بقلم : فرحات أفا
إسطنبول (زمان التركية) – مع اقترابها من موعد الانتخابات تواجه تركيا أزمة جديدة مع إسرائيل. هذه الأزمة تختلف قليلاً عن واقعة “دقيقة واحدة” في منتدى دافوس الاقتصادي عام 2009 وأزمة إجلاس السفير التركي في إسرائيل على “مقعد منخفض” في عام 2010 وحادثة “مافي مرمرة” في العام ذاته، فهذه المرة تُدار الأزمة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأشعل نتنياهو فتيل الأزمة بتصريحاته التي ألقاها في الخامس عشر من مايو/ أيار الجاري وذكر خلالها أن أردوغان أحد أكبر الداعمين لحماس ويدرك جيدًا معنى الإرهاب والإبادة، مطالبا إياه بألا يلقنهم درسا في الأخلاق.
وبعد عدة ساعات نشر أردوغان تغريدة عبر حسابه بموقع التوتير رد خلالها على تصريحات نتنياهو، قائلاً: “نتنياهو رئيس وزراء دولة إبادات تنتهك قرارات الأمم المتحدة منذ 60 عامًا وتحتل أراضي المستضعفين. يداه ملطختان بدماء الفلسطينيين ولا يمكنه التستر على جرائمه بمهاجمة تركيا. أترغب في درس في الإنسانية؟ عليك بقراءة الوصايا العشر”.
وفي اليوم نفسه نشر أردوغان تغريدة أخرى دافع فيها عن حماس بقوله: “تذكرة لنتنياهو: حماس ليست تنظيما إرهابيا والفلسطينيون ليسوا إرهابيين. حماس حركة مقاومة تدافع عن الأراضي الفلسطينية ضد قوة محتلة، والعالم يساند الفلسطينيين ضد المحتلين”.
وبدوره نشر نتنياهو تغريدة أجاب خلالها على تغريدات أردوغان قائلاً: “الشخص الذي أرسل قوى احتلالية إلى شمال سوريا وقبرص الشمالية لا يحق له التعليق على ما نفعله ضد محاولات حماس لغزونا. الشخص الملطخة يداه بدماء تركيا وسوريا والكرد هو آخر من سيحدثنا عن فن القتل”.
وأثيرت الأزمة الجديدة بنقل السفارة الأمريكية لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس تزامنا مع ذكرى تأسيس إسرائيل في الرابع عشر من مايو/ أيار قبل 70 عامًا وهو الإجراء الذي طرحته أمريكا لسنوات لكن لم يُنفذ إلا في الرابع عشر من مايو الجاري.
وأسفر اعتداء القوات الإسرائيلية على التظاهرات التي بدأت في قطاع عزة تنديدًا بهذا الإجراء عن استشهاد أكثر من 60 فلسطينيًا.
وأعلنت إدارة أردوغان، إبرز المحتجين على هذه الأحداث، أن السفير الإسرائيلي لديها يتان نائيه الذي شغل قبل نحو عام ونصف منصب سفير إسرائيل لدى أنقرة الذي ظل شاغرا لأكثر من 5 سنوات “شخص غير مرغوب فيه”.
وبعدها أعلنت أنه من الأفضل أن يعود القنصل الإسرائيلي لدى إسطنبول يوسف ليفي سفاري إلى بلاده لفترة من الوقت.
وبدورها ردت إسرائيل بالمثل وطالبت الدبلوماسيين الأتراك بالعودة إلى بلادهم، لكن الرأي العام التركي لم يغفل اللغة الكلاسيكية المستخدمة في المعركة بين أردوغان ونتنياهو على مواقع التواصل الاجتماعي وإعادة الدبلوماسيين إلى بلادهم لفترة من الوقت باستخدام لغة منمقة.
يبدو أن نقل ترامب سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس صبّ في مصلحة كل من أردوغان ونتنياهو ولو مؤقتًا إن صح التعبير، نظرا لأن الأحداث المستمرة ستجعل نتنياهو يتنفس الصعداء في الوضع الصعب الذي يمر به نتيجة للتظاهرات الاحتجاجية الداخليى القائمة ضده منذ أشهر، وفي الوقت نفسه ستمنح أردوغان فرصة تأجيج الحماس تجاه قضية فلسطين التي تعد أحد أكبر القضايا الحساسة للشعب التركي.
وقد وجد أردوغان الكثير من الأدوات لدعم موقفه في لانتخابات المبكرة التي ستعقد في الرابع والعشرين من يونيو/ حزيران القادم خلال مؤتمر كبير عقده يوم الجمعة من أجل فلسطين هو مؤتمر”القمة الإسلامية الطارئة”.
حسنا، لماذا لا يفعل نظام أردوغان ما يتوجب فعله كدولة بدلاً من الزجّ بمئات الآلاف إلى الطرقات ودفعهم إلى رفع شعارات وهتافات معادية لإسرائيل؟ هل سينظم شخص يتمتع بكل صلاحيات الدولة مظاهرة أم سيستخدم أسلحته الدبلوماسية؟
هناك الكثير من وسائل العقوبات العسكرية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية التي يمكن لتركيا استخدامها ضد إسرائيل.
ولعل أحد هذه الأدوات هي رحلات الخطوط الجوية التركية إلى تل أبيب، فالخطوط الجوية التركية التي تجري 9 رحلات يوميًا من مطاري أتاتورك وصبيحة إلى تل أبيب نقلت العام الماضي أكثر من مليون مسافر من وإلى إسرائيل.
ولعل الجدير بالذكر هنا أن نهاية العام الماضي تعاونت إدارة أردوغان مع الحكومة العراقية احتجاجًا على استفتاء استقلال كردستان، فعمدت إلى إغلاق المجال الجوي الكردي وإلغاء رحلات الطيران إلى أربيل وسليمانية، فلماذا لا يتكرر هذا الغجراء مع إسرائيل؟
لكن لعل رفض مقترح قطع العلاقات مع إسرائيل لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي في البرلمان التركي يوم الثلاثاء الماضي بأصوات نواب حزب أردوغان كافٍ لإظهار استغلال إدارة أردوغان لفلسطين في السياسة الداخلية مثلما يفعل كثير من الزعماء المسلمين الآخرين.
كما أن بيع النفط الكردي إلى إسرائيل عبر بعض السفن السرية بأسعار أقل من الأسواق الدولية في الفترة الممتدة حتى سيطرة الإدارة العراقية على كركوك يعكس أن أبعاد العلاقات بين إسرائيل ونظام أردوغان مختلف جدًا.
أضف إلى ذلك أن إسرائيل تستورد سنويا من تركيا بضائع بأكثر من 3.5 مليار دولار، حيث تتضمن هذه البضائع العديد من المنتجات بدءًا من وقود الطائرات وصولا إلى المنتجات الإستراتيجية.
من المحتمل أن تتلقى إسرائيل صفعة عنيفة في حال إيقاف تركيا صادراتها إليها.
يمكن القول هنا إن فلسطين سارعت هذه المرة بنجدة أردوغان الذي يستغل أزمات مختلفة قبل كل انتخابات. ويبدو أننا سنظل نشاهد أردوغان وهو يستغل القضية الفلسطينية بالخطابات الشعبية يردد يوميا في الميادين “يا نتنياهو!”.
لقراءة الخبر باللغة التركية اضغط على الرابط التالي: