القاهرة (زمان التركية)ــ جدد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف الحديث عن قضية اللاجئين باعتبارها أزمة العصر، وأشارت وحدة الرصد باللغة التركية في مقال منشور على (بوابة الأزهر) إلى استغلال حكومات بعض الدول قضية اللاجئين بعيدا عن القيم وحقوق الإنسان من أجل تحقيق مكاسب سياسية، دون النظر إلى البعد الإنساني.
وجاء في المقال: لا ريبَ أنَّ قضيةَ اللاجئينَ هي من القضايا الشائكة، التي أخذت بتلابيبِ العالمِ وسيطرت على الأذهانِ وعلقَت بالأفكار،ِ حتى أضحت الشُّغلَ الشاغِلَ والهمَّ الثقيل الذي أرخى سدولَهُ على كلِّ ما هو جميل، فناءَ بحملِهِ الرأيُ العام. فمنذ عام 2011م وحتى الآن، يُنْظَرُ إلى هذه القضيةِ من منظورٍ سياسيٍّ، تتبوأُ فيه السياسةُ ولغةُ المصالحِ الجانبَ الأكبرَ، وتباينت ردودُ الأفعالِ تجاه اللاجئين بين مُرَحِّبٍ باستقبالهم، ورافضٍ لوجودهم في بلاده، ومتاجرٍ بقضيتهم في المحافل الدولية، ومستغِلٍّ يهدد بهم الدولَ الأخرى، وقد تناسى هؤلاء القيم وحقوق الإنسان من أجل تحقيق مكاسب سياسية زائلة، لا قيمة لها على الإطلاق أمام قيمة حق الإنسان في الحياة.
لقد أصبح استقبالُ اللاجئين يمثِّلُ مشكلةً ذات أبعاد مختلفة تعاني منها الكثير من دول العالم؛ حيث رفضت المجر نظام “الكوتة” الإجباري (توزيع اللاجئين) الذي أراد الاتحاد الأوروبي تطبيقه على دوله، وأكَّدَ رئيسُ الوزراء المجري “فيكتور أوربان” على أنَّ بلاده لا تريد أن تكون بلدًا للمهاجرين، وأنَّ الحكومة المجرية لن تغير سياستها مع المهاجرين،
حيث قال في هذا السياق: “لن نستقبل مهاجرين، ولن نجعل أحدًا يستوطنُ بلادنا”. وفي السويد انتحر اثنا عشر طفلًا أفغانيًّا خلال عام 2017م في أماكن مختلفة من البلاد، بسبب رفض السلطات السويدية الموافقة على طلبات لجوئهم، كما شَهِدَ شهر مارس الجاري حادثةً مفجعة ومشهدًا غير إنساني، لسيدة بوركينية فقدت حياتها متجمدة في البرد القارس، بإحدى شوارع مدينة “صافسجو” السويدية، ولم يلق هذا الحادث ما يستحقه من تسليط الضَّوْءِ عليه رُغْمَ فجاعته.
ووفقًا للصحف التركية فإنَّ السيدة البوركينية كان معها ابنها البالغ من العمر تسع سنوات، وابنتها البالغة من العمر ثمان سنوات، وقد تَمَّ إنقاذُهُما في اللحظات الأخيرة، وهما الآن يتلقيان العلاج في أحد المراكز العلاجية وكانت هذه السيدة قد أتت إلى السويد قبل ثلاثة أشهر، وتقدمت إلى السلطات بطلبِ لجوءٍ، لكن رُفِضَ طلبُها، وظلت تتخبط في الطرقات مع طفليها. و صَرَّحَت الشرطة الأوروبية “يوروبول” أنَّ 10 آلاف طفل لاجئ في دول الاتحاد الأوربي، قد فُقِدوا في الفترة من عام 2014م وحتى الآن، ولفت “اليوروبول” النظر إلى أنَّ هؤلاء الأطفال من الممكن أن يكونوا قد أُجبِروا علي الاستسلامِ، أو أنهم قد وقعوا في حوزة مافيا تجارة الأعضاء. وإذا كان هذا هو حال اللاجئيين خارج بلادهم فهناك أيضًا لاجئون يعيشون داخل بلادهم، مثل السوريين الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين في ريف مدينة “قنيطرة” السورية، تراودهم أحلامُ العودة إلى منازلهم مرةً أخرى، ولقد قضوا هذا الشتاء في خيام سيئة للغاية، كانت لا تقيهم شر البرد، وكانوا ينتظرون يد العون والمساعدة من المؤسسات الخيرية.
وقد نقلت وكالةُ أنباءِ الأناضول الظروف القاسية للحياة في مخيمات الكرامة، والبريقه، والأمل، على حدود الجولان السورية المحتلة، ويعيشُ في هذه المخيمات التي تقع على إحدى المرتفعات العالية؛ حيث كانت درجات الحرارة فيها تصل إلى سبع درجات في الشتاء، – ألف وخمسمائة عائلة أتوا من مناطق مختلفة من سوريا فرارًا من الحرب الدائرة هناك. يعيش هؤلاء في خيام بَلِيَت ولم تعد تتحمل البرد والمطر، ويعانون أزمات كثيرة، ويشتكون من تراخي المؤسسات الخيرية في تقديم المساعدات لهم، حيث يعاني أطفالهم من خطورة الإصابة بالأمراض الناتجة عن عدم وجود ملابس وأغطية كافية تقيهم شر البرد في ذلك الشتاء القارس.
أضِف إلى ذلك عدم وجود نقاط صحية في هذه المعسكرات، وتقول إحدى السيدات المقيمات في إحدى هذه المخيمات لوكالة الأناضول: “نعيش في خيام بالية لا تصلح لفصل الشتاء، عندما ينزل المطر تُملأُ الخيامُ بالمياه”، مضيفة أنهم لا يجدون المازوت ولا الحطب لإشعالِهما من أجل التدفئة؛ لذلك يقومون بإضرامِ النار في فروع الشجر، ويستخدمون بعض المواد الضارة بصحة الأطفال. فهذه هى حالة السوريين في بلادهم، وكأن اللجوء قد كُتِبَ على أهل هذا البلد سواء مَن يعيشون فيه، أو خارجه، فالجميع لاجئون مشتتون، والجميع ينتظر الإحسان من منظمات المجتمع المدني لحل مشاكلهم كي يتمتعوا بأقل نصيب من الإنسانية، وهو أن يكون له مأكل ومشرب ومكان للإيواء، فوجود إنسان لا يجد طعامًا ولا شرابًا ولا مأوى في عصر التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، وعصر حقوق الإنسان يمثل أكبر صفعة لضمير هذا العصر وإنسانيته. أما البحار والأنهار فكانت للأسف الشديد أكرم مَنْ استقبل اللاجئين دون تمييز بين كبير و صغير، أو بين رجل وامرأة، ففتحت لهم أبوابَها، واستقبلتهم بحماس أمواجِها،
فعلى سبيل المثال بحر “إيجه” أحد أفرعِ البحر المتوسط، أصبح الآن رمزًا للغرق والموت الذي لا يفرق بين كبار أو أطفال، بل استحق هذا البحر عن جدارة لقب “مقبرة اللاجئين”. ففي الخامس عشر من سبتمبر عام 2015، صَرَّحَتْ المفوضية العليا للّاجئين التابعة للأمم المتحدة، أنَّ عددَ الأشخاص الذين لقوا حتفَهم في البحر المتوسط في أثناء ذهابهم إلى أوروبا عبر طرق غير قانونية بلغ ألفين وثمانمائة، كان نصيب بحر “إيجه” منهم 1000 إنسان لقَوا مصرعَهم في مياهه أثناء نزوحهم إلى أوروبا. وفي تصريح للمتحدث باسم المفوضية العليا للاجئين، قال فيه: إنَّ عددَ اللاجئين الذين لقَوا حتفَهم في البحر المتوسط عام 2016 م، تجاوز ثلاثة آلاف وثمانمائة، كما شهد عام 2017 م في الفترة من يناير وحتى أكتوبر غرق 2776 لاجئًا. و ذكرت وكالةُ الأناضول للأنباء في الثاني من فبراير الماضي، إنَّ تسعين مهاجرًا لقَوا حتفَهم غرقًا قُبالة السواحل الليبية، وأضافت أنَّ عددَ اللاجئيين الذين فَقدوا حياتَهم هذا العام في البحر المتوسط، قد وصل إلى 246 لاجئًا.
ولقد رأينا ورأى العالمُ كلُّه بحرَ “إيجه” ، وهو يلقي على شاطئِهِ جثمانَ الطفل السوري (إيلان كردي) ذي الثلاث سنوات، والذي عُثِرَ عليه ميتًا على شاطئه، فصورة هذا الطفل غير بعيدة عن أذهاننا، ولقد أصابت بشاعتُها العالم العربي والإسلامي بالإحباط وخيبة الأمل، وجعلتهم يتساءلون عن القيم الإنسانية والأخلاقية، وأين مكانهما اليوم أمام هذه الصورة المؤسفة. وأمام هذه المشاهد المحزنة، والأرقام المثيرة للقلق، يرى مرصدُ الأزهرِ أنَّ قضيةَ اللاجئين ليست في اختيار تسمية صحيحة لهم، وليست قضية قانونية، أو مسألة سياسية تحتاج إلى توازنات دولية، بل هي في المقام الأول قضية إنسانية تحتاج لمقاييس ومعايير أخلاقية.
لذلك أكَّدَ المرصدُ مِرارًا وتكرارًا على ضرورة حلِّها في إطارِ البُعْدِ الإنساني، ويرى المرصدُ أنَّ بعضَ القضايا العالقة إذا تَمَّ حلُّها حلًّا عادلًا في الوقت الحالي سوف يُحَلُّ جزءٌ كبيرٌ من قضية اللاجئين، خاصة القضية السورية التي تسببت في هجرة ما يقرب من الخمسة ملايين سوري، وقضية الروهينجا التي تسببت في هجرة ما يقرب من المليون مسلم. من أجل ذلك يُناشِدُ المرصدُ جميعَ الدولِ الفاعلة في القضية السورية، ضرورة الضغط على جميع الأطراف لحلِّ القضية السورية في إطارٍ عادل يضمن عودة جميع اللاجئين إلى بلادهم، والمشاركة في إعادة إعمارها من جديد. كما يُطالب المرصدُ بعرض الاتفاقية، التي تَمَّ توقيعُها بين ميانمار وبنجلاديش، المتعلقة بعودة اللاجئين إلى “أراكان”، على الرأي العام الدولي؛ حتى يستطيع العالم معرفة ما تقدمه الاتفاقية للاجئين، خاصة أنَّ تدفق الأركانيين ما زال مستمرًّا على بنجلاديش حتى الآن وفقًا لتقارير أممية.