بقلم: محمد عبيد الله
برلين (زمان التركية) – لا تزال شرارة الأزمة التي أشعلتها المخابرات التركية في كوسوفو جنوب شرق أوروبا بعد إقدامها على اختطاف مواطنين أتراك ينتمون إلى حركة الخدمة مستمرة ومرشحة لأن تتوسع دائرتها إلى أبعاد دولية.
وتشهد كوسوفو المرشحة للحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي منذ يوم الخميس عملية جعلت سمعة تركيا تتدهور إلى الحضيض في سبيل إشباع أطماع رجل واحد انفصم عن الواقع تمامًا وأصبح حالة مرضية تحتاج إلى معالجة عاجلة.
المخابرات التركية التي أصبحت أشبه بـ”مافيا تقودها عائلة أردوغان”، وتستخدم كل إمكانياتها في سبيل اعتقال وملاحقة المواطنين في الداخل التركي وخارجه تحاول نقل المعلمين الأتراك من كوسوفو إلى تركيا، بالتعاون مع نظيرتها في كوسوفو بطريقة أشبه بالمافيوية. لماذا؟ ما التهمة الموجهة إليهم؟ هل ارتكبوا أي جريمة فعلية؟ هل سرقوا مثلاً أو قتلوا؟ ما ذنبهم؟ ليس هناك أي جواب لهذه الأسئلة. التهمة الوحيدة الموجهة إليهم هي المشاركة في محاولة الانقلاب الفاشلة، لكن هؤلاء المعلمين لم يكونوا في تركيا أثناء الانقلاب ولم يسافروا إليها بعد حدوث الانقلاب، كما صرحت زوجاتهم لوسائل الإعلام.
ومع أن أردوغان أعلن انتصاره في نشوة عارمة خلال مؤتمر صحفي عقده أمس الجمعة زاعمًا أن مخابراته نفذت عملية “ناجحة” في كوسوفو ونقلت “المنتمين إلى منظمة فتح الله كولن…” إلى أمن إسطنبول، إلا أن الأنباء الأخيرة وشهود عيان يقولون بأن المعلمين لا يزالون يحتجزون في أحد أقسام مطار كوسوفو الدولي وتبحث المخابرات عن طرق لإرسالهم إلى تركيا.
كوسوفو تعترف بفشلها
لكن الغريب أن رئيس كوسوفو ورئيس وزراءها ووزير خارجيتها يؤكدون أن محاولة ترحيل المواطنين الأتراك من بلادهم إلى تركيا عملية غير قانونية وجرت دون علمهم، وأعلنوا أنهم سيتابعون القضية عن كثب وسيستخدمون كل صلاحياتهم الدستورية والقانونية على الصعيد المحلي والدولي في هذا الصدد.
انظروا ماذا يقول رئيس كوسوف هاشم ثاتشي: “إن كوسوفو بلد يحترم حقوق الإنسان للجميع، لكن بلادي فشلت اليوم في الحفاظ على حقوق مواطنيها الأجانب للأسف. إني أرى أنه يجب عدم ترحيل أي شخص من بلادنا بسبب آراءه وأفكاره المختلفة”. في حين يعلن رئيس وزراء كوسوفو راموش هاراديناج أن وزير داخليته ورئيس مخابراته لم يبلغاه بمثل هذه العملية وإلغاءَهما رخصة الإقامة الشرعية للمعلمين، ومن ثم يبادر إلى إقالتهما من منصبهما، بالإضافة إلى إقالة عناصر المخابرات والشرطة الذين تورطوا في العملية التعسفية.
وليس هذا فحسب، فسفراء خمس دول غربية، وهم سفراء الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا، التي تقدم دعمًا لكوسوفو من أجل تطوير ديمقراطيتها، بعثوا أمس الجمعة رسالة إلى كل من رئيس جمهورية ورئيس وزراء كوسوفو مستفسرين “ماذا يحدث في كوسوفو؟”، وطالبوهما بتزويدهم بالتطورات الأخيرة للحدث. ومن جانب آخر، أفادت مصادر مطلعة أن ألمانيا اتخذت قراراً بمناقشة الحدث في دورة الجمعية الاتحادية التي ستعقد بعد عطلة “عيد الفصح”.
الإعلام الدولى مهتم
نقلت كبرى الصحف والقنوات العالمية، بما فيها صحيفة نيويورك تايمز وواشنطن بوست وبي بي سي ووكالة رويترز، وعشرات المواقع العربية، الحدث وتطوراته لمتابعيها على أن نظام أردوغان يحاول اختطاف مجموعة من المعلمين إلى تركيا لحبسهم لمجرد انتماءهم إلى إحدى منظمات المجتمع المدني ولم تسجل عليهم أي جريمة مادية. حتى إن القنوات اليونانية قالت إن أردوغان يسعى إلى إحداث الاضطراب والفوضى في منطقة البلقان بطرق مافيوية.
تصوروا أن نظام أردوغان ينفذ عملية في كوسوفو مع المجموعة المحلية التي اتفق معها، دون علم وإذن من رئيس الدولة ورئيس وزراء البلاد والسلطات المعنية! أليس ذلك يعني أن أردوغان يجعل تركيا دولة مارقة لا تلتزم حتى بالقوانين الدولية؟
نهم أردوغان في الظلم يتجاوز حدود تركيا ليصل إلى كل مناطق العالم التي يوجد بها أبناء حركة الخدمة. لو كانت هذه الحركة خرجت من بطن دولة أخرى لقدمت لها جوائز كبرى لما حققتها من نجاحات في المجالات التعليمية والأنشطة الخيرية الإغاثية في 170 دولة بالعالم، إلا أن أردوغان لا يتبع أي قانون سماوي أو أرضي في حربه الشعواء التي أعلنها عليهم، فيعتقل ويفصل ويعذب عشرات الآلاف من المواطنين “المدنيين” بدعوى مشاركتهم في الانقلاب العسكري الفاشل، بل يقتل أحيانًا زاعمًا أنهم انتحروا.
الواقع أن أردوغان بعد تورطه في فضائح الفساد والرشوة، وتعاونِه مع الإرهابيين، وممارستِه كل أشكال الظلم والانتهاكات، سلك طريقاً بدراجة هوائية يقودها على خطٍّ ضيّقٍ جداً ومحفوفٍ بالمخاطر من جانبيه، لذلك يشعر بضرورة الضغط على دواستها بصورة مستمرة ومتزايدة حتى لا تتوقفَ عجلتها فيَقَع ويهلكَ.
أرجنكون ينتقم!
ومن اللافت أن الطبيب المعتقل ضمن المواطنين الأتراك المحتجزين لدى المخابرات التركية أو نظيرتها في كوسوفو، طبيب خبير في مجاله يدعى “عثمان كاراكايا”. لكن الأنباء تشير إلى أن الخاطفين فصلوه من فريق المعلمين وذهبوا به إلى مكان مجهول. وإذ كنت أبحث عن سبب لهذا التصرف فإذا بي أكشف أن جريدة آيدينليك التابعة لمجموعة دوغو برينتشاك، زعيم حزب الوطن وأحد قياديي تنظيم أرجنكون / الدولة العميقة في تركيا تنشر خبراً عن المعلمين الأتراك والطبيب. ويؤكد الخبر أن الطبيب كاراكايا من مجموعة الأطباء الذين كانوا يعدون تقارير طبية عن صحة بعض المتهمين في إطار قضية أرجنكون الذين زعموا عدم صلاحيتهم للسجن من الناحية الصحية، ويأتي على رأس هؤلاء المتهمين “محمد خبرال”، عميد مستشفى جامعة “باشكنت” في العاصمة أنقرة، على حد قول الجريدة.
وكان يرد بين الاتهامات الموجهة إلى محمد خبرال في إطار قضية أرجنكون، منعه معالجة رئيس الوزراء الأسبق بولنت أجاويد، ومحاولة قتله عن طريق الأدوية التي بقدمها له، عندما تلقى علاجًا في هذا المستشفى. وهذا ما أكده رئيس حرس أجاويد الشخصي “رجائي بيرجون” الذي أصبح عضوًا برلمانيًّا فيما بعد. فقد قال عندما أدلى بإفادته كشاهدٍ في إطار قضية أرجنكون في 21 مايو/أيار 2012: “وإذا نظرنا إلى الأحداث التي عاشتها تركيا في تلك الفترة من تقسيم حزب أجاويد إلى قسمين وغير ذلك، بالاستفادة من مرضه، فإن ما تعرض له أجاويد كان شبيهًا بانقلاب 1997 الناعم”. وأضاف: “لقد مكث أجاويد في المستشفى (مستشفى جامعة باشكنت المذكور) عشرة أيام. وأكد مسؤولو المستشفى ضرورة بقاءه تحت الرقابة في المستشفى لمدة 8 أشهر، وإلا قد يؤدي مرضه إلى شلل كلي أو الموت. غير أننا قررنا نقل أجاويد إلى منزله رغم كل شيء، فبدأت عندها تتحسن حالته الصحية. إن هذا الكيان (أرجنكون) كان يريد الحصول على تقرير من إدارة مستشفى يفيد بعدم صلاحية أجاويد لرئاسة الوزراء في ظل ظروفه الصحية لإسقاط حكومته”.
وهذه المعلومة تكشف من الذي يحاول الانتقام من الناس الأبرياء عن طريق توظيف أردوغان الأسير لأطماعه وملفاته الثقيلة.
كل ما نتمناه أن تواصل منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني والصحف العالمية ضغوطها على السلطات في كوسوفو وتقدم الدعم والعون لها حتى تنجح في إفشال عملية اختطاف المعلمين الأتراك الأبرياء إلى تركيا ومنع إلقاءهم في غياهب سجون هذا الرجل المجنون.