إن تنمية هذه الروح يحتاج إلى تربية.. يحتاج إلى تربية في الأسرة، كما يقتضي ألا يفسد الشارعُ تلك التربية، ويحتاج إلى أن تحوّل المدرسة تلك التربية إلى علم، يحتاج إلى أن يرقى المسجد بتلك التربية إلى آفاق الروح. أمّا إذا كانت الأسرة محرومة من هذه الرؤية، وإذا كانت الشوارع مشوهة، والمسجد أسير النمطيات والشكليات، والمدرسة خالية من الحياة القلبية، إذا كان كل شيء يدور حول الذات والمادة والجسد والغريزة، عندئذ يتعذر نموّ هذه الروح. أمّا إذا نمت بصورة تكاملية فإن هذه الفضاءات ستدعم بعضها بعضًا، ولن يهدم فضاء ما بناه الآخر، لن تضيع المعاني التي تشرّبها المرء في بيئته الأسرية وسط الشوارع هدرًا، بل سيأتي المسجد ليعمّق تلك المعاني في روحه، وتأتي المدرسة تغذي عقله وتعلمه كيف يقرأ السنن الكونية والأشياء والحوادث، وتحوّله إلى إنسان يجيد قراءة الكون بعمق. عندها سيأتي التعمق الحقيقي، ولن يُهدَم ما تم بناؤه، لن يُفسِد الشارعُ ما غرسته الأسرة، ولن يتناقض المسجد مع المنزل، ولن تتناقض المدرسة مع المسجد. إذا سارت هذه المحاضن وأمثالها من المحاضن والفضاءات الأخرى في اتجاه واحد، فسوف يتحرر الإنسان من جسمانيته وطينيته -إلى حد ما- ويرتقي إلى حياة القلب والروح. عندئذ سيشعر برحابة في قلبه، فيفتح صدره للجميع، ويسعى إلى إقامة جسور بينه وبين الناس أجمعين.
ينبغي أن نبيّن للعالم أن الإسلام ليس دين عنف. حتى الحروب التي خاضها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إنما كانت حروبًا دفاعية. إننا ضد العنف، وضد الصدام، وضد الفوضى، وضد كل التنظيمات الإرهابية
حين يكون الحق ضحية الأسلوب
لقد أثنى القرآن على هذه الأمة المباركة قائلاً: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ)(آل عمران:110). يا أمة محمد! أنتم خير أمة أخرجت لحمل الناس إلى الخير، تحثّون على الصدق والجمال وفق “الأصول الصحيحة” وتنشرونها، تسعون إلى منع الشر والانحراف والسيئات، تفعلون ذلك بدافع إيمانكم. أجل، ستقومون بهذه الوظيفة، فهي من الأصول الأساسية التي لا يمكنكم التخلي عنها. أما “الأسلوب”، فعليكم أن تضبطوه وفق “المبادئ والكليات” التي أرساها المجتهدون والمجددون. فلا تدمروا الأصول الصحيحة بسوء أسلوبكم. حذار أن تخرقوا الأصول بأخطاء أسلوبية. احرصوا على أن تحتكموا إلى “العقل المشترك”. تشاوروا فيما بينكم، قولوا: “هناك مسألة قد تثير ردة فعل الناس إذا تم تقديمها بالطريقة الفلانية، فكيف نعبر عنها يا ترى؟”، حتى تصلوا إلى الرأي السديد في ضبط الأسلوب.
المسلم ليس إرهابيًّا
ينبغي أن نبيّن للعالم أن الإسلام ليس دين عنف. حتى الحروب التي خاضها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إنما كانت حروبًا دفاعية. إننا ضد العنف، وضد الصدام، وضد الفوضى، وضد كل التنظيمات الإرهابية.. التأكيد على هذه المعاني بالغ الأهمية للكشف عن الوجه المشرق للإسلام. ما أكثر الإرهابيين في هذه الأيام! لا علاقة بين الإسلام والإرهاب قطعًا. لقد قال القطمير (يعني المؤلف نفسه) قبل عشرين سنة: “لا يمكن للمسلم الحقيقي أن يكون إرهابيًّا، ولا يمكن للإرهابي أن يكون مسلمًا”. أعلنتُ عن ذلك هنا (أمريكا)، عندما ضرب برجا التجارة (في نيويورك) قبل أكثر من ١٥ عامًا. وقد صرحت بالمعنى نفسه في أوقات عديدة وبأساليب شتى. ينبغي ألا يشوَّه اسم الإسلام الطاهر وديعة رسول الله ورسالة رب العالمين، بعمليات إرهابية إجرامية. لقد جاء الإسلام ليكون روحًا للحياة، فتشويهه بالإرهاب جريمة لا تغتفر.
إذا ولج الناسُ منازلَ قلوبكم، ينبغي ألاّ يقلقوا من البقاء واقفين، خصِّصوا مقاعد في قلوبكم للجميع مهما اختلفوا عنكم. قولوا لهم بثقة: “مقعدكم محجوز في قلوبنا”.
الدين حياة الحياة ونورها وجوهرها.. إنما تحيا الأمة بإحياء الدين فيها. أجل، إحياء هذا العالم لا يتم إلا بإحياء قيم الدين الإنسانية في النفوس. اعملوا على إقناع العالم ببراءة الإسلام من الإرهاب مهما تفاوتت نسبة الإقناع.. المهم أن يقتنعوا ولو بنسبة. هذا سيؤدي إلى نوع من التكاتف بصورة أو بأخرى، وإلى أن تلتقي الركب بالركب، والأقدام بالأقدام جنبًا إلى جنب، وإلى اجتماع الناس في صف واحد. بعد ذلك، لكم أن تسموا هذا التلاقي “حوار الثقافات” إن شئتم، أو “حوار الأفهام”، أو “حوار الأديان”.. لا يهمّ، لكن جوهره يعني “عالمًا خاليًا من الصراعات” أو “عالم الآدميين الذين لا يقتل بعضهم بعضًا”.