برلين (زمان التركية)ــ تحولت حياة مئات الآلاف في تركيا إلى معاناة يومية بسبب قرارات “الرقابة المؤقتة” الصادرة بحق من شملتهم عمليات التحقيق الموسعة التي انطلقت عقب انقلاب 2016 الفاشل. ورصد الصحفي التركي “دينيز يورت” تلك المعاناة التي يعاني منها الناجين من الاعتقال في تقرير نشره موقع (أحوال تركيا).
وجاء في التقرير: يخضع مئات الآلاف من الناس في تركيا للرقابة القضائية وقرارات حظر السفر التي فُرضت خلال “عملية التطهير”، في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة قبل عامين.
ومع ارتفاع عدد السجناء والمعتقلين في تركيا إلى أعلى مستوى في التاريخ، وضعت الحكومة مئات الآلاف من الأشخاص تحت الرقابة المؤقتة.
ووفقا للبيانات السنوية التي نشرتها إدارة مراقبة السلوك، فإن عدد الأشخاص الموضوعين تحت المراقبة زاد ثلاثين مِثْلاً خلال السنوات العشر الأخيرة ووصل إلى 614 ألفا و951 شخصا بحلول نهاية عام 2017، ارتفاع من 21 ألفا و72 فقط في عام 2007.
وفي مقدمة أساليب المراقبة المتبعة الإفراج تحت إشراف، والذي كان يُستخدم في السابق كإجراء جنائي مع المشتبه في ارتكابهم جرائم جنائية. وتشمل العملية الشائع استخدامها في الإفراج تحت الإشراف أن يتوجه المفروض عليهم هذه القيود إلى قسم شرطة قريب في أيام محددة. وهناك وسيلة أخرى هي حظر السفر.
ج. ب. طالب دكتوراة تعرض للاعتقال بإسطنبول في يناير 2018 وجرى الإفراج عنه بعد ذلك بخمسة أيام، وهو أحد من كان الإفراج عنهم تحت إشراف. يخشى ج. ب. من طرده من برنامج الدكتوراة الذي يدرس به بسبب شروط المراقبة هذه.
يقول ج. ب. “أُلقي القبض عليّ بسبب تحقيقات كانت قد فُتحت في عام 2014 تتعلق بفترة تعود إلى عام 2012.. اعتُقِلت بعد أربع سنوات من بداية التحقيقات. هذا في حد ذاته مخالف للقانون. أشعر أنني ضحية، وأعتقد أن القرار ينتهك حقي في التعليم والسفر. كنت طالب دكتوراة في ألمانيا وتم اقتيادي إلى السجن عندما كنت في إجازة عطلة الكريسماس. منذ ذلك الحين لم اتمكن من العودة إلى ألمانيا.
“في النهاية خسرت الكثير بسبب هذا القرار. خسرت المنح والمساعدات. والأهم من ذلك هو أنني لم أتمكن من إكمال دراستي للدكتوراة في جامعتي في الفصل الدراسي الأخير. في الوقت الحالي، القسم الذي أدرس به والأستاذ المشرف على الرسالة يتفهمان الوضع السياسي في تركيا، وقد سمح لي باستثناء يجعلني أستطيع أن أستخدم وسائل غير تقليدية للانضمام إلى المحاضرات. على سبيل المثال، لقد سمحوا لي بحضور المحاضرات عبر سكايب”.
وأشار ج. ب. إلى أنه بعد الإفراج عنه طعن على القرار ليتمكن من استئناف دراسته في ألمانيا.
وعلق قائلا “كنت أسافر من حين لآخر من قبل هذا… قدمنا التماساً تفصيليا نطلب فيه على الأقل إلغاء حظر السفر، بحيث إذا تم ذلك يمكنني الاستمرار في دراستي. لكن كما هو الحال في الكثير من القضايا، ما زال الالتماس بانتظار الرد على مكتب المدعي العام.
“لا أعتقد حتى أنهم أخذوا الالتماس الذي تقدمت به في الاعتبار. أشعر أن قرارات حظر السفر والإفراج تحت إشراف هي قرارات اعتباطية وفرضٌ للأمر الواقع. أعتقد أن الأمر لا يعدو كونه يهدف إلى ترويع الناس”.
يقول ج. ب. إن هناك صعوبة متزايدة عليه في الاستمرار في دراسته. ويعلق على ذلك قائلا “البرنامج الذي التحقت به ليس برنامجاً للتدريس عبر الإنترنت. يتعين علي أن أحضر المحاضرات وورش العمل بنفسي. المشرف على رسالتي يساعدني في الوقت الحالي، لكن هذا لا يمكن أن يستمر إلى الأبد”.
أضاف “هم يحاولون ضمي إلى ورش العمل والمحاضرات. لكن في أغسطس على سبيل المثال أحتاج إلى أن أقدم عرضا تقديميا خلال مؤتمر في جامعتي. أيضا، لن أتمكن من حضور دورات اللغة الألمانية التي التحقت بها في أغسطس وسبتمبر. لا أظن أنني سأتمكن من الاستمرار في دراستي في ظل هذه الظروف”.
يقول ج. ب. إنه خلال الأشهر السبعة التي خضع فيها للرقابة القضائية، لم يتكمن الادعاء من إعداد اتهام بحقه.
وهناك شخص آخر يبلغ من العمر 28 عاما طلب عدم نشر اسمه يقول إنه جرى الإفراج عنه تحت إشراف قبل 16 شهرا بعد 12 يوما من إلقاء القبض عليه وإنه مضطر للذهاب إلى قسم الشرطة مرتين أسبوعيا. يقول الشاب إن الإفراج تحت إشراف يجعله يشعر بأنه معاقب.
وقال إن الادعاء ما زال لا يملك اتهاما بحقه. ويقول الشاب إن “الذهاب إلى قسم الشرطة مرتين أسبوعيا هو في حد ذاته أمر فيه تقييد شديد للحرية. لا يمكنني أن أغادر المدينة؛ فحتى إذا كان هناك موقف يحتاج مني أن أذهب خارج المدينة، لا أستطيع أن أفعل ذلك. الأمر شبه مستحيل لأني أحتاج إلى تصريح من المدعي العام. وقد حصلت على هذا التصريح مرة واحدة فقط على الرغم من تقدمي بعدة طلبات. كانت تلك المرة الوحيدة التي سُمح لي فيها بهذا من أجل المثول أمام محكمة في مدينة أخرى”.
يقول الشاب البالغ من العمر 28 عاما، والذي يعمل نادلا في أحد المطاعم، إنه تقدم بطلبات لرفع الرقابة القضائيه عنه عدة مرات خلال الأشهر الستة عشر الأخيرة لكن دون جدوى. وأشار إلى أنه لا يستطيع أن يزور أسرته وأنه اضطر لرفض وظائف في مدن أخرى.
وأردف قائلا “أتوقع أن تستمر هذه العملية حتى وقت جلسات المحكمة. لقد مر نحو عامين منذ أن جرى الإفراج عني تحت إشراف. أشعر أنني معاقَب. وحتى إذا حصلت على البراءة في القضية، فإن هذين العامين سيبقَيان عقوبة تعرضت لها. هناك ثلاثة ملفات مليئة بأسماء أشخاص يتعين عليهم التوجه إلى قسم الشرطة الصغير الموجود في الحي الذي أسكن فيه.
“حتى هذا يُظهر كمّ الناس الموضوعين تحت المراقبة. إذا لم أذهب إلى قسم الشرطة، فسيتم إلقاء القبض عليّ في اليوم التالي. من ثم فإن عليّ أن أخطط لكل شيء وفقا لهذا الاعتبار. لن يتركوك توقّع وسيُلقون القبض عليك حتى إذا تأخرت خمس دقائق. هناك أشخاص أبلغوني أن هذا حدث من قبل. هناك أيضا أشخاص مطالبون بالتوجه إلى قسم الشرطة يوميا. إنه أمر شاقّ؛ لا يمكنك حتى أن تذهب إلى جنازة لأداء واجب العزاء في أحد أفراد العائلة، فمصيرك في يد المدعي العام”.