بقلم: فرهات أفا
برلين (زمان التركية) – دبلوماسية “الأسرى” أو “الرهائن” التي ينفذها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يبعد تركيا عن مخيم الغرب بوتيرة متسارعة من خلال سياسات الإسلام السياسي تلقت قبل أيام قليلة (في 1 أغسطس 2018) صفعة عنيفة.
وفرضت السلطات الأمريكية بعض العقوبات الصغيرة لكنها قد تؤدي إلى نتائج وخيمة لحين إخلاء سبيل القس الأمريكي أندرو برونسون المعتقل منذ نحو عامين بدون سبب مقنع.
وفي إطار القوانين الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية وتعرف باسم “عقوبات جلوبال ماجنتسكي” جمدت السلطات التركية حسابات وزيري الداخلية والعدل التركيين سليمان سويلو وعبد الحميد جول داخل أمريكا ومنعت المواطنين الأمريكان من شتى أشكال التعامل معهما.
والظن الغالب لدى الرأي العام التركي والأمريكي عموما هو أن إدارة أردوغان لن تستطيع مواصلة دبلوماسية “الرهائن” تجاه إدارة ترامب التي تزداد حدة بمرور الوقت وخلال فترة قصيرة ستخلي إدارة أردوغان سبيل أندرو برونسون الذي يُزعم ارتكابه العديد من الجرائم غير رسمية من التجسس ومحاولة تنصير الأكراد وصولا إلى تهريب السلاح وكونه ممثلا لحركة الخدمة.
حسنا، لماذا أفسدت تركيا علاقتها مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة؟ ولماذا اتبعت تركيا مسار الإسلام السياسي أكثر وتراجعت عن الديمقراطية التي تتقدم بها ببطء منذ قرن من الزمان وذلك عقب تحقيقات الفساد والرشاوي التي وقعت نهاية عام 2013 وكشفت تورط شخصيات مقربة لأردوغان وعلى رأسهم أردوغان وأسرته؟
الإجابة الصريحة والواضحة على هذا السؤال تكمن في أردوغان شخصه، ألا وهي رغبته الشديدة في أن يصبح قائدا قويا وصاحب امتيازات مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، فخلال السنوات الماضية بدأ أردوغان الذي أعلن أن الديمقراطية وسيلة وليست غاية بتنفيذ حلمه وهو “حكم الفرد الواحد” الذي يسعى لتحقيقه محاولا عدم إثارة الانتباه وذلك عقب تحقيقات الفساد والرشاوي التي زعم أنها من تنفيذ أفراد الأمن والقضاء التابعين لحركة الخدمة.
ولتحقيق هذا الحلم كان يتوجب عليه إحداث عدو كبير له ولم يكن هذا ليتحقق من دون عداوة حركة الخدمة، فعقب إسكاته المئات من الصحف والمجلات ومحطات الراديو والقنوات التلفزيونية التي قد تعارضه أسرع أردوغان من وتيرة شيطنة حركة الخدمة.
واستخدمت السلطات التركية ضد حركة الخدمة حججا مثل أن أتباعها عملاء للمخابرات الأمريكية وأنها تنظيم سري يعمل على تنصير تركيا، وذلك لتشويه سمعة هذه الحركة التي بدأت تغيير صورة تركيا في العديد من القضايا وعلى رأسها العلاقات مع الغرب والعالم الاسلامي والديمقراطية وحقوق الإنسان والحوار بين الأديان والتعليم والمساواة والإسلام السياسي.
عندما لم يقتنع الرأي العام التركي بهذه الحجج مضى أردوغان في تدبير خطة الانقلاب الصوري في 15 يوليو/ تموز عام 2016، وباشر\في بذل جهود كبيرة لإقناع الغرب هذه المرة أن حركة الخدمة تنظيم إرهابي بحجة تدبيره المحاولة الانقلابية.
لم تقتنع الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا بالأدلة التي قدمتها إدارة أردوغان، وبهذا لم تحظ سياسة أردوغان بالقضاء على حركة الخدمة والتحول إلى بوتن آخر بدعم غربي.
وهذه المرة بدأ أردوغان في تطبيق دبلوماسية “الرهائن” تجاه بعض الدول الأوروبية، حيث اعتقلت السلطات التركية الصحفي الألماني ذي الأصول التركية دنيز يوجيل والقس الأمريكي برونسون والعشرات من الغربيين وفي مقدمتهم الجنديان اليونانيان وذلك بحجة الانتماء لحركة الخدمة.
دخول ألمانيا في مباحثات سرية مع أردوغان لتحرير يوجيل وتقديمها تنازلات من أجل يوجيل أحدث خيبة أمل كبيرة بين أنصار الديمقراطية في تركيا والعالم الغربي.
وبدأت أحاديث في الرأي العام الأمريكي عن تطبيق إدارة ترامب لسياسة مشابهة وتحريرها برونسون مقابل بعض التعويضات، وتم اعتبار وضع القضاء التركي برونسون قيد الإقامة الجبرية الأسبوع الماضي بعد عامين من اعتقاله بداية لهذا، لكن مستشار الرئيس الأمريكي مايك بنيس استهدف أردوغان بصورة غير متوقعة وتسببت تصريحاته العنيفة وتهديداته بفرض عقوبات على تركيا في مزيد من التوترات في العلاقات بين البلدين.
إن تصريحات أردوغان والمسؤولين الأتراك البارزين المعتادة بأنه لا يمكن لأحد تهديد تركيا، قادت العلاقات بين البلدين إلى مرحلة الانهيار.
حسنا، هل أردوغان وترامب الغير محبوبين من قبل أنصار الديمقراطية في بلادهما جديّان في الخطوات التي اتخذاها؟ أم أنهما يتبعان أسلوبا خاصا لخداع الرأي العام في بلادهما؟
إجابة هذا السؤال ستتضح خلال الإجراءات التالية.
في حال عدم تحمل أردوغان الضغوط وإفراجه عن برونسون دون الحصول على تنازلات من الجانب الأمريكي فهذا الأمر سيشكل انتصارا كبيرا لترامب وهزيمة واضحة لأردوغان، لكن في حال تقديم إدارة ترامب بعض التنازلات التي يطالب بها أردوغان (كإغلاق قضية رضا ضراب وهو أحد رموز فساد أردوغان) فإن أردوغان سيفوز وسيخسر ترامب هذه المرة.
إغلاق قضية ضراب وإخلاء سبيل برونسون على هذا النحو سيجعل التاريخ يذكر سياسة التوترات المتبعة حتى الآن على أنها فيلم من إعداد أردوغان وترامب.
أيا كانت نتيجة التوترات القائمة في العلاقات التركية – الأمريكية فإن هناك مشهد واضح وجلي ألا وهو أن الدول الغربية لا ترغب في رحيل أردوغان كثيرا، فزعيم مثل أردوغان الذي يقول شيئا وينكره أو يغيره في اليوم التالي سيعود بالنفع دائما على أعمالهم في الشرق الأوسط.
وإبراز أردوغان لهويته الإسلامية السياسية باستمرار واقترابه أكثر من بوتن أثار انزعاج بعض الأوساط الغربية من دون شك، ولم يعد أمام أردوغان حيلة أخرى سوى التأكيد على هويته القومية الإسلامية للحفاظ على دعم الشعب له. ولم يعد أمام تركيا التي يوشك اقتصادها على انهيار سوى الاتكاء على دولة قوية، وليس لديها خيار لتحقيق هذا من دون بوتن.
في حال إدراك أردوغان أن الغرب لم يعد يتحمله فإنه سيتخلى عن هويته الإسلامية السياسية وسيقطع الجسور مع روسيا إن استدعى الأمر هذا.
في الختام لا نعرف ما إن كان أردوغان يقامر على الغرب أو أنه يؤدي دورا في مسرحية، لكن هناك نقطة وحيدة نعرفها ألا وهي أن دبلوماسية الرهن التي يتبعها أردوغان تجاه الغرب بلغت نهايتها.
إما ستبلغ دبلوماسية الرهن التي يتبعها أردوغان قمتها بالإفراج عن برونسون وانتزاع بعض التنازلات أو تنهي الولايات المتحدة نظام أردوغان بفرض مزيد من العقوبات دون تقديم أية تنازلات.