برلين (زمان التركية)ــ قال الكاتب التركي جان تيومان في مقال نشره موقع (أحوال تركيا) إن الرئيس رجب طيب أردوغان يسعى على الأغلب لخلق اقتصاد “خفي” كالاقتصاد الإيراني، للصمود أمام العقوبات المفترض مواجهتها من الولايات المتحدة الأمريكية، بما أن الاقتصاد التركي الحالي لن يقوى على مواجهة أي حصار.
في بدايات العام 2012، كان الدولار يعادل 1.100 تومان إيراني (11 ألف ريال). ورغم الحصار الذي ظل مفروضًا على إيران طيلة ثلاثين عامًا، إلا أن اقتصادها كان يسير في مساره الطبيعي. وتمكنت في فترة من الفترات من تحصيل عوائد من النفط وبحسب أرقام رسمية، وصلت لمعدلات قياسية بقيمة بلغت 70 مليار دولار. وهذا يرجع إلى الارتفاع الكبير في أسعار النفط آنذاك، فضلا عن الطلب المتزايد على نفطها من دول عدة مثل الصين، والهند، وتركيا.
وكل هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن إيران ليست كما تبدو، وأنها تمتلك ما يسمى باقتصاد الظل. ولا شك أن مسألة فساد النخبة في إيران مستمرة منذ عهد الشاه محمد رضا بهلوي، وخير مثال على ذلك ما تم الإعلان عنه خلال الأيام الأخيرة بخصوص الثروة التي يمتلكها في الخارج نجل السيد علي الحسيني الخامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الحالي، وصاحب الدولة، ومالك الاقتصاد. ولقد قدرت ثروة نجله في الخارج بـ57 مليار دولار.
وإيران في هذه الفترة عاشت تغيرًا في المجال الاجتماعي الاقتصادي مثل كافة الدول المصدرة للنفط. وفي الوقت الذي غزت فيه المنتجات الاستهلاكية الغربية، أسواق إيران بشكل سريع، كانت المنتجات تشترى من الصين عن طريق دبي التي كان يستخدمها التجار الإيرانيين كسوق تقليدي.
وبالطبع كانت هناك منتجات تجارية، فضلا عن الذهب تشترى من تركيا. في العام 2012 بلغت قيمة الواردات الإيرانية من تركيا، 9.9 مليار دولار تقريبًا، وباتت إيران في تلك الفترة سوق التصدير الثاني بالنسبة لتركيا. لكن الآن وبعد رفع الحصار عن إيران، لم تتجاوز قيمة الصادرات التركية لإيران في السنوات الأخيرة، 4 مليار دولار.
ولا غرو أن المخاطر السياسية لم تكن معدومة تمامًا بالنسبة للحرس الثوري، والملالي الذين يتحكمون في محتكري الدولة ممن يشكلون ما يقرب من 90 في المئة من الاقتصاد. فعلى سبيل المثال كان الفكر الليبرالي التحرري الذي أتت به السياحة، والمنتجات الاستهلاكية، سببًا في حدوث مظاهرات في عدة أوقات من قبل دعاة الإصلاح في البلاد. لكن في مثل هذه الحالات سرعان ما تخرج النخب العسكرية والدينية التي تسيطر على كافة وسائل الإعلام، لتثير حدة التوتر مع إسرائيل والولايات المتحدة، من خلال حملة دعائية توحي للمواطنين أن إيران تقع في مرمى مؤامرة عالمية تستهدفها.
ومن خلال هذه الطريقة تستطيع الحكومة التحكم في أي مظاهرات يمكن أن تخرج لأي سبب كان.
فالحصار الذي قيّد مبيعات البلاد من النفط، أدى إلى حدوث صدمة كبيرة في القطاع الاقتصادي. وخلال عام أو أكثر قليلًا من فرض الحصار انخفضت عوائد إيران من النفط بنسبة 20 في المئة، وانخفضت هذه العوائد إلى 56 مليار دولار في العام 2014. ولقد ترتب على هذا الحصار انخفاض معدل إنتاج النفط بنسبة الثلث، لأنه كانت هناك قيود مفروضة على البيع رغم أن الأسعار كانت مرتفعة بشكل كبير حينها. وكنتيجة طبيعية أدى ذلك لحدوث انخفاض كبير في عوائد التصدير.
ومطلع العام 2016، رفعت الولايات المتحدة حصارها الذي فرضته على إيران طيلة 35 عامًا وكان أشد وأوسع شمولية بين عامي 2012 و2016. وفي نهاية المطاف بدأ الشعب الإيراني يصل للعالم الغربي بشكل أكثر سهولة مقارنة بالماضي.
لكن إيران لم تنعم بحلاوة ارتفاع أسعار النفط التي تخطت حاجز الـ100 دولار حينما كان الحصار موجودًا، وانخفضت عائدات النفط لديها إلى 50 مليار دولار. وبعد رفع الحصار.
لكن رغم كل هذه الإجراءات، عجزت الحكومة عن توفير العملة الصعبة، ما أدى إلى عودة ظهور الأسواق السوداء من جديد. والأنباء الواردة من إيران حاليًا تقول إن الدولار الواحد يعادل حاليًا 12 ألف تومان، وهذا الرقم أعلى بـ10 أضعاف عما كان عليه السعر قبل 5 سنوات. وإذا ما أخذنا نفكر في حالة الدمار التي ألحقتها زيادة قيمة الدولار أمام الليرة التركية في ذات الفترة، على الاقتصاد في تركيا، لاتضحت لنا بشكل جلي فداحة ما عاشته إيران.
وبحسب الأرقام الرسمية فإن الزيادة في سعر الدولار خلال العام ونصف العام الماضي، بلغت 40 في المئة، و250 في المئة بحسب أسعار السوق السوداء. وفضلا عن كل ما ذكرناه فقد زادت حالة الغموض بشكل كبير حيال الاقتصاد الإيراني بسبب تلويح الولايات المتحدة خلال الآونة الأخيرة بفرض مزيد من العقوبات والحصار ضد طهران على خلفية انسحاب واشنطن من الاتفاق المبرم معها. وذلك من شأنه أن يزيد حالة التوتر داخل المجتمع أيضًا.
ولننتقل الآن إلى السبب الرئيس الذي دفعني لكتابة هذا المقال، وكان ذلك تصريح أدلى به الرئيس، رجب طيب أردوغان، بعد ما لوحت الولايات المتحدة بفرض حصار على أنقرة على خلفية قضية القس أندرو برانسون المسجون في تركيا منذ العام 2016. فقال أردوغان ردًا على تلويح أميركا قائلا “أنتم تفرضون حصارًا على إيران، فماذا حدث لها ؟”.
فلا شك أنه من السهل أن نستشف من مثل هذه التصريحات أن نظام أردوغان يعتقد أن لديه المقدرة على خلق اقتصاد لديه مقاومة وصمود كالاقتصاد الإيراني، واقتصاد حركة “حماس”.
نعم ان تصريح أردوغان هذا خير دليل على هذا الكلام. وحتى إذا لم تصدر هذه التصريحات، فهناك العديد من التطورات الملموسة على أرض الواقع التي تؤكد أن الاقتصاد التركي لن يقوى على مواجهة أي حصار. ومن هذه التطورات سعي الدولة لإيجاد بدائل لنظام التعامل بالدولار، إلى جانب حديث السلطات المستمر عن أفكار متعلقة بتخزين الذهب، وإعادة مراجعة آليات ضبط سوق رأس المال.
وفضلا عن ذلك فإن الدولة التركية تقدم مساعدات مباشرة لما يقرب من 20 مليون شخص، وبالتأكيد حزب العدالة والتنمية هو من يؤمن هذه الأموال والمساعدات بشكل أدى لحدوث حالة كبيرة من الجدل داخل المجتمع التركي. وهذا يعتبر بمثابة إشارة توضح لنا أن المجتمع التركي بات أشبه ما يكون ببنية المجتمع الذي يشكل القاعدة الاقتصادية في إيران.
لكن رغم كل أوجه الشبه بين الجانبين، فتركيا ليست إيران، وإيران ليست تركيا. فالأخيرة عليها ديون خارجية تقدر بـ400 مليار دولار، منها 300 مليار كانت تراكمت في السنوات الــ15 المنقضية. ناهيكم عن أنها تستورد من الخارج 5 أضعاف ما تستورده إيران.
وفي حين أن العجز السنوي للحساب الجاري في البلاد يبلغ حوالي 1.5 مرة من إجمالي عائد النفط الإيراني، فإن ثلثي الاقتصاد يصعب إدارته وينتمي إلى القطاع الخاص. أما في إيران فلا يتجاوز القطاع الخاص 10 في المائة فقط من حجم الاستثمار. وتمتلك إيران أيضًا ما يقرب من 130 مليار دولار من العملات الأجنبية، واحتياطيات الذهب، وهذا المبلغ يساوي قيمة واردات يمكن أن تدخلها طهران لمدة 3 سنوات كاملة. أما تركيا فليست لديها نفس قوة إيران، إذ لا تمتلك سوى 100 مليار دولار احتياطي، وهو بالطبع مبلغ هزيل لا يمكّنها من الاستيراد من الخارج لمدة 6 شهور.
وبالطبع، فإن التطور الاقتصادي على مدار القرنين الماضيين بداية من معايير التصنيع في تركيا، إلى نظام التمويل، قائم بالكامل على النظام الغربي.
وبالتالي فتركيا في الأربعين عامًا الأخيرة، مرتبطةاقتصاديًا بالنظام العالمي أكثر من إيران التي بنت لنفسها نموذجًا من الصفر يختلف كليًا عن الغرب.
وختامًا وبالنظر إلى نتائج وتداعيات أي حصار محتمل، يمكنني التشديد كما قلت آنفًا على أن تركيا لن تكون لديها أي مقاومة سياسية، أو اجتماعية، أو اقتصادية لمواجهة ذلك الحصار، بنفس القدر من المقاومة الذي أبدته إيران على مدار عقود. لا سيما أن تركيا لا تمتلك نفط