بقلم : ياوز أجار
برلين (زمان التركية) – بدأ العد التنازلي على مارثون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقرر إجراؤها بعد أربعة أيام من الآن، والتي سيختار فيها الناخب التركي الرئيس القادم والحزب الذي سيؤسس الحكومة الجديدة، وسط ترقب محلي ودولي، فهل ستكون نتائج هذه الانتخابات هي نهاية لحكم أردوغان وحزبه بعد 16 عامًا من الحكم أم مرحلة جديدة من مراحل حكم أردوغان؟
يتفق المراقبون لأول مرة منذ سنين على تراجع أداء أردوغان وفقدانه قدرته السابقة على تجنيد الجماهير العريضة وإقناعهم بوعوده الانتخابية، كما يتفقون ولأول مرة أيضا على عودة الحيوية والحراك إلى صفوف المعارضة في ظل مرشح حزب الشعب الجمهوري محرم إينجه الذي خطف الأضواء على نفسه بأسلوبه المزاحي والساخر وقدرته على الإقناع والإجابة السريعة وتعاطفه مع أنصاره، ومرشح حزب الخير مرال آكشنار الملقبة بـ”المرأة الحديدية” المنشقة من حزب الحركة القومية.
يكاد المحللون يجمعون على أن المعركة الانتخابية لن تحسم في الجولة الأولى من عملية الاقتراع وإنما سيحسم الأمر في الجولة الثانية، مع وجود عدد محدود من المحللين لا يستبعدون فوز أردوغان بالانتخابات من الجولة الأولى وآخرين يرجحون فوز محرم إينجه. وإذا ما تأجل الحسم إلى الجولة الثانية فإن حظ المعارضة سيكون أوفر من أردوغان في حال التفافهم حول مرشح واحد وهو المتوقع حدوثه.
بحسب استطلاع رأي أجرته شركة سونار (SONAR) للأبحاث والدراسات حول النتائج المتوقعة للانتخابات الرئاسية المبكرة، فإن أردوغان قد يحصل على 42% من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات، وكما قد يحصل مرشح حزب الشعب الجمهوري محرم إينجه على 21.91%، بينما ربما تحصل رئيسة حزب الخير ميرال أكشنار على 21%، أما رئيس حزب الشعوب الديمقراطية المعتقل صلاح الدين دميرتاش فق ديحصل على 11.01%، وهناك شركات أخرى ترفع نسبة الأخير إلى 12.4%.
وكانت شركة سونار توقعت فوز أردوغان في أول انتخابات رئاسية أجريت في يوليو/ تموز 2014 بنتيجة 53.3%. وبالفعل فاز أردوغان في الانتخابات من الجولة الأولى حاصلاً على 52% من الأصوات.
والنتائج التي توصل إليها معهد إسطنبول للدراسات الاقتصادية لا تختلف كثيرا عن نتائج شركة سونار المذكورة، إذ كشفت دراسته عن حصد أردوغان 44% من الأصوات، وحزبه العدالة والتنمية على 42% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية. في حين حصل تحالف الجمهور المكون من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية على 48%، وحصل تحالف الأمة المكون من أحزاب المعارضة على 37%، وحصل حزب الشعوب الديمقراطية الكردي على 12.8% من الأصوات.
هذه الأرقام تكشف تراجعًا ملحوظًا في نسبة دعم حزب العدالة والتنمية، حيث سجل مع حليفه حزب الحركة القومية 44% بعد أن كانت هذه النسبة 53%، بينما سجلت الأرقام زيادة ملحوظة لصالح المعارضة إذ بلغت 40.5% بعد أن كانت 34% في استطلاعات الرأي السابقة.
دور محوري للحزب الكردي
هذه المعطيات تشير إلى أن مرشح حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش سيلعب الدور الحاسم في مصير الانتخابات كما كان في انتخابات 2015 حيث حصل على 80 مقعدا برلمانيا وتسبب في تراجع نسبة أصوات حزب العدالة والتنمية إلى 40% وفقدانه الأغلبية البرلمانية اللازمة لتشكيل حكومة منفردة، ما دفع أردوغان إلى منع أي حكومة ائتلافية أولاً، ثم إعلان انتخابات مبكرة وإعادة الحكومة المنفردة إلى حزبه مجددا، بعد أن أثار موجة قومية قوية من خلال الإطاحة بطاولة مفاوضات السلام الكردي مع حزب العمال الكردستاني والعودة إلى العمليات الأمنية والعسكرية مجددًا ضد عناصر العمال الكردستاني. وهذا الواقع يجعل أردوغان يبني إستراتيجيته الانتخابية على تجاوز الحزب الكردي العتبة الانتخابية البالغة 10% أو فشله في ذلك، حيث ستتجه الأصوات إلى أردوغان حال فشله في دخول البرلمان أو سيفقد فرصة الفوز بالانتخابات من الجولة الأولى حال دخوله البرلمان. ولذلك نرى في مقطع فيديو مسرب لأردوغان أنه ينصح أركان حزبه بالعمل بكل يملكون من قوة على منع دخول الحزب الكردي إلى البرلمان.
لا شك أن محرم إينجه أكبر منافس لأردوغان، لذلك سيسعى بكل ما في وسعه إلى العمل على تراجع شعبيته. وتشير التطورات إلى أن أردوغان سيعمل من جانب على ممارسة مزيد من الشيطنة والتهميش على الحزب الكردي لاستمالة الأكراد إلى صفوف حزبه، ومن جانب آخر سيحاول حرمان محرم إينجه من الأصوات الكردية أو القومية.
وليس عبثًا أن يطلق أردوغان قبيل بدء الانتخابات عملية عسكرية كبيرة ضد معاقل حزب العمال الكردستاني بجبال قنديل الواقعة في كردستان العراق، حيث يتوقع أن يحقق نجاحًا بارزا برفع العلم التركي في هذه الجبال ويستقطب بذلك أصوات القوميين، ويضع الأحزاب المعارضة بما فيها الحزب الكردي في موقف حرج من خلال اتهامها بموالاة الإرهابيين إن لم تعلن دعمها لهذه العملية. إذ يتأمل من العملية أن تمنع الحزب الكردي من تجاوز نسبة الحد الأدنى من الأصوات لدخول البرلمان من جانب، ومن جانب آخر أن تؤدي إلى خسارة محرم إينجه الذي سيكون منافسه في الجولة الثانية على الأرجح “أصوات الأكراد” في حال إعلان دعمه للعملية أو خسارة “أصوات القوميين الأتراك” في حال رفضه العملية.
كان أردوغان طبق هذه الإستراتيجية الانتخابية في 2015 و2017 وحقق منها أهدافها بنجاح. فبحسب محاضر المفاوضات التي كانت تجريها حكومة أردوغان مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان بدعوى إقامة السلام الكردي، والتي نشرت جريدة مليت نسخة منها في 2015، فإن هذه المفاوضات كانت تجرى على أساس “دعم الأكراد لأردوغان بشأن النظام الرئاسي” و”الإفراج عن أوجلان ومنح الحكم الذاتي للأكراد”. وهذا ما أكده الزعيم الكردي صلاح الدين دميرتاش إذ قال: “جاءني في 2015 وزير بورقة تحمل توقيع عبد الله أوجلان (زعيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي) ويطلب مني دعم أردوغان في مسألة النظام الرئاسي والانسحاب من الترشح لصالح أردوغان!”.
غير أن دميرتاش كان تحدى أردوغان قائلا: “لن نسمح لك بتطبيق النظام الرئاسي في تركيا”، ودخل البرلمان بـ80 نائبا ومنع تشكيل حزب أردوغان الحكومة منفردا في 2015 في انتخابات 7 يونيو/ حزيران 2015، الأمر الذي دفع كبير مستشاري أردوغان حينها يالتشين أكدوغان إلى اتهام دميرتاش بـ”خيانة عبد الله أوجلان”، وحمل أردوغان على الانتقام منه بزجّه في السجن بحجة دعمه لتنظيم إرهابي تفاوض معه لإقامة السلام الكردي.
لكن أردوغان كان يحتاج إلى ذريعة لإعلان انتهاء مفاوضات السلام الكردي، فوجدها عندما نفذ تنظيم داعش هجومًا انتحاريًّا على مركز ثقافي في بلدة سوروتش الحدودية مع سوريا أسفر عن مقتل 32 شخصًا من الشباب الأكراد، وقتل حزب العمال الكردستاني في المقابل بعد يوم واحد من ذلك شرطيين شابين وهما نائمان على فراشهما بدعوى أنهما على صلة بداعش الذي نفذ هجوم سوروتش.
بعد أسبوع من الهجومين المنسوب أحدهما لداعش والآخر للعمال الكردستاني، وعلى وجه التحديد في 28 يوليو/تموز 2015، أعلن أردوغان بشكل رسمي انتهاء مفاوضات السلام مع العمال الكردستاني لتبدأ بعد ذلك فترة جديدة مليئة بالاشتباكات الدموية بين الطرفين. ومن المثير أن يالتشين أكدوغان، كبير مستشاري أردوغان، كان قال لصلاح الدين دميرتاش “إذا قلتم ’إننا لن نسمح لك بفرض النظام الرئاسي‘ فإنه لا يمكن أن يحدث غير ما حدث اليوم! فليس بمقدور حزب الشعوب الديمقراطي بعد اليوم إلا أن يصوّر فيلم مسيرة السلام الكردي فقط”.
بعد الإطاحة بطاولة مفاوضات السلام الكردي اتخذ أردوغان قرارًا بالعودة إلى المكافحة المسلحة ضد العمال الكردستاني، ما حول كل أنحاء تركيا إلى ساحة دماء بسبب الهجمات المنسوبة للعمال الكردستاني والتي حصدت أرواح أكثر من ألف فرد من عناصر الأمن وحوالي 10 آلاف من عناصر العمال الكردستاني، بالإضافة إلى مئات المواطنين المدنيين. لكن في الوقت ذاته تسببت هذه العمليات في توجه القوميين الأتراك بقيادة حزب الحركة القومية إلى حزب أردوغان.
وفي 10 أكتوبر / تشرين الأول 2015 شهدت العاصمة أنقرة أكبر مجزرة إرهابية دموية على مدى تاريخ تركيا نسبت إلى داعش أيضًا استهدفت عشرات الآلاف من المشاركين في تظاهرة بعنوان “العمل والسلام والديمقراطية”، مما أدى إلى مقتل أكثر من 110 أشخاص وإصابة المئات، أغلبهم من الأكراد أيضًا. وكشفت التحقيقات أن منفذ العملية المدعو “يونس أمره آلاجوز” شقيق “الشيخ عبد الرحمن آلاجوز” الذي نفذ هجوم سروتش قبل 3 أشهر من هذا الحادث وقتل 32 شابًا كرديًّا أيضًا. لكن زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش اتهم “الدولة” حينها بالوقوف وراء هذا الهجوم.
ومن الغريب جدًا أن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو وبعد بضعة أيام من هذا الهجوم الدموي، قال: “لقد أجرينا استطلاعًا للرأي بعد مجزرة أنقرة الإرهابية لجسّ نبض الرأي العام، ولاحظنا وتيرة ارتفاع ملموسة في نسبة دعم حزبنا”، الأمر الذي جعل المعارضة التركية تتقدم باستفسار برلماني دعت فيه داود أوغلو إلى الكشف عن دلالة هذه التصريحات.
أردوغان يستعيد الحكومة المنفرة بـ”توظيف الإرهاب”
بعد توجه القوميين الأتراك إلى الحزب الحاكم، أعلن أردوغان عن انتخابات برلمانية مبكرة في الأول نوفمبر / تشرين الثاني 2015 وأعاد الحكومة المنفردة إلى حزبه مجددًا في طبق من ذهب بعد أن حصد دعم نصف الناخبين.
كما أن أردوغان عقد تحالفًا مع حزب الحركة القومية في 2017، وأطلق أولاً عملية درع الفرات في الأراضي السورية لإثارة موجة قومية جديدة في الداخل، أجرى بعد ذلك الاستفتاء الشعبي حول النظام الرئاسي وحصل على الموافقة من الشعب بشكل أو آخر. ثم نفذ عملية “غصن الزيتون” العسكرية في شمال سوريا ضد مقاتلي حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري، وأعلن في 18 أبريل/ نيسان 2018 عن انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة متأملاً منها أن تحقق له النجاح أيضًا.
واليوم يتبع أردوغان الإستراتيجية ذاتها لحصد أصوات القوميين الأتراك من خلال عملية عسكرية ضد معاقل العمال الكردستاني في شمال العراق قبيل بدء الانتخابات المصيرية. غير أنه حدث هذه المرة شيء لم يتوقعه أردوغان، إذ نشر موقع “أحوال تركيا” وثيقة سرية للغاية لمركز الاستخبارات التابع للاتحاد الأوروبي تتهم أردوغان بتوظيف الإرهاب. إذ قال المركز في تقريره التقييمي الخاص بهجوم أنقرة الدموي في 2015: “مع أن شكل وطريقة الهجوم توجه أصابع الاتهام إلى تنظيم داعش، لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار عدم تفقد هويات الراكبين على الباص الذي كان يحمل المتظاهرين إلى ميدان الاحتجاج، وغياب شبه كامل للقوات الأمنية في مؤتمر بهذا الحجم العملاق نتوصل إلى أن هناك سببًا معقولاً للاعتقاد بأن قوىً داخل حزب العدالة والتنمية كلّفت عناصر داعش بصورة خاصة بتنفيذ هذا الهجوم”.
هذا التقرير مهم للغاية نظرًا لأنه صادر من جهاز استخباراتي تابع للاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة، وأحدث تأثير القنبلة في الأوساط السياسية. وستكشف الأيام القادمة ما إذا كانت ستجدي إستراتيجية أردوغان هذه المرة أم لا.
التزوير والتلاعب بالنتائج
وكل هذا إذا جرت الأمور في مجراها الطبيعي وأجريت العملية الانتخابية وفق قواعد اللعبة الديمقراطية دون تلاعب أو تدخل في نتائج الانتخابات. غير أن سجل الحزب الحاكم في هذا الصدد سيء للغاية كما يعلمه الرأي العام المحلي والدولي من الانتخابات السابقة. فبالتزامن مع بدء نحو 3 ملايين و49 ألف و65 ناخبًا تركيًّا مقيمين بالخارج أعمال التصويت في السابع من الشهر الجاري، بدأت تأتي أخبار عن مبادرة حزب أردوغان إلى التزوير في الانتخابات حيث تم رصد ورقة اقتراع موقعة مسبقًا لصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم منحت إلى أحد الناخبين في العاصمة الفرنسية باريس. وفي فيينا لم تتطابق أعداد أوراق الاقتراع بالظروف التي تحويها. ومن المحتمل أن هذه الأخبار ستزداد كلما اقترابت النهاية.
من جانب آخر هناك عديد من الكتاب يزعمون أن أردوغان إذا ما تأكد من خسارته في الجولة الأولى أو الثانية فإنه سيؤجل الانتخابات بأي وسيلة كانت، بما فيه إعلان حالة الاستنفار في البلاد من خلال تصعيد العملية ضد معاقل العمال الكردستاني إلى أقصى الحدود، ما يمكن أن يدفع التنظيم إلى رد عنيف على أهداف في الداخل التركي.
وهناك من يلفت من المراقبين إلى احتمالية اندلاع احتجاجات واسعة النطاق تشارك فيها جميع القوى المعارضة مماثلة لأحداث “جيزي بارك” التي اندلعت في إسطنبول ثم انتشرت في كل أنحاء تركيا، وذلك في حال إقدام أردوغان على التزوير في الانتخابات أو تأجيلها أو إلغائها تماما بأي سبب كان.
ولا شك أن أردوغان إذا ما فاز بالانتخابات فإنه سيضفي الصفة الرسمية على النظام الديكتاتوري الذي يؤسسه منذ 2011 من خلال تصفيات أجراها في صفوف الأمن والقضاء والبيروراقراطية بحجة “الكيان الموازي” بعد تحقيقات الفساد والرشوة، وفي صفوف الجيش والقضاء الأعلى بحجة الانقلاب الفاشل في 2016، بالإضافة إلى قيامه بإعادة تصميم فصائل المجتمع عامة والجماعات الإسلامية خاصة من خلال هاتين التهمتين الجاهزتين اللتين يصلقهما أردوغان بسهولة بكل من يريد تصفيته.
لكن إذا ما فازت المعارضة المعركة الانتخابية فإن تركيا ستحصل على فرصة للعودة إلى الدستور والقانون بعد تعليق العمل بهما منذ فضائح الفساد والرشوة عام 2013، بالإضافة إلى إمكانية إعادة فتح الملفات الخاصة بفساد نظام أردوغان وتعاونه مع الإرهاب محليا ودوليا وإجراء محاكمات عادلة بحق كل من المسئولين السياسيين المتهمين، والموظفين العموميين المتهمين بالسعي للإطاحة بحكومة أردوغان عن طريق توظيف تحقيقات الفساد والرشوة أو محاولة الانقلاب الفاشلة.