(زمان التركية)ــ تناول الكاتب حسين الشيخ في مقال له بموقع (العين الإخبارية)، تداعيات إعلان باريس دعم الأكراد في سوريا، وخصوصًا ردود الفعل “المبالغة” في تركيا على هذا الإعلان، ووضع الكاتب ثلاث أهداف تدفع فرنسا إلى دعم الأكراد في سوريا، أهمها القلق من انسحاب الولايات المتحدة من سوريا وتركها وحيدة على الساحة.
وجاء في المقال: لا شيء مستغرب عندما يتجه الأكراد نحو فرنسا باحثين عن ظهر لهم بعدما خذلهم الأمريكيون والروس كذلك.
الوفد الكردي الذي زار قصر الإليزيه والتقى بالرئيس إيمانويل ماكرون في نهاية مارس/ أذار 2018 حصل على تطمينات كبيرة بشأن مواصلة باريس دعم الأكراد في حربهم ضد التنظيمات المتطرفة، بل ووصل الأمر بالفرنسيين للحديث عن إرسال جنود يعملون إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية في المناطق التي تسيطر عليها من منبج إلى الرقة، وصولاً إلى الحسكة شمال شرق البلاد.
الدعم الفرنسي للكرد لم يكن لحظياً، بل منذ بدأ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة حربه على تنظيم داعش في 2014، كان الفرنسيون في مقدمة من أرسل خبراء عسكريين للمشاركة في العمليات العسكرية، خصوصاً تلك التي جرت في مدينة الرقة المركز الرئيس للتنظيم المتطرف في سوريا.
لم تكن فرنسا تخفي وجودها على الأرض السورية وإن بشكل غير مكثف، فالنقاط العسكرية التي كان الجنود الفرنسيون موجودين فيها معروفة وهي تلة ميشتانور، وبلدة صرين، ومصنع لافارج الفرنسي للإسمنت في ريف حلب، وبلدة عين عيسى في ريف الرقة ولعلها النقطة الأبرز للفرنسيين.
على الرغم من تأكيد الإليزيه بأنّه لا يعتزم تنفيذ عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا خارج إطار التحالف الدولي ضد داعش، إلّا أنّ ردة فعل أنقرة تجاه تصريحات المسؤولين الفرنسيين، والذين عبّروا غير مرة عن عدم رضاهم على عملية “غصن الزيتون” التركية تجاه مدينة عفرين، مبالغ فيها إلى درجة كبيرة، وإلّا كيف يُفسّر حديثُ نائب رئيس الحكومة التركي بكير بوزداغ بأنّ فرنسا ستكون هدفاً لتركيا إذما واصلت دعمها الأكراد.
في الواقع من غير المتوقع حدوث مواجهة عسكرية تركية فرنسية على الأرض السورية، وسيكتفي الجانب التركي بالتصعيد اللفظي كما هي عادته فحسب، فلا مصلحة لأنقرة بفتح جبهة مع فرنسا بعد خسارتها الحليف الأمريكي وعدم وضوح الاتفاق مع روسيا إنْ كان مرحلياً أو استراتيجياً، ناهيك عن العمليات العسكرية التركية على الأرض والتي لم تنته بعد.
في المقابل لا يمكن التكهن بنجاح العلاقة المستقبلية بين الأكراد وفرنسا من عدمه، خصوصاً وأنّهم “الكرد” العنصر الأسهل للتضحية به حال وصلت الأطراف المتصارعة إلى اتفاقيات بينها، وهذا ما حصل لهم مع حليفَيْهما الأمريكي والروسي عندما تمت التضحية بهم من أجل المصالح الشخصية لهاتين الدولتين، وعفرين نموذجاً.
إذاً إلى ماذا تطمح فرنسا من دعمها للأكراد، ولماذا اختارت هذا الوقت علماً بأنّ قوات سوريا الديمقراطية كانت على مرآى عينها طوال السنوات الخمس الماضية؟
ما كان الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون يُقدم على استقبال ممثلي الأكراد في الإليزيه لولا الحسابات الثلاثة التالية:
أولاً، تعمل فرنسا على عدم خلو الساحة السورية من قوات عاملة على الأرض لمحاربة التنظيمات المتطرفة التي اكتوت بنيرانها أكثر من مرة (راجع العمليات الإرهابية في فرنسا)، خصوصاً في ظل عدم وجود علاقات لها مع دمشق واستهداف أنقرة لقوات سوريا الديمقراطية يعني بالضرورة فراغاً لا يمكن أن يُملأ وهذا ما تحسب له فرنسا ألف حساب بعد قدرة الأكراد على طرد التنظيم المتطرف من الرقة ومنبج وغيرهما من المناطق السورية.
ثانياً، خشية باريس من الخطوة الأمريكية والتي أكدها الرئيس دونالد ترامب من أنّ الولايات المتحدة ستسحب جنودها من سوريا وتترك الساحة للآخرين، وهذا ما يضع فرنسا في الواجهة وهي الشريك الرئيس في التحالف الدولي الذي تشكل على أساس محاربة تنظيم داعش المتطرف، والذي تعمل فرنسا على عدم السماح له بتجميع فلوله سواء بسوريا أو العراق.
ثالثاً، الدور الفرنسي المنتظر بمسألة إعادة الإعمار في سوريا، فالكثير من الأخبار تمّ تداولها عن مواصلة باريس البحث عن حصتها مع الروس في هذه المسألة التي ستنعكس إيجابياً عليها، لا سيما في ظل الظروف التقشفية التي تتبعها الحكومة الفرنسية للوصول إلى استقرار ثاني أكبر اقتصاد في القارة الأوروبية.
وهذا ما يفسر بالمجمل اللهجة المخففة التي انتهجها المسؤولون الفرنسيون تجاه النظام السوري منذ تولي ماكرون السلطة قبل نحو عام ونصف العام.
العناصر الثلاثة السابقة هي من دفعت فرنسا لتحريك ملف وجودها العسكري في سوريا، وعليه ستكون طرفاً رئيساً في اقتسام النفوذ على الأرض السورية بعدما وصلت الأمور إلى خواتيمها بشأن إمكانية إيجاد حل سياسي ينهي الصراع الدائر منذ سبع سنوات ونيف.