بقلم: ياوز أجار
أنقرة (زمان التركية) – بعد حصول رجب طيب أردوغان على الأغلبية المطلقة من الأصوات في الانتخابات التي شارك بها 50 مليون ناخبًا، دخلت “التعديلات الدستورية” التي أقرها الاستفتاء الدستوري العام الماضي حيز التنفيذ وانطلق “عهد جديد” في تركيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وفي يد الرئيس صلاحيات واسعة.
وانتخب رئيس حزب العدالة والتنمية كأول رئيس تركي “حزبي” بصورة رسمية. بمعنى أن أردوغان الذي يتصرف منذ سنوات كـ”رئيس حزبي” وليس كـ”رئيس جمهورية” أضفى الصفة الرسمية على الوضع الفعلي من خلال انتخابات أمس.
ليلة افتقدت فيها وكالة جيهان للأنباء
لم تكن وكالة جيهان للأنباء التي كانت المصدر الموثق سواء للحزب الحاكم أو الأحزاب المعارضة في الانتخابات السابقة حاضرة هذه المرة. إذ استولت حكومة العدالة والتنمية عليها قبل المحاولة الانقلابية الغاشمة، إلى جانب 200 مؤسسة إعلامية أخرى بعد الانقلاب. لذا اضطرت تركيا والمهتمون بأخبارها من الخارج إلى الحصول من “الأناضول” على نتائج الانتخابات التي قالت المعارضة إن أخبارها مشوبة بالحيل والأكاذيب والتزوير، واتهمتها بالتحول إلى “بوق” لحزب العدالة والتنمية الحاكم رغم أنها وكالة رسمية يتعين عليها الوقوف في مسافة واحدة من جميع الأحزاب وفق الدستور والقانون. وكانت عملية تشكيل الرأي العام التي أقدمت عليها الوكالة ظاهرة بينة بحيث كان إجمالي نسبة أصوات المرشحين التي أعلنتها في البداية تتجاوز عن %115.
ومن المثير أن وكالة الأناضول كانت أعلنت فوز أردوغان بنسبة 53% قبل ثلاثة أيام من إجراءها، ثم اعتذرت من متابعيها ومشتركيها زاعمة أنه كان “بثا تجريبيا” استعدادا للانتخابات. ويا لها من صدفة! فإنها أعلنت مساء الأحد فوز أردوغان بالنسبة ذاتها بعد إجراء الانتخابات وقبل الانتهاء من عد الأصوات.
أسئلة عالقة في الأذهان
وقبل إعلان اللجنة العليا للانتخابات النتيجة وفي وقت لم يتم تعداد نصف الأصوات بعدُ، “خرج أردوغان على الشاشات التلفزيونية معلنًا نفسه رئيسًا للبلاد”، مثلما قالت صحيفة الجارديان البريطانية.
فهل يمكن للجنة العليا للانتخابات أن تعلن نتائج مغايرة بعدما أعلن أردوغان نفسه رئيسًا للبلاد؟
“وهل هناك حاجة للجنة العليا للانتخابات في ظل وجود وكالة الأناضول؟”
تظل تلك الأسئلة عالقةً في الأذهان.
أردوغان أصبح رئيسًا بفضل “القوميين”
فاز أردوغان بنسبة 52.5 في المئة من الأصوات دون الحاجة إلى جولة ثانية بفضل “تحالف الجمهور” الذي شكله مع حزب الحركة القومية، بينما حصل أقوى منافسيه محرم إينجه على 31 في المئة من الأصوات وهي أعلى نسبة حصل عليها حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات.
وعلى الصعيد الآخر حصل المرشحون الباقون ميرال أكشينار وتمل كرم الله أوغلو ودوغو برينتشاك وصلاح الدين دميرتاش على نسب تصويت أقل من المتوقع، الأمر الذي حال دون تراجع نسبة أصوات أردوغان إلى أقل من 50 في المئة في الجولة الأولى.
من الفائز بالانتخابات؟
نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي شهدت أعلى نسبة مشاركة في تاريخ السياسة التركية لا تعد انتصارا لأحد بالمعنى الحقيقي. وهذا الحكم ينطبق على أردوغان الذي فاز من الجولة الأولى وحزبه الذي جاء في المرتبة الأولى، نظرا لأن أردوغان رغم أنه فاز بالانتخابات الرئاسية إلا أن حزبه حصد 290 مقعدا فقط بالبرلمان من أصل 600 مقعد. بمعنى أنه فقد الأغلبية البرلمانية اللازمة لتشكيل الحكومة بمفرده.
في حين أن حزب العدالة والتنمية حصل في الانتخابات البرلمانية التي أقيمت في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015 على 49.49 في المئة من الأصوات، تراجع رصيده من الأصوات خلال هذه الانتخابات بواقع 7 في المئة. حيث كان قد حصد 317 مقعدًا في انتخابات عام 2015، فيما يمتلك 292 مقعدًا خلال هذه الانتخابات.
إن هذا لشيء عجاب!
وحصل حزب الحركة القومية على 49 مقعدًا، وهي نسبة مقاربة لما حصل عليها في الانتخابات البرلمانية السابقة، وأصبح الحزب المحوري بالبرلمان.
لكن هناك شيء غريب!
من أين وكيف حصلت الحركة القومية على هذه الأصوات بينما المتوقع أن تنخفض نسب أصواته نظرًا لأن حزب الخير الذي تقوده ميرال أكشينار المنشقة عن “الحركة القومية” مع آخرين تجاوز حاجز العشرة في المئة وحصل على 47 مقعداً؟!
هذا الأمر يكشف أن أردوغان بنى “لعبته” الانتخابية على حساب الحركة القومية.
بغضّ النظر عما حدث في الحقيقة، فإن أردوغان سيصبح رئيسًا عاجزًا عن التحرك والتصرف، وكذلك لن تستطيع حكومة العدالة والتنمية التحرك داخل البرلمان بدون دعم أو موافقة الحركة القومية. لكن أردوغان لن يرغب أبدًا في أن يكون زعيم الحزب دولت بهتشالي حجر عثرة أمام تنفيذه أجندته الخاصة. ولهذا يمكننا التوقع بأن هذا التحالف قد لا يدوم طويلا.
من المحتمل أن ينهي بهشالي هذا التحالف بسبب أبسط اختلاف بناء على ما فُهم من تهديداته لحزب العدالة والتنمية قبيل الانتخابات. ولهذا فإن أردوغان فقد “السلطة الفردية” بعد 16 عاما، إذ إن الانتخابات أفرزت “رجلاً واحداً وبرلمانًا متعدد الأحزاب”. ولا شك أن هذا مشهد لن يريده ولن يرضى به أردوغان.
ولهذا السبب لن يكون من المفاجأ أن يشهد البرلمان مفاوضات وانتقالات جديدة بين نواب الأحزاب.
الأكراد حطموا حاجز الحد الأدنى للتمثيل البرلماني
كانت الأنظار مصوّبة على حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الخطير في هذه الانتخابات، إذ نجح الحزب في تجاوز الحد الأدنى لدخول البرلمان (10%) على الرغم من اعتقال رئيسيه السابقين صلاح الدين دميرتاش وبرفين بولدان وعشرة من نوابه والعشرات من رؤساء البلديات التابعين له. وبهذا أحبط الشعوب الديمقراطي “خطة أردوغان لمنعه من تجاوز الحد الأدنى”.
الواقع أنه كان يتوجب إبطال هذا الشرط غير الديمقراطي الذي وضعه الجنرال كنعان أفرين وفريقه الذين نفذوا انقلابا في عام 1980 لإبقاء الأكراد خارج البرلمان.
وعلى الرغم من تعهد حزب العدالة والتنمية بإلغاء هذا الشرط فإنه لم يفِ بوعده إلى الآن نظراً لأنه صبّ في مصلحته، لكن الشعوب الديموقراطي حطم بنفسه هذا الحاجز بتحقيق نسبة 11% التي أتاحت له التواجد البرلماني.
الأمر الآخر الملفت هو تراجع دعم حزب الشعوب الديمقراطي في المدن الشرقية ذات الغالبية الكردية، وفي المقابل زيادة نسبة أصواته في المدن الغربية. ويوضح هذا الوضع أنه من الممكن أن يصبح الحزب في المستقبل حزبا يمثل مختلف الأطياف وليس “حزب الأكراد” فقط.
هل حقق أردوغان هدفه؟
لم يعكس وجه أردوغان في كلمته عشية الانتخابات فرحة الانتصار والفوز بالانتخابات، لأنه يعي جيدا أنه على الرغم من فوزه بالانتخابات فإن المشهد في البرلمان “مزعج”.
كما أنه يعلم جيدًا أنه سيواجه حتمًا عاجلاً أم آجلا الإفلاس في كل المجالات بسبب الأزمة الاقتصادية التي بدأت تطفو على السطح رغم بذله الكثير لتأخير ذلك. وسينعكس هذا الوضع على المواطن في صورة حزمة زيادات في أسعار كل شيء. وإذا ما أصر على “إدارة الاقتصاد وفقا لمعرفته” فإن الدولار من المحتمل أن يرتفع مرة أخرى وتتجاوز الفائدة نسبة 25 في المئة.
وفعلاً استمر الدولار في الارتفاع أمام الليرة وحطم رقما قياسيا جديدا بوصوله إلى 4.72 ليرة بعد أن كان في حدود 4.60 قبل الانتخابات
خلاصة القول: إن نتائج انتخابات الأمس لم تفرح تركيا ولا أردوغان!
ولا ريب أن أردوغان، الذي لجأ إلى ورقتي “الفوضى” و”الإرهاب” عقب خسارته السلطة المنفردة في انتخابات 7 يونيو/ حزيران عام 2015 واسترجعها مرة أخرى في انتخابات 1 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015، سيبذل قصارى جهده ليسترجعها مرة أخرى.