القاهرة (زمان التركية) – نشرت مجلة الأهرام العربي الحوار الذي أجراه الصحفي المخضرم أيمن سمير مع فتح الله كولن، محط أنظار الإعلام الدولي منذ أكثر من 5 سنين بسبب اتهامات وجهتها له حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا أبرزها الانقلاب على الحكومة من خلال تحقيقات الفساد في 2013 ومحاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، الاتهامات التي يرفضها كولن جملة وتفصيلا.
وفيما يلي النص الكامل لهذا الحوار الذي حمل عنوان: فتح الله كولن فى أخطر حوار مع «الأهرام العربى»: أردوغان مزق الشعب التركى إلى طوائف.
زعيم الحزب الحاكم لم يكن تلميذى ..وخلافاتى معه بسبب رفضى الاستغلال السياسى للدين
أردوغان يكره مصر لأنها حرمته من زعامة العالم الإسلامى.. و أحداث «15 يوليو» مسرحية صنعها بنفسه
لا يمكن لمسلم حقيقى أن يكون إرهابيا..ولا يمكن لإرهابى أن يكون مسلما حقيقيا
أنا إنسان بسيط لم أر نفسى أفضل من أى مسلم عادى
أقحموا السياسة فى المدارس الدينية وجعلوا التعليم الدينى أداة للوصول إلى أغراضهم السياسية
استخدام الإسلام لأغراض خاصة وأيديولوجية سياسية خيانة كبرى
الحكم فى تركيا الآن يحتاج دائما إلى عدو ليشرعن تصرفاته الديكتاتورية
السلام الداخلى لمصر واستقرارها بالغ الأهمية لأمن واستقرار المنطقة
النظام التركى تدخل فى دول المنطقة من خلال جماعات العنف المسلحة
داعش والعناصر المتعاطفة معها وجدت في تركيا مناخا مناسبا فى عهد أردوغان
النظام التركى لم يتورع عن اعتقال النساء الحوامل والأمهات على أسرّة الولادة
الناتو لعب دورا مهما فى حماية تركيا ..وكل مشروعات أردوغان ستفشل
ما حدث فى 15 يوليو 2016 في تركيا كان مسرحية، شارك أردوغان بنفسه في كتابة السيناريو لها بهدف السيطرة والبقاء في الحكم أطول فترة، وأن الهدف من الانتخابات التي ستجرى يوم غد 24 يونيو الجاري هو شرعنة بقاء أردوغان فى الحكم ربما لما بعد 2029 . أردوغان سعى ليكون «زعيم المسلمين فى العالم» عن طريق التدخل في الدول الأخرى متسلحا بالجماعات الإرهابية، ومنها داعش التي وجدت المناخ المناسب لها في عهد حزب العدالة والتنمية، الأمر الذى تسبب في خلاف مع حركة الخدمة التي رفضت تسييس أردوغان للدين.
بهذه الكلمات بدأ فتح الله كولن مؤسس «حركة الخدمة» في تركيا والعالم حديثه إلى «الأهرام العربى» مؤكداً أن أردوغان حول تركيا من دولة «صفر أعداء» إلى «صفر أصدقاء» وأن زعيم حزب العدالة والتنمية لم يكن يوماً تلميذا في حركته، كاشفا عن حرمان أكثر من مليون فرد من المظلومين والمتضررين في تركيا من ممارسة حياتهم العادية، وأن النظام التركى لم يتورع عن اعتقال النساء الحوامل والأمهات على أسِرّة الولادة وزجّوا بهن في السجون مع أطفالهن الرضع، وأن الحزب الحاكم فى تركيا أقحم السياسة في المدارس الدينية، وجعل الدين والتعليم الديني أداة للوصول إلى أغراضهم السياسية، لافتا النظر إلى أن تقديم الإسلام للناس باعتباره أيديولوجية سياسية واستخدامه أداة لتحقيق أغراض سياسية أكبر خيانة يمكن أن ترتكب في حق الإسلام، وأن حركته نجحت بسبب التفاف الناس حول فكرة «معقولية القرآن» الوسطى الذي يجمع الجميع، لأن حركة «الخدمة» مشروع يجمع بين الروح الإسلامية والمشتركات الإنسانية لذلك رحبت 160 دولة فى العالم بنشاط الخدمة، ورفض كولن كل الإعمال الإرهابية قائلاً: «لا يمكن لمسلم حقيقي أن يكون إرهابيا، ولا يمكن لإرهابي أن يكون مسلما حقيقيا» مؤكداً أنه ليس زعيم الإسلام الاجتماعى وقال: «أنا إنسان بسيط، لم أر نفسي أفضل من أي مسلم عادي قط. فإن تَقبّلني الله عبدا بسيطا فذلك أكبر سعادة لي» مشدداً على أن السلام الداخلي لمصر واستقرارها الأمني والاقتصادي بالغ الأهمية لأمن واستقرار هذه المنطقة، وإلى نص الحوار.
ما الآفاق التى وصل إليها نشاط الخدمة بعد الانتشار الواسع داخل وخارج تركيا؟
هذه المبادرة تتشكل من أفراد التقوا حول قيم إنسانية سامية مثل توقير الإنسان، واعتبار التنوع ثراء وليس سبب صدام، وتَقبُّل الجميع على وضعه، والأخذ بأيدى الشباب وتنمية قدراتهم عن طريق التربية والتعليم. إنهم وجدوا أنفسهم مجتمعين حول فكرة معقولة يمكن أن نطلق عليها معقولية القرآن، وهى خدمة هذه القيم الإنسانية عبر مؤسسات تربوية ومستشفيات ومشاريع إغاثية وبرامج حوار وتعايش، فبادروا إلى الإسهام فيها بما يستطيعون. فهى مبادرة إسلامية من جهة لأن أغلب المشاركين فى أنشطتها مسلمون يستلهمون رؤاهم وأفكارهم من منابع دينية، وهى حركة إنسانية من جهة أخرى لأنها تفتح صدرها للجميع وتهدف إلى تقديم خدماتها لجميع الإنسانية دون تمييز.ولقد رحبت أكثر من 160 دولة تنتمى إلى ديانات وقوميات وثقافات مختلفة بهؤلاء المتطوعين وكانوا مساندين لمشاريعهم ومدافعين عنها.
إن مساعى هؤلاء الأخيار كانت قد أثمرت فى تركيا مئات المؤسسات التربوية وعشرات من المستشفيات قبل أن تغلقها السلطة السياسية الحاكمة اليوم فى تركيا. لقد أغلق النظام الحاكم تلك المؤسسات فى تركيا بدوافع سياسية بحتة، لكن مستحيل أن يمحوها من قلوب من عرف قدر هذه الحركة وأحبها. كما توجه النظام الحاكم لممارسة الدور نفسه على المستوى العالمى لكنه لم ينجح إلا فى عدد محدود جدا من البلدان عن طريق وسائل متعددة منها: الرشاوى والابتزاز واستغلال العلاقات الثنائية وممارسة شتى أنواع الضغوط والإغراءات.
والخدمة ما زالت تمارس أنشطتها المتعددة فى الغرب بصفة عامة وفى دول عديدة أخرى وآثرت الالتزام بالقوانين الدولية ورفضت الانصياع لضغوطات أردوغان مثل مصر فى الشرق الأوسط.
كما أن القَدَر قد ساق المساهمين فى أنشطة الخدمة إلى شتى أنحاء العالم بشكل جبرى نتيجة الضغوط والمظالم التى تعرضوا لها فى تركيا، وتلك رسالة قدرية مفادها أن هذه المبادرة وأفكارها مُلك للعالم كله، وأن قيمها تحتضن الإنسانية جمعاء، ومن ثم فعليها أن تقوم بدورها على هذا الأساس.
تأثرتم بحركة «النور» فى تجربتكم الرائدة فى تركيا، فما أوجه الاتفاق والخلاف بين حركتكم وحركة النور؟
لم أحظ بالتعرف على بديع الزمان سعيد النورسى شخصيا. لكن رأيت بعض تلاميذه عندما كنت فى مدينتى أرضروم فلمست فيهم أخلاق الصحابة الكرام الذين كنت أستمع إلى مناقبهم فى أيام طفولتى كثيرا. لقد ترك بديع الزمان فى قلبى أثرا بليغا بمعارفه الموسوعية وأفقه الواسع وتفانيه فى خدمة الإسلام. صحيح أننى استفدت من مصادر كثيرة ومتنوعة، ولم تكن مؤلفات بديع الزمان مُلهِمتى الوحيدة، فإن لها مكانة خاصة لديّ. لقد وُجِد فى حركة النور أناس رحبوا بالخدمة وساندوا أفكارها وشاركوا فى بعض مشاريعها، كما وُجِد آخرون لم يستسيغوها وانتقدوا بعض أفكارها وفاعليتها. انتقدوا كوننا نقرأ كتبا خارج رسائل النور ونستفيد منها. انتقدونا لأننا اتجهنا نحو الفكر المؤسسى فأسسنا مدارس وجامعات ومساكن للطلبة ومستشفيات. وفى عالم النشر عندما بدأنا نطبع كتبا أخرى خارج رسائل النور اعتبروا ذلك مناقضا لفلسفة «النور». ولعل أهم نقطة خلاف بيننا كانت حول العلاقة والمسافة من الأحزاب السياسية والعمل السياسي. لقد ساند بعض مجموعات النور فى السابق الحزب الديمقراطى وحزب الطريق القويم، وفى الآونة الأخيرة ساندوا حزب العدالة والتنمية دون أى قيد أو شرط فتَسيّسوا. أما نحن فلم ننحز إلى أى حزب من الأحزاب السياسية والتزمنا فى علاقتنا معهم بمبادئ الديمقراطية وحافظنا على استقلاليتنا. ولكن مهما يكن، فإننى حملت فى قلبى دائما توقيرا خاصا لتلامذة الأستاذ النورسي، لأنهم وقفوا إلى جانب الأستاذ النورسى وخدموا الإسلام فى أوقات عصيبة كان يعانى فيها الدين والمتدينون أيما معاناة.
يلقبك البعض بـ«أبو الإسلام الاجتماعي»، فهل تقبلون هذا الوصف؟
أستغفر الله. أنا لا أرى نفسى أبا ولا رائدا لأى شيء. أنا إنسان بسيط. لم أر نفسى أفضل من أى مسلم عادى قط. فإن تَقبّلنى الله عبدا بسيطا فذلك أكبر سعادة لي. لقد حاول المنخرطون فى هذه الحركة أن يضعوا نموذجا، حاولوا أن يرسموا صورة من خلال نشاطهم. فجاء المتابعون والمراقبون من شتى أنحاء العالم فدرسوها وحللوها وأبدوا إعجابهم وتقديرهم إلى حد كبير.
لست أدرى ما المقصود بالإسلام الاجتماعي، نحن كمسلمين نحاول أن نمارس قيمنا الدينية بدقة وعناية على المستوى الفردي، وفى المقابل نؤمن بأنه من حق الجميع – على المستوى المجتمعي- أن يتبنى ويمارس–بحرية – نمط الحياة الذى اختاره لنفسه بمحض إرادته، شريطة ألا يتجاوز حقوق الآخرين وحرياتهم. هذا هو المبدأ الذى نتبناه. إن احتكار الإسلام فى المسجد وحصر خدمة الدين على المسجد فقط (كما يفعل البعض) جريمة،كما أن تقديمه إلى الناس على اعتباره أيديولوجية سياسية واستخدامه أداة لتحقيق أغراض سياسية أكبر خيانة يمكن أن ترتكب فى حقه. بإمكان المسلمين اليوم أن يقدموا خدمات جليلة لمجتمعاتهم وللمجتمعات الإنسانية الأخرى إذا ما تضامنوا مع كل من يتقاسم معهم ويشاركهم القيم الإنسانية السامية، بل عليهم أن يبادروا إلى هذا النوع من العمل والتضامن. كذلك عليهم أن يكرّموا الإنسان كل إنسان، ويتقبّلوا الجميع على وضعه توقيرا لنعمة الإرادة التى منحها الحق جل وعلا لهم.
إلى أيّ مدى أنتم راضون عن «الخدمة»؟ وكيف يمكن أن تطور عملها خلال الفترة المقبلة؟
لا يسعنا سوى أن نشكر الله تعالى على نعمه التى تكرّم بها علينا حتى اليوم. وإننا نشعر بالخجل على تقصيرنا فى أداء شكر هذه النعم كما ينبغي. إننا نؤمن بأن المعاناة التى نعيشها اليوم فرصة لمحاسبة النفس وتجديد الذات والانطلاق من جديد. ومع هذا الانفتاح الجبرى الأخير على العالم سوف تصير الخدمة ملكا للإنسانية جمعاء وتنفصل عن حبلها السُّرى من تركيا.
ما التحديات التى تواجه الخدمة فى الوقت الحالي؟
لم تخل مسيرة «الخدمة» من الامتحانات منذ نشأتها. لقد كانت تركيا فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى تموج بوباء الفوضى. آلاف من الشباب أزهقوا أرواح بعضهم.وفى سنة 1980 تعرضت تركيا لانقلاب عسكرى كانت له آثار سلبية على جميع الشرائح المجتمعية. وفى عهد الرئيس تورجوت أوزال التقط البلد أنفاسه بعض الشيء وكان هناك انفتاح على العالم، ولكن فى التسعينيات عادت تركيا أدراجها إلى الوراء، واشتدت الضغوط على الفئات المتدينة. فى عام 1999 رُفِعتْ قضايا ضد العبد الفقير بالتهم والافتراءات نفسها التى نتعرض لها اليوم، ومورست ضغوطات كبيرة على القضاء، لكن القضاء حكم لصالحنا. تجاوزنا تلك الفترة العصيبة، وتبعها مناخ من الحرية الجزئية والديمقراطية النسبية، غير أن هذا المناخ أيضا لم يمتد طويلا. لأن الحزب الذى يحكم تركيا اليوم، الذى تسلم الحكم بوعود تطوير الديمقراطية وتوسيع الحريات، ألقى بجميع وعوده الديمقراطية عرض الحائط عندما تمكن من مقاليد السلطة،وعندما رفضنا أن يستخدم حركة الخدمة أداة طيعة فى جميع مخططاته لجأ إلى التنكيل والإبادة بشتى أنواع الكذب والافتراء والتزوير والمؤامرات.
لقد خططوا لمسرحية»15 يوليو» لتحقيق هذا الغرض بالذات. وعندما أقول «مسرحية» لا أقصد أبدا الاستخفاف بمن فقدوا أرواحهم فى ذلك الحدث الشنيع، أسأل الله تعالى أن يتغمدهم بسابغ رحمته ويلهم ذويهم الصبر والسلوان. لكنهم فرضوا وصاية كاملة على وسائل الإعلام وأقنعوا الشعب التركى برواية لم يؤمن بصحتها أحد فى العالم. ارتكبوا مظالم قلّ فى التاريخ نظيرها متذرعين بتلك الافتراءات. اعتقلوا عشرات الآلاف من الأبرياء بينهم ربات بيوت وشيوخ وأطباء ومدرسون وطلبة وأناس آخرون دون أن يقدموا أدنى دليل قضائى أو وثيقة ملموسة، ملأوا السجون بهم وتفننوا فى اضطهادهم وتعذيبهم. أكرهوهم على التوقيع على بعض الوثائق تحت التعذيب، بل لم يتورعوا من اعتقال النساء الحوامل والأمهات على أسِرّة الولادة وزجّوا بهن فى السجون مع أطفالهن الرضع. اعتقلوا بعض الناس وهم مرضى، وحرموهم من أدويتهم، فكانوا سببا فى وفاتهم.هذه ليست ادعاءات أقولها بناء على ظنون، لقد أكدت تقارير الأمم المتحدة ومنظمات أخرى مختصة فى حقوق الإنسان أن هناك تعذيبا يُمارَس على نطاق واسع فى تركيا.
لقد تم حرمان أكثر من مليون فرد من المظلومين والمتضررين فى تركيا من ممارسة حياتهم العادية، وحُكِم عليهم بالنبذ والتهميش والقطيعة التى تشبه ما تعرض له النبى صلى الله عليه وسلم فى مكة «فى شعب أبى طالب».
إن قيادات السلطة الحالية قد وسّعوا من نطاق»مطاردة الساحرات» التى بدأوها فى تركيا وصاروا يمارسونها على مستوى العالم. الهمّ الأوحد الذى يشغل بال الدبلوماسيين الأتراك فى الخارج هو العمل على إغلاق مدارس ومؤسسات الخدمة أو تسليمها إلى جمعية «معاريف». الهمّ الذى يشغلهم ليل نهار كيف يخطفون المعلمين والمسئولين فى الخدمة ممن يعملون فى تلك البلاد فى طائرة ويرحّلونهم إلى تركيا وإن كان ذلك مناقضا لجميع القوانين الدولية.
ولكن كل هذه المظالم التى ارتكبوها كانت وسيلة لشيء لم يكن فى حسبانهم قط. لقد عرف العالم الخدمة بشكل أفضل، رأى أننا لسنا فى خط واحد مع أولئك الذين يستخدمون الإسلام أداة لمصالحهم السياسية، وأثار ذلك فضولا لمزيد من التعرف على الخدمة، بل حصل فى بعض الأماكن نوع من التعاطف والمساندة. هذا بحد ذاته لطف من الله تعالى وإن كانت فاتورته باهظة الثمن.
هل تراجع الدعم وقل عدد المؤيدين للخدمة بعد الخلاف مع أردوغان؟
لم يحصل أى تراجع فيمن عرفوا الخدمة عن كثب وتعلقت قلوبهم بها عدا استثناءات معدودة. أما فيمن كانت علاقتهم ضعيفة فقد اختار بعضهم –نتيجة الضغوط والخوف – أن يلوذ بالصمت أو يتنحى بعيدا لبعض الوقت. وإذا ما تصورنا أن الحزب الحاكم يشن الغارة تلو الأخرى لتشويه سمعة شريحة معينة من الشعب موظِّفا فى ذلك إمكانات الدولة كافة، فمن الطبيعى – من الزاوية النفسية المجتمعية – أن تكون ردود الأفعال على ذلك النحو لا كما تتوقعون.
لقد استطاعت الحكومة التركية أن تنفذ إرادتها فى بعض البلدان، وتمكنت من إغلاق بعض المدارس أو نقلها إلى جمعية معاريف فى بعض الدول عبر توزيع الرشاوى أحيانا، أو توجيه تهديدات شتى أو استغلال بعض علاقتها الدولية كعامل ابتزاز على دول أخرى، إلا أنهم فشلوا فى الدول الأوروبية وأمريكا وأستراليا وفى مصر ونيجيريا وكينيا وجنوب إفريقيا وأمثالها من الدول التى أخفقوا فى شراء رجالاتها ومنظوماتها القضائية بالمال أو إغراءات أخرى، بل كلما ازدادت مظالم وضغوط تركيا، أثار ذلك فضولا إيجابيا فى كثير من بلدان العالم لمعرفة الخدمة أكثر، وأدى إلى تعاطف معها. لدرجة أن بعض الدول الأوروبية فتحت أبوابها لأبناء الخدمة الذين هربوا من الظلم فى تركيا.
للظلم، كما نعلم، عمر محدود، ولا يستمر إلى الأبد. كما أن زمن السياسيين محدود كذلك. وسيرحلون بطرق ديمقراطية يوما، ولذلك فإن هذه الحركة التى قامت على روح المحبة والتطوع، ستبقى وتستمر من خلال مؤسساتها فى الأماكن التى تتوفر فيها الظروف والإمكانات، وتبقى وتستمر فى قلوب محبيها حين لا تتوفر الإمكانات والظروف.
ظهور الخدمة بمدارسها ومستشفياتها ومراكزها الثقافية والدعوية كانت ثمرة لجهدكم الكبير فى الدعوة وتنوير العقول، هل تجدون هذا الزخم الآن أم أن الظروف قد تغيرت؟
خدمة الإنسانية ابتغاء مرضاة الله واجب دينى وواجب إنسانى فى الوقت نفسه. المبادئ الأساسية واضحة وثابتة لا تتغير. لذلك ينبغى العمل بجد فى مجال التربية والتعليم وفى مجالات أخرى من أجل بناء عالم يتعايش فيه الناس فيما بينهم بسلام ووئام، ويُكَرَّم فيه الإنسان ويُبَجَّل، ويَنظُر كل واحد منا إلى الآخر بعين التسامح والاحترام، ويتعانق الجميع مع بعضهم بمحبة. أما بالنسبة لشكل الخدمات والمشاريع وطريقة أدائها فذلك قد يتغير حسب الزمان والمكان.
قبول الآخر والاعتدال والوسطية معالم لدعوتكم وخدمتكم، هل تعتقد أن عصر الاعتدال والوسطية انتهى بهيمنة أردوغان على الحكم؟
للأسف، لقد تم نحر تلك القيم كلها على مذبح السياسة فى تركيا اليوم. كانت الخدمة تمثل الوسطية والاتزان فى تركيا. ولكن مع السياسات الاستقطابية التى انتهجها أردوغان فى الفترة الأخيرة برز العنف والتطرف على الساحة. لقد أقحموا السياسة فى المدارس الدينية، وجعلوا الدين والتعليم الدينى أداة للوصول إلى أغراضهم السياسية. لقد حوّلوا أفراد المجتمع أعداء إلى بعضهم البعض. إن إصلاح الدمار الذى حصل فى البنية المجتمعية يحتاج إلى عقود من الزمن. أما بالنسبة لأفراد الخدمة، فرغم الضغوط والانتهاكات التى تعرضوا لها، فإنهم لم يتنازلوا عن مبادئهم الأساسية مثل البحث عن حقوقهم فى إطار القانون وعدم الانجرار إلى العنف، إنهم لا يريدون سوى تنفيذ حكم القانون فى حق من أذاقوهم تلك المظالم.
أنتم نموذج لقبول الآخر والتفاعل بين الإسلام والديانات الأخرى، هل تعتقد أن الخدمة استطاعت أن تبرهن على ذلك؟
فى البلدان الغربية ذات الأقلية المسلمة لفتت الخدمة أنظار الكثيرين ولاقت ترحيبا ملحوظا بانفتاحها على قضايا الحوار والعيش المشترك.عمِل أبناء الخدمة على أن يقدموا للغرب نموذجا صحيحا عن الإسلام، وفى نفس الوقت استطاعوا أن يُدمِجوا فى ذواتهم ومشاريعهم معطيات الحداثة التى لا تتناقض مع روح الإسلام، وبالتالى كانوا نموذجا حسنا فى الغرب، كما قاموا بدور هام فى كسر حدة الأفكار السلبية التى تشكلت تجاه المسلمين. لكن فيما يتعلق بالبلدان ذات الأغلبية المسلمة، لا يمكننى القول إنه قد تم التعبير عن الرؤية بهذه القوة. على سبيل المثال، عندما انطلقنا ببرامج الحوار مع الآخر فى تركيا فى بداية التسعينيات نظر إليها بعض الإسلاميين وكأنها نوع من تمييع الإسلام أو التنازل عن ثوابته وشنوا حملات ضدنا لتشويه صورتنا. وفى الفترة الأخيرة عملت قيادة أردوغان على تشويه سمعتنا لدى الجماهير من خلال الترويج لمقولات مزيفة من قبيل العمالة لقوى خارجية مثل الفاتيكان والاستخبارات الأمريكية والموساد.المؤسف أنه فى بعض الدول الإسلامية هناك جماعات مرتبطة بأردوغان قد شاركوا معه فى حملات التشويه هذه، ولا يزالون. لهذا السبب لا يمكننى القول بأننا استطعنا أن نعبر عن أنفسنا بوضوح فى البلدان الإسلامية.
هل تعتقدون أن خروجكم من تركيا كان السبب الأول فى ظهور وانتشار داعش فى تركيا؟
لقد ذكر كثير من الصحفيين والمراقبين الدوليين أنه قد تم فى الفترة الأخيرة طرد العديد من ضباط الأمن المخضرمين ومن له خبرة واسعة فى قضايا الإرهاب بدوافع سياسية محضة، وتم زج بعضهم فى السجون. كما سجلت وسائل إعلام عالمية أن أردوغان يدعم بعض المنظمات الإرهابية المسلحة المنتشرة فى المنطقة بطرق ووسائل شتى، وأنه يريد أن يبسط نفوذه كقوة إقليمية عبر هذه المنظمات. ومن ثم يمكننا أن نقول إن المنظمات الإرهابية من أمثال داعش والعناصر المتعاطفة معها قد وجدت فى تركيا مناخا مناسبا ومريحا جدا فى هذه الفترة بالتحديد.
ما رؤيتكم للقضاء على الإرهاب وداعش؟
إن الحل فى هذا الموضوع يقتضى من المسلمين ومن الدول الكبرى، وكذلك من المنظمات الدولية أن تتحمل مسئوليتها.على المسلمين قبل كل شيء أن يتخلوا عن تحميل الفاتورة فى موضوع الإرهاب على السياسات الخارجية للدول الغربية، ويعودوا إلى أنفسهم يحاسبونها ويراجعونها. علينا أن نحاسب أنفسنا، لماذا هذه الأعداد الهائلة من الشباب الذين يقعون فى شباك الإرهابيين يخرجون من بيننا؟ علينا كمسلمين أن نقدم لشبابنا تربية راقية وتعليما جيدا يوائم بين القيم الدينية السلوكية والعلوم الحديثة والإنسانية، وأن نطعّم المناهج الدراسية بالقيم الإنسانية العالمية، وأن نوفر فى مجتمعاتنا مناخا مناسبا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية حتى تُمارَس فى أفضل صورة. هذه هى المسئوليات التى تقع على عاتق المسلمين. أما بالنسبة للدول الكبرى فعليهم ألا ينظروا إلى الإرهاب على أنه مشكلة أمنية يمكن حلها من خلال تدابير عسكرية واستخباراتية فقط ، بل ينبغى أن يدرسوا الإشكال فى أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويبادروا إلى علاجها من خلال خطوات عملية. كما ينبغى أن يخطوا خطوات فاعلة تمكّن المسلمين الذين يعيشون فى بلدان الغرب من الاندماج بسرعة أكبر. وأخيرا ينبغى أن يولوا أهمية وقيمة لحياة شعوب البلدان الأخرى بقدر ما يولون ذلك لحياة مواطنيهم،وأن يرسموا سياساتهم الخارجية بناء على هذا الأساس. أما الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى وأمثالها من المنظمات الدولية، فعليها أن تتخذ التدابير والإجراءات اللازمة التى تكفل حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية فى كل أنحاء العالم، وأن تفرض عقوبات فعالة على قيادات الدول التى تمارس مظالم شتى فى حق شعوبها من أجل إيقاف تلك الانتهاكات الحقوقية المروعة.
ما الأسباب الحقيقية لخلافكم مع أردوغان رغم أن كثيرا من الخبراء كانوا يقولون إن أردوغان تلميذ نجيب لكم؟
الذين يعرفوننى ويعرفون الخدمة عن قرب يعلمون جيدا أن أردوغان لم يكن تلميذا لى قط. ولقد كانت بيننا خلافات جذرية بدءا من استغلال الدين من أجل مصالح سياسية إلى قضايا أخرى عديدة.
لم يكن قريبا منى ولم أكن قريبا منه قط، ناهيك عن أن يتتلمذ على يدي. لم نلتق وجها لوجه سوى مرتين أو ثلاث مرات. أما دعم محبينا لحزبه – شأن أى مواطن عادى – فقد كانت بناء على وعود قطعها على نفسه للشعب فى تطوير الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتوسيع نطاق الحريات الأساسية. ثم إن أفراد حركة الخدمة قد دعموا فى فترات سابقة أحزابا أخرى تدافع عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى وتؤكد على الحقوق والحريات الأساسية. ولكن عندما انقلب أردوغان وحزبه على هذه القيم بنسبة 180 درجة، فلم يكن بإمكاننا أن ندعمه، وهذا ما حصل فعلا.
هناك نقطة خلاف مهمة أخرى، وهى أن حركة الخدمة التى تقوم بأعمال ناجحة فى مجال التربية والتعليم على نطاق العالم، لم تتبنّ ما ادّعاه أردوغان من أنه «زعيم المسلمين فى العالم» ولم تدعمه فى ادعائه هذا؛ الأمر الذى أثار حقده، وجعله يحشد–حتى اليوم – كل إمكانات الدولة التركية، ويستنفر جميع الدبلوماسيين وأجهزة المخابرات من أجل الضغط على إغلاق مدارس الخدمة وجامعاتها فى العالم أو تسليمها إلى جمعية معاريف، ويبذل كل ما فى وسعه لإعادة أبناء الخدمة وترحيلهم إلى تركيا والزج بهم فى السجون.
هل صحيح أن مشروعكم يقوم على القومية والليبرالية والديمقراطية بينما مشروع أردوغان يقوم على الخلافة الإسلامية العابرة للقارات والحدود؟
عندما انطلقنا فى هذه المسيرة لم نتخذ – لا أنا ولا محبو الخدمة – أيا من الأيديولوجيات الغربية أساسا لنا. الـمُلهِم لنا كانت القيم الإسلامية التى مثّلها الرسول صلى الله عليه وسلم فى حياته السَنِيّة وهى قيم إنسانية عالمية. توقير الإنسان لأنه إنسان، المساواة أمام القضاء، منح المرأة فرصتها لكى تقوم بدورها فى المجتمع، احترام سيادة القانون، وإدارة يتشارك فى صنع قراراتها جميع المواطنين… هذه القيم قيم عالمية، وهى قيم إسلامية فى الوقت نفسه. قد ينسبنا البعض إلى هذا التيار أو ذاك بسبب أفكارنا ومواقفنا هذه، إلا أن المنابع التى نستلهم منها رؤانا واضحة.
أما أردوغان فقد بات من البديهيات التى لا تقبل الشك أنه يرى نفسه زعيم المسلمين. وحَسبُكم أن تنظروا إلى تصريحاته وتصرفاته وإنفاقه أموالا طائلة من ثروات الدولة التركية بغرض حشد مناصرين له فى العالم، بل نظرة واحدة إلى بطانته وأنصاره تكفي، فهم ينادونه بـ «زعيم العالم».
كيف ترى سعى بعض القوى السياسية والحزبية فى الغرب لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين التى ينتمى لها أردوغان باعتبارها جماعة إرهابية؟
أى نوع من أنواع التورط فى الأعمال الإرهابية أمر لا يمكن قبوله أبدا. وإن موقفنا إزاء أى عمل إرهابى لم يتغير من البداية، وقد صرحنا مرارا وأعلنّا: «لا يمكن لمسلم حقيقى أن يكون إرهابيا، ولا يمكن لإرهابى أن يكون مسلما حقيقيا». ومن ثم يجب على الجماعات الإسلامية أن تقف ضد أى شكل من أشكال العنف والإرهاب وتعلن عن موقفها الرافض للإرهاب بوضوح تام، وعكس ذلك تشويه لصورة الإسلام البهية وخيانة لرسالته الإنسانية.
لماذا يريد أردوغان تحميلكم كل مشاكله بعد أن جعل تركيا صفر أصدقاء بعد أن كانت صفر أعداء؟
صحيح، لقد هوى بتركيا من موقع صفر أعداء إلى صفر أصدقاء، لأنه تدخل فى الشئون الداخلية لدول المنطقة وأراد أن يعيد هيكلة هذه الدول من خلال جماعات العنف المسلحة التى ساندها بطرق شتى. لقد رأى أنه من حقه أن يفعل ذلك، لأنه وضع نفسه فى موضع زعيم الشرق الأوسط وخليفة العالم الإسلامي. أما نحن فقد رفضنا هذا النوع من السلوك. لذلك صَنَّفَنا فى خانة الأعداء، وراح يحمّلنا فاتورة أى حادثة سلبية تقع فى البلد، ويستغل ذلك من أجل مكاسب وأهداف سياسية. على سبيل المثال، استغل تحقيقات الفساد الكبرى التى حدثت فى ديسمبر 2013 وتورط فيها بعض وزرائه لتسييس منظومة القضاء حتى باتت شبه منعدمة. وشرّد جهاز الأمن وضباطه الخبراء الذين سهر الوطنُ على تربيتهم وتكوينهم سنين وسنين حتى بات جهاز الأمن عاطلا. كما أحكم قبضته على مجموعات الإعلام الكبرى ومكّن أنصاره من امتلاكها، أما وسائل الإعلام الصغرى فقد كمم أفواهها من خلال منحها حصصا مغرية من كعكعة الإعلانات الحكومية حينا أو إعطاءها مناقصات رابحة حينا آخر، أو تهديدها وإرهابها بوسائل شتى إن لم تُجدِ العروض المغرية، وبذلك أسكت جميع الوسائل التى يمكن أن تعبر عن الحقائق.كما تذرع بمسرحية 15 يوليو وعرّض القوات المسلحة لأكبر ضرر يمكن أن تتعرض له فى تاريخ تركيا الحديث، وفرض وصايته عليها.
باختصار، حوّل أردوغان مؤسسات الدولة التركية إلى مجرد أدوات تخدم مصالحه وطموحاته السياسية. ولم يكتف بهذا،بل مزق الشعب إلى معسكرات وطوائف متنازعة، فحصلت انشقاقات لم نر لها مثيلا فى التاريخ القريب.
كان يحتاج إلى عدو يشرعن من خلاله كل هذه التصرفات المروعة. وعندما رفضت حركة الخدمة أن تكون أداة له فى تحقيق طموحاته أعلنها خصما وعدوا له، وراح يشحن قاعدته الشعبية ويلهب حماسهم من خلال هذا العداء. نعم، لقد نجح فى الاختيار من وجهة نظره، لأنه كان يعلم جيدا أنه مهما شوّه سمعة الخدمة ورجالاتها، ومهما بالغ فى ظلمهم وتعذيبهم فإنهم لن يفعلوا مثله ولن يقابلوه بمبدأ «الرد بالمثل»، ولن يرفعوا أيديهم بلكمة أو حتى وكزة.
ما روايتكم لما حدث فى 15 يوليو 2016؟
ندّدتُ بما حصل أثناء وقوع الأحداث ورفضت جميع الاتهامات التى وُجِّهت إليّ، دعوت أردوغان إلى تشكيل لجنة دولية تحقق فى الموضوع، وأعلنتُ أننى سأرضى بأى حكم يصدرونه فى حقى ووعدتهم بأن أشترى تذكرتى بنفسى وأعود إلى تركيا إن ثبتت اتهاماتهم وتبين أننى مجرم، لكنهم لم يتكرموا حتى بالرد على اقتراحي. هذا يدل على أن لديهم أمورا كثيرة يخفونها، لذلك لم يستطيعوا أن يقنعوا العالم بافتراءاتهم. أعتقد شخصيا أن أحداث 15 يوليو سيناريو وأردوغان ذاته واحدٌ ممن شاركوا فى كتابته، وستنجلى الحقائق مع الوقت بإذن الله تعالى.
أنتم النموذج الحقيقى للاعتدال والوسطية وليس أردوغان، لماذا لا يحاول المجتمع الدولى حماية «الخدمة» من بطش أردوغان وحزبه العدالة والتنمية؟
إزاء هذا الكم الهائل من المظالم والانتهاكات، كنا نتوقع أن تكون الأصوات التى ترتفع من الدول التى لها تاريخ طويل من العلاقات والصداقة مع تركيا أكثر قوة. لا يمكن أن نقول لم يصدر أى صوت، صحيح خرج بعض الرؤساء والمسئولين والبرلمانيين وعبّروا عن استيائهم وقلقهم لما يحدث ودعوا القيادة التركية للعودة إلى احترام سيادة القانون، إلا أن هذه التصريحات لم تتحول إلى عقوبات رادعة ومؤثرة.
ولكن من جهة أخرى، لم تخضع العديد من الدول والحكومات لأردوغان واستغلاله للعلاقات الثنائية كورقة للمساومة أو الابتزاز، ولم يسمحوا له بأن يمس أفراد الخدمة ومؤسساتها التربوية بأى سوء، بل فتحوا أبوابهم وقلوبهم للاجئين الذين هربوا من اضطهاد القيادة الحاكمة فى تركيا. مصر، السويد، النرويج، ألمانيا، أمريكا، كندا، أستراليا ودول أخرى كثيرة لا بد من ذكرها تعبيرا عن عميق شكرى وامتناني.
كيف تنظرون للتحول من النظام البرلمانى إلى الرئاسى فى عهد أردوغان؟
هناك أنظمة مختلفة للحكم فى العالم، وهى تختلف من بلد إلى آخر. لكن الأصل هو الالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات، واحترام سيادة القانون، وضمان حقوق الإنسان الأساسية والحريات وأمثالها من المبادئ الكونية. أما النظام الذى يريدون إقامته فى تركيا، فلا أعتقد أنهم التزموا –أو سيلتزمون لاحقا – بهذه المبادئ.
كيف تنظرون للانتخابات المبكرة، وهل هى محاولة من أردوغان للبقاء حتى 2029 فى السلطة؟
يمكننى أن أقول بصفة عامة بأن الهدف الأساسى من وراء كل خطوة سياسية تتم فى تركيا فى السنوات الأخيرة، ليس إلا تحقيق رغبة أردوغان فى البقاء فى الحكم باعتباره السلطة الوحيدة.
هل وحدة الأراضى التركية قد تتأثر سلبا فى حال تقسيم سوريا باعتبار أن تركيا فيها علويون وأكراد مثل سوريا؟
سبق أن عبرت عن قناعتى حول الأزمة السورية من قبل. إن أفضل حل لسوريا هو تأسيس إدارة تتيح لجميع المكونات السورية أن يكون لها حضور وتمثيل فاعل فيها بدءاً من العرب السنة إلى الطائفة النصيرية إلى الأكراد إلى السكان غير المسلمين إلى المكونات الأخرى.
وللوصول إلى هذا الهدف ينبغى التفكير – إذا اقتضى الأمر – بمنح البلاد فرصة للانتقال الديمقراطى بصورة متدرجة. إخوانى الذين يتابعون الإعلام أخبرونى بأن المعارضة ترفض كل معادلة توجد فيها الإدارة الحالية. ولكن أرى أن العمل بمبدأ «الاجتماع على الحسن أولى من التفرق على الأحسن» أقرب إلى الصواب وحقن للدماء ومنع لوقوع مزيد من الضحايا والخسائر.
هل تعتقدون أن أردوغان وحزبه قادر على البقاء حتى 2029 أم أن مزاج الناخب التركى قد يتغير؟
قد يغير الناخب التركى مواقفه لا شك فى ذلك، فإن الانتخابات فى تركيا لا تقام اليوم بصورة عادلة. وسائل الإعلام تحت وصاية السلطة، القضاء تحت الوصاية كذلك، الاقتصاد ورؤوس الأموال تحت الوصاية. ففى مثل هذه الظروف من الصعب جدا رصد ما يفكر فيه الناخب التركي.
لماذا برأيك يحاول أردوغان بكل ما يملك تقويض الدولة المصرية؟
لأنه يرى نفسه زعيم العالم الإسلامي، ويريد أن يُظهِر ذلك للعالم. يحاول أن يؤثر على شعوب البلدان الإسلامية بطرق شتى. وعندما يجد من بعض الدول رفضا وممانعة ويرى أنها لا تسمح له بالتدخل فى شئونها الداخلية يأخذ منها موقفا عدائيا.
كيف ترى مصر وشعبها فى ظل التحديات التى يمر بها الشرق الأوسط؟
لمصر مكانة خاصة فى عالم المسلمين، مصر مهد لحضارات عريقة. وفى العهد الإسلامى منحت مصرُ الإنسانيةَ علماءَ يشار إليهم بالبنان، وأسست مجمعات ومراكز علمية على مستوى العالم. وفيما يتعلق بمستقبل الشرق الأوسط فإن لمصر موقعها الخاص ومكانتها المعروفة. إن السلام الداخلى لمصر واستقرارها الأمنى والاقتصادى بالغ الأهمية لأمن واستقرار هذه المنطقة.
هل تعتقد أن أردوغان جاد فى الذهاب لمنظمة شنغهاى وشراء أس 400 من روسيا؟
لقد لعب حلف الناتو دورا مهما فى حماية تركيا فى أيام الحرب الباردة. ثم إن الخطوات التى قامت بها تركيا أثناء انضمامها إلى حلف الناتو قد ساعدتها على تطوير ديمقراطيتها. وبعد أن تمت العضوية اتخذت تركيا الدول الأعضاء فى حلف الناتو نموذجا لها فى التجربة الديمقراطية واحترام سيادة القانون. إن الصفقة الأخيرة التى قام بها أردوغان – لا شك – تضرّ بتحالف تركيا مع الناتو. ولكن من الصعب معرفة مدى صدق القيادة التركية فى هذه الصفقة، لقد وصلوا فى الإكثار من الكذب حدا يدعونا إلى الشك فى صدقهم فى هذا الموضوع كذلك، فلا ندرى هل هم صادقون حقا أم أنهم يعقدون هذه الصفقة ليحصلوا على بعض التنازلات من أمريكا وأوروبا.
كان لوالدكم ووالدتكم دور كبير فى النشأة الإسلامية التى صقلت شخصيتكم، ماذا تقول عن هذه الفترة؟
والدتى كانت معلمتى الأولى فى تعلم القرآن. ختمت القرآن على يديها فى سن مبكرة. كانت تُعلِّم أطفالَ القرية كذلك، فى وقت كانت فيه ضغوط الدولة على التعليم الدينى شديدة. كان تعليم القرآن ممنوعا، لذلك كانت تُعلِّم الأطفال فى إسطبل منزلنا، كان ملاصقا لمنزلنا ويُدخَل إليه من مدخل مخفى عن الأنظار. تضحيات أمى هذه تركت آثارا عميقة فى قلبي. أما والدى فقد تعلمتُ منه حب الصحابة وتوقير العلماء.
لكم مؤلفات كثيرة، هل تكتبون كتبا جديدة فى هذا الوقت؟
فى هذه الأيام أكتب بعض المقالات لمجلة تشاغلايان. بعض الإخوة يُفرّغون الدروس التى ألقيها هنا ويعدونها للنشر فى إطار سلسلة كتب، وأنا أهتم بتحريرها وتصحيحها.