القاهرة (زمان التركية)ــ قارن الكاتب الدكتور عبد الله دمرجي في مقاله بمجلة (حراء) الثقافية، بين مكانة الطفل في الحضارتين الإسلامية والأوروبية، مشيرًا إلى أن الحضارة الأوروبية، لم تكن تعرف حتى عهد قريب، حقوقًا للطفل.
وجاء في المقال بعنوان (حقوق الطفل بين العناية والإهمال): إذا ما تصفّحنا مصادر أوروبا التي تعود إلى العصور الوسطى، نلاحظ عدم وجود عبارات تتعلق بالطفل والطفولة، إذ كان الطفل في تلك الفترة، ينفصل عن أمّه في السن الخامسة أو السابعة، ليخوض غمار الحياة التي يخضع لها الكبار؛ وهذا -بطبيعة الحال- يؤدي إلى إدمان الطفل -منذ صغره- شرب الخمر، ولعب القمار، وممارسة العادات السيئة التي تفسد الأخلاق والسلوك معًا.
إن الطفل في حضارة أوروبا العصور الوسطى، لم يكن يحظى بالرعاية الخاصة التي يتمتع بها الطفل في الحضارة الإسلامية، الأمر الذي أدى إلى خلوّ اللغات الفرنسية والإنكليزية والألمانية من عبارات ومفاهيم تخصّ الطفل والطفولة. ولعل هذا هو السبب في قلة المؤلفات والكتب والمدوَّنات التي تتعلق بأدب الطفل وتربيته، التي وصلت إلى يومنا هذا.
ولكن مع عصر التنوير في أوروبا، بدأنا نرى عبارات ومفاهيم حول الطفل والطفولة تدور على ألسنة الشعب الأوروبي في تلك الآونة؛ حيث راح فلاسفة عصر التنوير، يدافعون بشدة عن ضرورة رعاية الأطفال وتربيتهم، والاهتمام بتعليمهم، وتوجيههم التوجيه الصحيح، ووضعهم في مكانة مختلفة عن الكبار. ومع حلول القرن الثامن عشر الميلادي، بدأت النخبة في المجتمع الأوروبي ثم الطبقة الوسطى، تعتني بتربية الأطفال وتعليمهم أكثر من ذي قبل. في حين ظلت أطفال الطبقات الدنيا في المجتمع الأوروبي في عصر التنوير، تُربّى على تقاليد وعادات مجتمعات العصور الوسطى دون أيّ خلل أو نقصان.
ومع حلول عام 1920 تم تأسيس منظمة التعاون الدولية لإغاثة الأطفال، وتم في عام 1921 تأسيس اتحاد التعاون الدولي لحماية الأطفال، وذلك لحماية وتلبية حوائج الأطفال الذين تأثروا كثيرًا من أهوال الحرب العالمية الأولى. وبعد عامين من الزمن (1923) تم إعلان اتفاقية حقوق الطفل (معاهدة جينيف). وقد تم في عام 1924 المصادقة على هذه الاتفاقية من قِبل منظمة الأمم (الأمم المتحدة). والجدير بالذكر أن تركيا كانت في مقدِّمة الدول المبادِرة إلى المصادقة على هذه المعاهدة.
وقد تم في عام 1959 الموافقة على اتفاقية حقوق الطفل من قِبل منظمة الأمم المتحدة التي أسستها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية. فضلاً عن أن هذه الاتفاقية تم تحديثها فيما بعدُ من قِبل لجنة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي عام 20 أكتوبر/تشرين الثاني 1989 تمت الموافقة على هذه الاتفاقية تحت عنوان اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل. وقد وقّعت تركيا على هذه الاتفاقية في 29-30 سبتمبر/أيلول 1990.
ومما لا بد من ذكره في هذا المقال، أن هناك ثلاث مراحل تتعلق بحقوق الطفل في المجتمعات التركية؛ حقوق الطفل قبل الإسلام، وحقوق الطفل بعد الإسلام، وحقوق الطفل في عهد الجمهورية التركية. حيث كان الطفل قبل الإسلام في المجتمعات التركية، يخضع للعيش داخل أسرة يحكمها الأب، أما في العهد الإسلامي فكانت حقوق الطفل مصانة بالشرائع والقوانين، وأما في العهد الجمهوري التركي فكانت القوانين التي تَحفظ حقوق الطفل مستوردة من الغرب.. فمن ثم يمكننا القول إن المراحل التي تمر بها تركيا اليوم بخصوص حقوق الطفل والاهتمام برعايته، هي ذات المراحل التي تمر بها أوروبا في أيامنا الحالية.
وفي الختام نقول إن حقوق الطفل ظهرت أول ما ظهرت مع الإسلام. بيد أن حقوق الطفل في الغرب، لم تظهر ولم تنم بشكل ملحوظ، إلا في العصرين الأخيرين فقط.
ولكن الانحطاط الأخلاقي ثم الاغتراب عن المبادئ الدينية والقيم الروحية لدى مجتمعاتنا الإسلامية، أدى -مع الأسف الشديد- إلى إهمال الطفل وعدم الاكتراث برعايته كما ينبغي.. ولعل هذا الانحطاط الأخلاقي هو العنصر الرئيس في عجز الدول أمام السيطرة على أبنائها وأجيالها التي ستبني لها المستقبل.