القاهرة (زمان التركية) بعد أنتهاء قمة الكبار فى هلسنكي2018، جاءت أغلب أراء المتابعين لتلك القمة بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو كان الحاضر الغائب بتلك القمة، وتلك كانت حقيقة وليست مبالغة.
فبعد أن أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره الروسي على أهمية أمن اسرائيل، وبالمقابل صرح بوتين، قائلا: “أود التأكيد أنه بعد القضاء على الإرهابيين في جنوب غرب سوريا، يجب إعادة الوضع في الجولان ليتوافق بشكل كامل مع اتفاقية فصل القوات السورية – الإسرائيلية لعام 1974، فهذا سيسمح بإعادة الهدوء للجولان، وإعادة نظام وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل، وتوفير ألامان لدولة إسرائيل، والرئيس ترامب أولى اهتمامًا كبيرًا بذلك، وأود التأكيد على أن روسيا مهتمة في مثل هذا التطور للإحداث وستلتزم بهذا الموقف تحديدا”.
وفى الجنوب السوري أغلب الاطراف الدولية تطالب بخروج ايران من سوريا، سواء الولايات المتحدة أو حلف الأطلسي أو الاتحاد الاوروبي أو إسرائيل، أو الخليج الذى يمول كل تلك الحمالات، ولكن بعد الانتهاء التام من التنظيمات الإرهابية بسوريا، هل ستخرج إيران من سوريا بتلك السهولة التى يطالب بها هولاء؟
فالدولة الايرانية التى تكلفت خسائر بشرية ضخمة، ومالية باهظة كلفت اقتصادها الكثير، بالتأكيد فى ظل الوضع الداخلى المتأزم والذى كان سببا فى انتفاضات من حين لآخر، تتمنى أيضا الخروج من سوريا كي تخفف الأعباء عليها، ولكن الأهم هنا وهو جوهر الموضوع، ما هو المقابل الذى يمكن أن تتحصل عليه إيران أو تريده كي تخرج من سوريا؟
فان كانت قمة هلسنكي2018 هى جلسة التفاوض الكبرى وعقد الصفقات التى يخرج منها كل الأطراف رابحًا لا خاسر، فايران هنا بعد إسدال الستار على هلسنكي ستكون هي الخاسر الوحيد، لو نفذت ما أراده ويخطط له الاسرائيلي والأمريكي والخليجي، فحينها ستكون قدمت تنازلا ولم تعقد صفقة.
فلا الأمريكي ولا الاسرائيلي ولا الخليجي الذى كان يدفع لمستشاري ترامب لاعتراف الرئيس الامريكي بروسية القرم، لجذب روسيا فى صفهم مقابل التخلي عن إيران، طرحوا أي مشروع لتقديم صفقة لطهران مقابل خروجها بجانب حزب الله من سوريا، وهنا مأزق ملف “خروج إيران من سوريا” الحقيقي.
فالمعضلة هنا ليست تمسك إيران بالبقاء فى سوريا من عدمه، فالحرب فى سوريا ستنتهي ستنتهي، ولكن المعضلة هي بعد كل ما قدمته إيران فى سوريا تخرج منها خاوية اليدين، أو كما يقال بالمثل الشعبي المصري “خرجت من المولد بلا حمص”.
ولان إيران كانت تدرك المشهد الجاري مسبقا، والتى يريد فيها خصوم إيران أن تخرج من كل المعادلات بمحصلة صفر، فأستبق المرشد الاعلى للثورة الاسلامية خامئني قمة هلسنكي2018، وأرسل رجله الأول وعقله السياسي صاحب الـ 73عاما والذى عمل كوزيرا للخارجية لمدة 16 عاما علي أكبر ولايتي، للتحاور مع الرئيس الروسي باسم ولسان خامئني نفسه، بالتزامن مع حضور رئيس الوزراء الاسرائيلي لموسكو، وبعد انتهاء اجتماع نتنياهو مع الرئيس الروسي بأيام قليلة، ومن هنا كانت أهمية لقاء ولايتي مع بوتين، لكي يؤكد على متانة العلاقات بين طهران وموسكو، والأهم عندما قالها صريحة لن نخرج من سوريا مهما بلغت الضغوط الأمريكية والاسرائيلية.
ولأن المشهد معقد للغاية، والمشاهد المتأزمة فى إيران يديرها الصقور دون الاصلاحيين، لذلك من تكفل بنقل رسالة خامئني لبوتين هو مستشاره على أكبر ولايتي وليس وزير الخارجية جوادي ظريف الاصلاحي رجل حسن روحاني.
والأمر هنا لم يكن معضلة فى وجه إيران فقط (الطرف الأساسي فى الجنوب السوري) بل ولتركيا (الطرف الرئيسي فى الشمال السوري)، فكلاهما متواجد فى سوريا لردع الارهاب (مع الفارق بين محاربة إيران للتكفيريين وتمويل وتدريب تركيا لهم)، وكما يتغير المشهد فى الجنوب السوري، كذلك هو يتغير فى شماله مما يؤثر على وضع ودور تركيا فى الملف السوري، ولذلك أستبق أردوغان أيضا قمة هلسنكي 2018 وأجرى الرئيس التركي أردوغان اتصالا بنظيره الروسي السبت الماضي (قبل اجتماع هلسنكي بأقل من 48 ساعة) أعرب فيه عن قلقه البالغ لبوتين بسبب تقدم قوات الجيش العربي السوري نحو محافظة إدلب، مما يعنى تدمير جوهر اتفاق أستانة(حسب وصف اردوغان)، قبل أن يؤكد أردوغان على أن تجنب حدوث أي تطورات سلبية في إدلب يحظى بأهمية بالغة من قبل بلاده، وتأثير ذلك على قدرته فى إقناع المعارضة السورية بالمشاركة في اجتماعات أستانة المقررة يومي 30 و31 يوليو/ تموز الجاري في مدينة سوتشي الروسية.
ومن موقف ايران وتركيا أحد أهم الاضلاع للحرب السورية تأتى أهمية القمة الثلاثية المرتقبة التى ستجمع الرئيس الايراني حسن روحاني ونظيره الروسي بوتين ونظيره التركي أردوغان فى إيران.
خلاصة القول بعد اجتماع هلسنكي 2018، ترامب تنتظره حرب ضروس مع الدولة العميقة ببلاده، وبوتين أكد أن الكرة لم تعد بين اقدام الأمريكي وحده، والمبارة لن تعود من جانب واحد كما كانت، ونتنياهو كان الحاضر الغائب، والأطلسي والأوروبي أول التائهين، فدول حلف الاطلسي من دون واشنطن كاليتامى (وكشف ما تدفعه كل دولة بالحلف مقارنة بما تدفعه الولايات المتحدة يبرهن ذلك)، ووضعت إيران أمام تحدى جديد، حتى وإن قررت البقاء فى سوريا وبمباركة من روسيا نفسها، فما كسبته روسيا بالأيام الماضية من الصعب التنازل عنه، ويكفي أن رئيس الولايات المتحدة (الخصم التاريخي لموسكو) يعلنها صراحة عدم ثقته فى تقارير أجهزة استخبارات بلاده أام بوتين وأمام العالم أجمع، بعد أن صرح ترامب أن اجتماعه مع بوتين أكثر أهمية من الاجتماع مع دول حلف الاطلسي، وقبل كل ذلك يضع الأمريكي إطارا مع الروسي للتحكم فى خريطة النفط والغاز وأسعاره، فمن كان يتوقع يوما أن نرى رئيس أمريكي يقول هذا الكلام.
أخيرا وليس أخرا سؤال هام يطرحه المشهد، وهو هل ما يحدث الآن من اضطرابات متصاعدة بجنوب العراق، واستمرار تأخر تشكيل الحكومة اللبنانية له علاقة بالمعضلة التى نتحدث عنها بمقالنا؟
بقلم: *فادى عيد
*باحث و محلل سياسي لشؤون الشرق الأوسط