(زمان التركية) تحدث تقرير نشره موقع (أحوال تركيا) عن ما سماه “النزعة العسكرية” التي تعيشها تركيا، بخوضها عملية “غصن الزيتون” في الشمال السوري التي بدأت بمعركة عفرين، بينما لا يزال الرئيس التركي يهدد بأخري في منبج وبتوسيع عمليته العسكرية لتصل حتي سنجار في العراق.
ويري كاتب التقرير، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يريد من وراء ذلك تقوية نفوذ وقوة “الاسلام السياسي” وإعادة انعاشه تركيّاً “بعدما فشل في العديد من الساحات وانصرف عنه جمهوره”.
وجاء في التقرير: لا يكاد يمر يوم من دون أن يحمل أخبارًا توحي بتوجّهات سياسية وعسكرية تركية لتوسيع مناطق للنفوذ في خارج تركيا تحت ذريعة تطهير المحيط الجغرافي لتركيا من تواجد التنظيمات الإرهابية وتأسيس حزام زمني لها.
يأتي ذلك بعد ان اجتاح الجيش التركي الشمال السوري محتلا منطقة عفرين وعينه على منبج وشرق الفرات وصولا الى الحدود العراقية وربما ابعد من ذلك باتجاه احتلال سنجار العراقية.
الرئيس التركي قالها أكثر من مرة أنه بالامكان وفي أي وقت القيام بعملية عسكرية في سنجار.
بالطبع تجري عملية التغطية علي كل ذلك تحت شعارات مكافحة الارهاب وملاحقة الجماعات المسلحة الارهابية، ذلك هو الخطاب الرسمي التركي.
فما الذي يريده أردوغان والى أين تسير تركيا وماذا عن الملاذ الآمن للإخوان المسلمين وما تبقى من الاسلام السياسي؟
واقعيا لا تجد من حولك ذلك الحماس لا الداخلي ولا الخارجي لمشاريع أردوغان التو،سعية، والرئيس لايريد من الجمهور الواسع سوى السمع والطاعة.
لاشك أن الوهم السلطوي يقود الى متاهات لاسيما مع التجبر والغباء السياسي ونعرة الانا وكلها تتكامل في حالات سياسية بعينها لا حلّ لها لانها نوع من الانحرافات التي لا سبيل لتصويبها.
في المقابل تبدو التراجيديا السائدة في تركيا اليوم كفيلة بتفكيك العديد من الثوابت، فعلى الصعيد المجتمعي صار الشعب الكردي او الاقلية الكردية تشعر يوما بعد يوم بالاغتراب وانها هدف لحملات تطهير تشبه الابادة والتدمير لمدن وحواضر مهمة.
ففوهات بنادق الجيش التركي ما زالت تبحث عن بوصلة ما بعد عفرين ولا تعرف الى أين سوف تتّجه في طور من أطوار الدولة التركية أكثر تماهيا مع العقلية العثمانية القائمة على الغلبة والتفوق وفرض الأمر الواقع.
يضاف الى ذلك أن البراغماتية السياسية التي يتبعها حزب العدالة والتنمية والرئيس اردوغان شخصيا صارت تجيّز كل هذه الحملات العسكرية من أجل الاستمرار في السلطة لاسيما وأن الانتخابات المقبلة على الابواب في العام 2019.
على صعيد آخر يريد الرئيس أردوغان من حملاته العسكرية أن تمنحه مزيدا من القوة في فرض أجندات الاسلام السياسي وفي طرح نفسه علي قمة الزعامة الاسلامية لكنه في نفس الوقت يواجه مزيدا من التحديّات.
ففي تقرير موسع نشره موقع DW الالماني يقول “إن هنالك عدة مؤشرات وجود رغبة لدى أردوغان بتقديم نفسه زعيماً إسلاميا في مواجهة إسرائيل وترامب، لكن عبئاً ثقيلاً يكبلّه، خاصة اتفاقيات التعاون بين أنقرة وتل أبيب، ونظرة الشكّ التي تواجهه بها الكثير من الأنظمة العربية”.
على صعيد آخر يؤكد كريستيان براكل، رئيس فرع مؤسسة هاينريش بول في تركيا، “أن أردوغان يقدم نفسه في بعض الأحيان كمنقذ للمسلمين الذين يعانون من الاضطهاد والإساءة، وهو ما يكون أكثر سهولة عندما يتعلّق الأمر بالقدس، كون هذا الموضوع يخصّ مدينة تحظى بمكانة خاصة في قلوب الكثير من المسلمين في بلد مثل تركيا، حيث تجري الانتخابات بشكل دوري، يبقى موضوع مثل انتقاد إسرائيل أداة جيدة لكسب أصوات الناخبين”.
ولعل تتبع آليات الاسلام السياسي في موازاة ذلك سوف تقودنا الى قراءة واقع تجمّعات الاسلام السياسي وكيف انفردت بجمهورها ونفذت اليه وكيف طرحت – وما تزال – شخصية أردوغان بوصفه “قائدا اسلاميا” يعني أكثر من غيره بشؤون المسلمين ابتداءا من القدس وفلسطين مرورا بالروهينغا في ماينمار وليس انتهاءا بكشمير المتنازع عليها ما بين الهند وباكستان.
في كل هذه الساحات كانت لحكومة العدالة والتنمية مواقف حماسية الهبت مشاعر مواطني تلك البقاع كما إنها منحت لمروجي الاسلام السياسي والكاريزما الاردوغانية فرصة لترويج اطروحاتها.
أما على صعيد الداخل التركي فأن الارث العلماني للدولة التركية كان وما يزال هو أحد اكبر المشكلات والتحديات التي تواجه مساقات الاسلام السياسي التي يسوّقها حزب العدالة والتنمية ويروّج لها اردوغان نفسه.
وللوصول الى الهدف المنشود كان لابد من دفن إرث أتاتورك نهائيا والتخلص من الأسس الراسخة التي أسس بموجبها الدولة التركية وهو ما لم يتمكن منه أردوغان وظل شبح اتاتورك يلاحقه كما انه يدرك جيدا ان ملايين الاتراك لا يمكن ان يتخلّوا يوما عن أهم رمز من رموز الدولة التركية الا وهو أتاتورك.
ويبدو أن أردوغان قد وجد ضالته في حل مقابل بديل وهو الترويج لنفسه قائدا موازيا ولربما أقوى من أتاتورك كما توحي به ممارساته في الاستفراد بالحكم وبالقوة العسكرية.
يتعكز أردوغان في كل ذلك الى إرث سابق في القفز على علمانية الدولة ومن ذلك مثلا تجربة زميله واستاذه الراحل نجم الدين اربكان الذي يعد من اشد الزعماء الاتراك معاداة للعلمانية والذي استطاع لاول مرة في تاريخ تركيا ان يوصل الاسلاميين الى الحكم.
استوعب أربكان تيارات المعارضة العلماينة بذكاء وبراغماتية سياسية واعية وكان قد دخل في ائتلاف حكومي مع حزب العدالة بقيادة سليمان دميريل، وبعدها مع حزب الشعب الجمهوري بقيادة بولند أجاويد، وبذلك وجد اردوغان نفسه ينحو المنحى نفسه في استيعاب تيارات المعارضة وحقق في ذلك انجازا مهما في احتواء حزب الحركة القومية التركي بزعامة دولة بهجلي الذي صار في سياساته ومواقفه الاخيرة متماهيا مع سياسات حزب العدالة والتنمية ومتوافقا تماما مع سياسات اردوغان ومنح نفسه صلاحيات واسعة بعد التعديلات الدستورية الاخيرة.
لا شك أن النزعة العسكرية التي تعيش تركيا فصولها اليوم يراد منها تقوية نفوذ وقوة الاسلام السياسي واعادة انعاشه تركيّاً هذه المرة بعدما فشل في العديد من الساحات وانصرف عنه جمهوره وصار عبئا على المجتمعات ولهذا يطرح اردوغان مشروع الملاذ التركي الآمن للاسلام السياسي والبديل الموضوعي للتجارب السابقة.
ومع أن تكلفة الحروب باهضة وكارثية ومع سيل الدماء من الضحايا في الحملات العسكرية التركية المتواصلة في داخل تركيا وخارجها، الا أن النزعة العسكرية تسير باتجاه براغماتي لا أحد يعرف نهاياته مصحوبا بخيال جامح يسيطر على عقل المفتونين بهذا النموذج وتاليا إعادة الروح وتجميع بقايا الإسلام السياسي وطرح أردوغان زعيما مطلقا له وهو ما لا يجد له أرضية واقعية في وسط كم التعقيدات والمشكلات والصراعات القائمة.