يستمد التقرير مادته من تقارير المنظمات الحقوقية العالمية التي تؤكد على غياب دور القانون في تركيا، وارتباط عمل المحاكم بأجندة الحكومة السياسية، والتدهور المستمر في الأوضاع القانونية منذ تحقيقات الفساد في ديسمبر2013.
تعرضت المحكمة الدستورية لانتهاكات واسعة النطاق ونجح أردوغان في تحويلها إلى محكمة لا تحكم، وعبّر في غير مناسبة عن عدم احترامه لقراراتها، وشنت وسائل الإعلام الموالية للحكومة حملات مستمرة مستهدفة قضاتها وقراراتها.
كما تشير التقارير الدولية أيضا –حسبما ورد في تقرير “نسمات” و “زمان”- إلى الضغوط القوية التي تمارسها الحكومة التركية لتقويض صلاحيات أعضاء الهيئات القضائية المختلفة، عبر تهديدهم وفصلهم تعسفيا من مناصبهم واعتقالهم، وتعرض المعتقلين منهم في السجون التركية إلى تعذيب ممنهج وخاصة القضاة ووكلاء النيابة.
وينقل التقرير تصريحات لمسؤولين حقوقيين دوليين يعبرون فيها عن تخلي الحكومة التركية عن دورها في حماية حقوق الأفراد، وأن تركيا لم تعد دولة ديمقراطية لانتهاكها مبادئ قانونية أساسية عديدة أهمها مبدأ الفصل بين السلطات.
يتكون التقرير من مقدمة وخمس نقاط وخاتمة، ويركز في النقاط الخمس على رصد التجاوزات -بالأرقام والأدلة والشواهد- التي ارتكبها النظام الحاكم في حق آليات المنظومة القضائية بشكل كامل، والتي تتكون من الهيئة القضائية وهيئة الدفاع والمحاكم ومجلس القضاء الأعلى، كما يتعرض للجان المنشأة حديثا بموجب مراسيم الطوارئ للنظر في تلك التجاوزات، مثل ديوان المظالم ولجنة تظلمات حالة الطوارئ ويشير إلى أنها مسيسة أيضا بما يعني عدم جدواها. وفي رصده لأهم التجاوزات التي ارتكبها النظام في حق الهيئة القضائية نجد من أبرزها ما يلي:
- عزل أكثر من 4.400 قاض ووكيل نيابة من مناصبهم.
- شطب عضوية ما يقارب الثلثين من النقابة يوم 16 يوليو 2016 بعد يوم واحد من محاولة الانقلاب.
- تجميد الحسابات المصرفية لهؤلاء القضاة قبل أن توجَّه إليهم أي اتهامات.
- إذاعة أسمائهم في وسائل الإعلام وإدانتهم إعلاميا قبل مواجهتهم بالادعاءات التي اتهموا بها.
- فصل الحكومة أزواجهم أو زوجاتهم من العاملين والعاملات في القطاع الحكومي، والاستيلاء على مدخراتهم وممتلكاتهم.
- رفع الحصانة عن القضاة والقبض عليهم من على منصاتهم في أثناء عملهم.
- اعتقال أي وكيل نيابة يرفض أن يُعامِل المحتجزين معاملة سيئة.
- عزل واعتقال أي قاض يرفض إعطاء إذن اعتقال، ومعاملته على أنه خائن.
عجز كثير من المتهمين والمحامين في المعتقلات عن إيجاد محامين للدفاع بسبب حالة الكراهية والاستقطاب المجتمعي التي تعززها السلطات، ورفض النقابات التي يرأسها موالون للنظام تعيين محام من النقابة لمن يعجز عن توكيل محام.
أما عن انتهاكات السلطة الحاكمة للهيئة الدفاعية فقد ذكر منها ما يلي:
- احتجاز الحكومة أكثر من 1000 محام، واعتقال 114آخرين عقب الانقلاب الفاشل في يوليو 2016 بتهم لا أساس لها من أبرزها: ارتباطهم بحركات اجتماعية معينة، ومن أطرفها: أنهم دافعوا بحرارة عن موكليهم.
- تعرض عدد كبير من المحامين المعتقلين في أثناء التحقيقات لضغوطات وتهديدات، وإجبارهم على الاعتراف بالتهم الموجهة ضد موكليهم.
- إغلاق أشهر المؤسسات الدفاعية العريقة في البلاد بمراسيم الطوارئ.
- رفع الحصانة القانونية عن المحامين واعتقالهم من مكاتبهم.
- عجز كثير من المتهمين والمحامين في المعتقلات عن إيجاد محامين للدفاع بسبب حالة الكراهية والاستقطاب المجتمعي التي تعززها السلطات، ورفض النقابات التي يرأسها موالون للنظام تعيين محام من النقابة لمن يعجز عن توكيل محام، في مخالفة فجة لقانون الإجراءات الجنائية الذي يمنحهم هذا الحق، بالإضافة إلى التصريح ضدهم بتصريحات تجردهم من إنسانيتهم
- عجز المحامين المكلفين بالدفاع عن موكليهم عن وقف تعذيبهم أو تسجيل ما يتعرضون له من انتهاكات في المحاضر الرسمية، بخلاف تعرض المحامين أنفسهم للانتهاكات والأذى البدني.
أما عن حقوق المتهمين فقد صدرت مراسيم الطوارئ لتحرمهم من أبسط حقوقهم ومنها: انتفاء خصوصية اللقاء الذي يعقده المحامون مع موكليهم، وتسجيل كل هذه اللقاءات ومنع أي محامي خضع من قبل للتحقيق أو المحاكمة من الدفاع عن موكله.
ولم تسلم المحاكم وقوانينها من تغول السلطة التنفيذية عليها سواء قبل محاولة الانقلاب الفاشلة أو بعدها، فقد تحدث التقرير عن “محكمة الصلح الجزائية” التي استحدثها النظام خصيصا عام 2015 وعين فيها قضاة من أعضاء جمعية “الوحدة القضائية” (YBD)، الموالية للحكومة ليستخدمها أداة لمعاقبة معارضيه من كافة الأطياف والزج بهم في السجون والمعتقلات، وقد أدانت عملَها وطريقة التقاضي فيها منظمات حقوقية دولية.
كما تعرضت المحكمة الدستورية لانتهاكات واسعة النطاق ونجح أردوغان في تحويلها إلى محكمة لا تحكم، وعبّر في غير مناسبة عن عدم احترامه لقراراتها، وشنت وسائل الإعلام الموالية للحكومة حملات مستمرة مستهدفة قضاتها وقراراتها. كما تدخل أردوغان في التنظيم الداخلي للمحكمة الدستورية، وعين مستشاره الخاص قاضيا فيها.
ينقل التقرير تصريحات لمسؤولين حقوقيين دوليين يعبرون فيها عن تخلي الحكومة التركية عن دورها في حماية حقوق الأفراد، وأن تركيا لم تعد دولة ديمقراطية لانتهاكها مبادئ قانونية أساسية عديدة أهمها مبدأ الفصل بين السلطات
وقد شجعت تلك التجاوزات على عدم احترام قراراتها حتى في ساحة القضاء نفسه فقد رفضت المحاكم الأدنى درجة تنفيذ قرارات أصدرتها المحكمة الدستورية العليا في سابقة تعد الأولى من نوعها في تاريخ الدولة التركية.
أما القضاء الإداري فقد انتزعت صلاحياته وأعيدت هيكلته من خلال عزل قضاته وتعيين موالين للنظام بدلا منهم، وبذلك فقد المواطن الذراع القانوني الذي كان يستعيد به حقوقه التي تنتزعها منه الدولة. كما فقدت محكمة النقض حياديتها تماما عبر تصريحات نشرتها على صفحتها الرسمية تدين فيها أطرافا بتهم قبل إجراء أية تحقيقات معهم مما استدعى استهجان الاتحاد الأوروبي على هذه التصريحات المنافية للعدالة والمنحازة تماما للسلطة الحاكمة.
أما مجلس القضاء الأعلى وهو أعلى سلطة قضائية في البلاد وإليه يرجع أمور تنظيم المحاكم وتعيين القضاة وعزلهم وكافة الإجراءات المتعلقة بهم فقد ذكر التقرير الخطوات التي مارستها الدولة للسيطرة عليه تماما وخاصة بعد تحقيقات الفساد في ديسمبر 2013.ونتيجة لهذه الممارسات علق مجلس القضاء الأعلى الأوروبي (ENCJ) عضوية مجلس القضاء الأعلى التركي بعدما كان عضوا مراقبا.
كما أورد التقرير فقرات من مقال “كريستوف ريجنارد” القاضي بمحكمة النقض بباريس ورئيس المؤسسة العالمية للقضاة (IAJ) الذي يشرح فيه وضع القضاء في تركيا بعد الانقلاب ومنها: “لقد تم عزل القضاة ووكلاء النيابة والقبض عليهم دون إجراء تحقيقات فردية ودون شكاوى ضدهم كما حرموا من حق الدفاع. لقد كان واضحًا أن هؤلاء القضاة تم تحديد أسمائهم في قوائم قبل الانقلاب بفترة طويلة، وهم الآن محتجزون في وضع سيء”…
التقرير غني بالمعلومات والأرقام والشواهد والحالات التي تخبر عن نفسها، ويكشف مدى جناية أردوغان ونظامه الحاكم على استقلالية القضاء في إطار خطوات ممنهجة لإنهاء الديمقراطية في تركيا.