجدار أوغلو طوال فترة الانتخابات السبب وراء إخفاق الحزب في الانتخابات؟
لا يمكن لأي حزب أن يفوز بأكثر من انتخابين بمجهوده الخاص؛ فأي حزب يمكث فترتين في السلطة يصيبه الهزال، ومن ثم يجرى انتخاب حزب آخر بعد مرور هاتين الفترتين. أما في تركيا فحزب العدالة والتنمية يحقق الفوز في هاتين الفترتين، ثم تخسر المعارضة في الفترة الثالثة، وما بعدها كذلك. هذا هو الوضع في تركيا. تحدثت في هذا الموضوع منذ فترة 28 فبراير، وليس الآن فقط.
أعتقد أن عمل تغييرات داخل حزب الشعب الجمهوري هو أمر جيد باستمرار، ومع هذا فإن أفضل تغيير يمكن أن يقوم به حزب الشعب الجمهوري هو أن يحل نفسه؛ كي يسمح بظهور كيانات جديدة من داخله؛ فمن المؤكد أن حزب المعارضة الرئيس، الذي يعجز طيلة ستة عشر عاماَ عن الوصول إلى السلطة، يسير على الطريق الخطأ، وعليه أن يحل نفسه.
سؤال: ما هي خريطة الطريق التي يجب على أحزاب المعارضة أن تتبعها بعد هذا؟
يتعين على حزب الشعوب الديمقراطي أن يخطو باتجاه أن يصبح حزب تركيا. كان من الممكن أن يبعد حزب العمال الكردستاني أثناء حرب الخنادق التي يخوضونها. ربما كان في هذا فرصة كبيرة بالنسبة له، ولكنه لم يفعل. لا أعرف إن كانت هناك إمكانية لوجود هذه الفرصة مرة أخرى، أم لا.
لا أرى أية بارقة أمل في حزب الشعب الجمهوري. أعتقد أنه يتعين عليه أن يعترف بأخطاء الماضي، وأن يعتذر للشعب، وأن يختار لنفسه طريقاً جديداً مغايراً تماماً لنهجه القديم؛ ليتقدم عليه بصبر وثبات، وإلا فإنه لن يراوح مكانه.
لقد بدأت الجمهورية الأولى في الانتهاء في 2002، وانتهت بالفعل في عام 2008، واستمرت المرحلة التحضيرية للجمهورية الثانية في الفترة بين 2008، و2018. وها نحن نعيش الآن في كنف الجمهورية الثانية منذ 24 يونيو. لهذا يجب على أحزاب المعارضة أن تقطع علاقاتها بالماضي تماماً، وأن تمهد طريقها إلى الجمهورية الثالثة في المستقبل. يجب عليهم أن يقطعوا علاقاتهم بالماضي، وأن يتعلقوا بالمستقبل.
سؤال: ما الذي تتوقعه فيما يتعلق بأي مستجدات قد تتعرض لها تركيا على المدى القريب والمدى البعيد؟
لا يمكنني توقع أي شيء على المدى القريب، أما على المدى البعيد فأنا متفائل لما يمكن أن تشهده تركيا، وسيستمر تفاؤلي هذا طالما كان النظام الانتخابي موثوقاً به. يشب الآن جيل رائع من الشباب أشارك في تنشئتهم. مثل هؤلاء الشباب هم الذين يمنحون حياتي البهجة والسعادة.