بقلم: اللواء دكتور شوقي صلاح *
القاهرة (زمان التركية) – تابع العالم خلال الشهر الماضي حدثين بارزين لأنشطة مخابراتية، الأول تعلق بإعلان بريطانيا أن رجلا يدعى سيرغي سكريبال ــ 66 عاماً، عقيد سابق في الاستخبارات العسكرية الروسية ــ قد تعرض وابنته يوليا (33 عاماً) في الرابع من مارس لجريمة شروع في قتل باستخدام غاز سام في مدينة سالزبري جنوب بريطانيا حيث يقيم، ومازالت حالته حرجة، وتعرض لغاز الأعصاب للمرة الأولى عند الباب الأمامي لمنزله، واتهمت بريطانيا روسيا بارتكاب الجرم المشار إليه دون تقديم أي دليل.. !!! واكتفت بريطانيا بالقول بأن غاز الأعصاب هذا ينتمي إلى مجموعة من المواد الكيميائية التي تعرف باسم “نوفيتشوك”، وأن روسيا سبق أن قامت بتطويرها، رغم أن بريطانيا ذاتها من الدول التي تحوز مثل هذا النوع من السموم. هذا ونفت روسيا علاقتها بالحادث، وأعلنت استعدادها للمشاركة في التحقيقات المتعلقة بالواقعة. ويحضرني في هذا الصدد سؤال: بعد قيام عناصر إرهابية مصرية بارتكاب حادثي تفجير كنيستي الإسكندرية وطنطا العام الماضي، باستخدام مفرقعات من نوعية ” C 4 ” وهي مادة لا تملك تصنيعها إلا الدول الكبرى وإسرائيل، فما هو رد الفعل الدولي حال قيام مصر باتهام إسرائيل بأنها وراء تمويل تلك العناصر الإرهابية، بدعوى أن تلك المادة المستخدمة في التفجير تملك إسرائيل تقنية تصنيعها.. بالطبع كنا سنُتَهَم بأننا نَهذو وأننا فقدنا صوابنا من الفشل..!
وأيدت بريطانيا في هذا الاتهام الولاياتُ المتحدة الأمريكية والغالبية العظمى من دول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى. والمدهش في هذا السياق أن بريطانيا والدول الداعمة لها طالبت روسيا بالاعتراف بارتكابها الفعل..! ثم أعلنت بريطانيا طرد 23 ديبلوماسياً روسياً، وزايدت عليها الولايات المتحدة الأمريكية بطرد 60 ديبلوماسيا وإغلاق القنصلية الروسية في سياتل، وطردت دول من الاتحاد الأوروبي ما يزيد على الثلاثين ديبلوماسياً، وسايرت دول أخرى هذا الاتجاه متضامنة مع بريطانيا، ثم ردت روسيا على هذه الإجراءات بإجراءات مماثلة.
كما تابعنا منذ أيام عملاً مخابراتياً آخر، حيث تم التواطؤ بين المخابرات التركية وقرينتها في كوسوفو، حيث سلمت الأخيرة دون عرض على القيادة السياسية للإقليم ستة من التربويين المنتمين لحركة فتح الله غولن إلى المخابرات التركية، وفوجئ بالأمر رئيس وزراء كوسوفو، لذا قام الأخير بعزل وزير الداخلية ورئيس جهاز الاستخبارات. والملفت في الأمر هو رد فعل الرئيس التركي على قرار رئيس وزراء كوسوفو، حيث عبر أردوغان عن أسفه لقرار الإقالة، ودعا الأقليات ذات الأصول التركية ـــ نسبتهم 1% تقريباً من عدد سكان كوسوفو ـــ إلى اتخاذ مواقف مناهضة لرئيس الوزراء.. بل وهدد أردوغان رئيس الوزراء بقوله “ستدفع ثمن إقالتك لوزير الداخلية ورئيس جهاز الاستخبارات !!!” ويمثل هذا تدخلاً سافراً في الشئون الداخلية لكوسوفو.. ومن منظور سياسي، ألا يدرك أردوغان أن موقفه العدائي المُعلن هذا سيترتب عليه بالطبع رد فعل مضاد تجاه تركيا من قبل شعب وسلطات كوسوفو؟ ولعل السؤال الذي يتبادر للذهن في هذا السياق: هل ستدفع أمريكا ودول أوروبا والعالم أيضاً الثمن، لوجود مريدين تابعين لحركة الخدمة فيما يقرب من 160 دولة على مستوى العالم ؟؟؟ !!!
سيد أردوغان كان حرياً بك أن تفخر بأن لتركيا نموذجًا تعليميًّا عالميًّا ينافس بقوة من خلال منهجية تربوية رائدة متمثلة في المدارس التابعة لحركة الخدمة.. فيا أيها الرئيس لقد خلقت من هذه الحركة عدواً ووصفتهم بـ”الانقلابيين”، رغم إدراكك حقيقة من هم وراء الانقلاب.. ولأسبابك حاولت إلصاق هذه التهمة بحركة الخدمة ليقينك أنها الأقوى سياسياً.. ومع كونها خصمًا شريفًا ووطنيًّا فأنت تخشى من منافسة سياسية لا تملك أنت وحزبك قدرة على حسمها لصالحكم مستقبلاً.. فوجدت في إلصاق تهمة الانقلاب بالحركة سبيلاً للخلاص منها.
* خبير التدريب الأمني ومكافحة الإرهاب، عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة