بقلم: محمد النور خالد، إمام وخطيب مسجد
نيجريا (زمان التركية) – دار الزمان بالإسلام وأهله، وجعل هذا الدوران المسلمين أمام الغرور وأصحابه، فلا يدرون ما الفرق بين التطور والتديّن وأصالته، إلى أن قام بعض من لا معرفة لهم بالدين وهدفه، وثانيهم اغتر بالملك وقوته، يدعون المسلمين بتحديث الدين وترك معلوماته.
ممّا جاء من تلكم العجب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن ضرورة تحديث الدين الإسلامي.
ومن المعلوم بدهيا أن هذا الأمر من الأشياء التي تثير جدلاً واسعًا في تركيا خاصة وفي العالم أجمع!
وقد دعاني بعض الإخوة – رعاه الله برعايته – أن أكتب شيئاً عن الموضوع إضافة على أقوال العلماء المتخصصين، فنقلت ما نشرته جربدة زمان (التركية)، وعلقت على ذالك شيئا يسيرا يوضح موقف الإسلام والمسلمين خصوصًا المتخصصين منهم.
أصل كلامه كما نشرته الزمان هو : ”لا يمكن اليوم تطبيق أحكام الإسلام التي وضعت قبل 15 قرنًا من الزمان” تصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال كلمته بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة 8 مارس/ أذار أثار جدلاً واسعًا في وسائل الإعلام والصحف التركية والعربية والعالمية.
واستمرت الجريدة قائلة: “تعرض أردوغان بسبب هذه التصريحات لانتقادات عنيفة سواء من قبل العالم السياسي أو الجناح الإسلامي، فقد أكد رئيس تكتل نواب حزب الشعب الجمهوري “العلماني” ونائب رئيس الحزب “أنجين آتاي” اعتراضه على التصريحات، مطالبًا أردوغان بضرورة تعديل ما قاله، نظرًا لأن: “تعبير ’تحديث الإسلام‘ يثير جدلاً واسع النطاق. فالتحقيق في صحة الآيات ليس من شأن العباد”.
هذا الذي قاله أنجين آتاي هو الحق الذي لا مرية فيه ولا جدال؛ إذ من متطلبات الإيمان الحذر من الأقوال المثيرة للجدل. فقد قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “من كان يؤمن بالله، واليوم الآخر فليقل خيرا أوليصمت”. ومن الظاهر من مقالات أردوغان ليس هنالك أدنى خير يعود على الإسلام والمسلمين، بل ولا على القائل نفسه، اللهم إلا غضب الله ومعارضة المؤمنين.
أجل لقد وقع المنفر الذي يخاف منه حيث قالت تلكم الجريدة: “واعتبر عديد من الكتاب الإسلاميين تصريحات أردوغان محاولة لتفسير الإسلام وفق تصوراته وتصرفاته “الفاسدة” ليتوافق الإسلام معها بدلاً من السعي لتصحيح تصوراته وتصرفاته في ضوء الكتاب والسنة، إذ قال الكاتب الصحفي جعفر كيكليكتشي من صحيفة “ملي غازيته” التابعة لحركة “ملي جوروش” (الرؤية الوطنية) التي قادها نجم الدين أربكان الراحل في مقاله بأسلوب ساخر: “نعم، يجب التحديث في الدين حتى يزيد عدد الظالمين!”.
لا يقول أحد إن هذه العبارة تعتبر تعنفا بل إنما هي جزاء وفاق لمن لم يراع حق الدين والرعية ولا يخاف خالق الرعية.
وأضاف الكاتب: “يجب إجراء التحديث في الدين (!)، بدلًا من اتباع أحكام الدين التي لا تتغير! يجب إجراء التحديث (!) حتى يتغير حكم الفائدة والربى من الحرام إلى الحلال! لا بد من إجراء التحديث في الدين حتى يتمكن الجميع من قضاء احتياجاتهم من البنوك بالفائدة والربى! وليلقِ الأئمة على منابر المساجد خطبًا وليقرروا أنه لا يمكن الحياة من غير الربى والفوائد البنكية! يجب إجراء التحديث في الدين عاجلا (!)”.
هنا يجب السؤال، أليس هذا من الافتراء على الله الذي نهى القرآن عنه؟ (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ)
[سورة النحل 116]
قد يقول قائل: أين المتخصصون الإسلاميون، وما رأيهم في الأمر؟ فأقول، إجابة عن ذلك، قد ساعدت كل من يريد البيان عن ذلك جريدة الزمان، أبقى الله زمانها، حيث قالت: “أمَّا رئيس الجامعة الإسلامية في روتيردام، البروفيسور أحمد أقجوندوز، الذي كان استضافه أردوغان في القصر الرئاسي قبل 3 أيام، فتناول الموضوع من زاوية الاختصاص، مؤكدًا أن أردوغان ليس متخصصًا ومأذونًا في التكلم في قضايا ليست من شأنه ولا من اختصاصه، داعيًا إياه إلى ممارسة السياسة وترك القضايا الدينية إلى أهل العلم والذكر”.
نعم، هذا هو الحق إذ أمرنا الله بالرجوع إلى المتخصصين قائلا: “(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [سورة النحل 43]”
هذه الآية دليل على أن من لم يكن من أهل الاختصاص في الشرع من فقيه ومجتهد لا يكون في الفتوى إلا دخيلا كما عبر أقجوندوز المعروف بمؤلفاته حول تاريخ الدولة العثمانية عن اعتراضه على تصريحات أردوغان من خلال منشورات نشرها عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي قائلًا: “رئيسي المحترم! من فضلك لا تتجاوز حدودك بتقديم رأيك في المسائل الشرعية! لأنك لست مجتهدا أو فقيها!”.
ولو كان مجتهذا لاهتدى لمعرفة أن الله قد أكمل الدين وأتمه حيث لا حاجة له إلى إضافة مضيف أو زيادة أحد، قال تعالى: “(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [سورة المائدة 3]”
وواصل أقجوندوز حديثه قائلاً: “رئيسي المحترم! أنا أحبك في الله، وأعلنك مجددًا سياسيًا للقرن الحادي والعشرين؛ ولكنك لست مجددًا دينيًّا أو فقيهًا؛ فالتعبير عن رأيك في المواضيع التي ليست من مجال اختصاصك والمواضيع الشرعية، من شأنه أن يدفعك إلى كارثة. أنا أبدي رأيي في تصريحاتك، وأنا أعمل بمبدأ حسن الظن. من فضلك استمع إلى بعض النقاط من أخيك الذي يحبك في الله”.
ذلك لأن الدين النصيحة كما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والدافع الذي استنفر أردغان إلى هذا القول العجيب المفزع لا يتجاوز حد السياسة.
لذا لفت مراقبون إلى أن أردوغان بدأ يعتمد على الخطاب الإسلامي كثيرًا، ويستدل بالآيات والأحاديث في الآونة الأخيرة، في مسعىً منه إلى زيادة أصواته من الأطراف الإسلامية أو منع ذوبان رصيده لديها على أقل تقدير.
وفي هذا السياق لفت الكاتب الصحفي ورئيس تحرير موقع “خبردار” الإخباري التركي سعيد صفا إلى تزامن هذا التوجه لأردوغان وتصريحاته المذكورة مع فشل جهوده الرامية إلى الاتفاق مع حزب السعادة ذي التوجه الإسلامي الذي يعد امتدادًا لحزب الرفاه الذي أسسه نجم الدين أربكان الموصوف إعلاميًّا بـ”أبو الإسلام السياسي في تركيا”.
وأشار صفا إلى إمكانية توجه عدد كبير من المحافظين والمتدينين إلى حزب السعادة في الانتخابات الرئاسية المقبلة بدلاً من حزب العدالة والتنمية الحاكم، خاصة إذا ما تحققت الادعاءات الواردة حول محادثات مجموعة من المؤسسين القدماء لحزب العدالة والتنمية مع حزب السعادة، وعلى رأسها الرئيس السابق عبد الله جول ونائب رئيس الوزراء بولنت أرينتش ووزير التربية والتعليم السابق حسين تشاليك. وعقّب صفا على هذا الواقع قائلاً: “هذا الأمر يدفع أردوغان إلى زيادة خطاباته الإسلامية واستشهاداته بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية”.
من المعروف لدى كل من له أدنى معرفة بالتاريخ أن من سنة الله في كل من تجرأ على دينه أن يهلكه قبل البلوغ إلى مناه (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا) [سورة مريم 74]
قال كاظم كولتشيوز، رئيس تحرير صحيفة “يني آسيا” ذات التوجه الإسلامي في معرض تناوله لتصريحات أردوغان: “يقول أردوغان “قائد الأمة”: “لا يمكنكم تطبيق أحكام الإسلام التي وضعت قبل 14-15 قرنًا من الزمن؛ بل إنها تحتاج إلى التحديث”. كان الإسلاميون أثاروا ضجة كبيرة في عهود الحزب الواحد المعادي للإسلام في خمسينات القرن الماضي بعد أن قال أحد الزعماء “إن أحكام الإسلام هي “قوانين بدوية” لا تصلح لعصرنا، أما الآن فلا تسمع لهم همسًا إزاء الكلام نفسه!”.
جدير الذكر أن الروائي والكاتب الصحفي الشهير أحمد ألطان المعتقل منذ سنتين بتهمة المشاركة في الانقلاب الفاشل قال في دفاعه عن نفسه للمحكمة: “إن كل حزب فاشل يلجأ في نهاية المطاف إما إلى الخطاب القومي أو الخطاب الإسلامي لمنع ذوبان رصيده لدى الشعب”.
ليس هناك عجب في تقلبات اردغان السياسية التي يبديها بشكل ديني إسلامي
فمن اللافت أن أردوغان رفع اليوم أمام الحشود التي استقبلته في مدينة مرسين جنوب تركيا علامة “الذئب الرمادي”، وهو رمز خاص للقوميين وحزب الحركة القومية في تركيا الذي اتخذ قرارًا بالتحالف مع حزب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2019، وذلك لاستمالة قلوب القوميين، رغم أن أردوغان معروف بتصريحاته العنيفة حول مجموعة الذئب الرمادي حيث سبق أن وصفهم بـ”القوميين العصبيين المتطرفين”، وهذا يعود -بحسب مراقبين- إلى أنه فشل في التوصل إلى الاتفاق مع حزب السعادة ذي التوجه الإسلامي فحوّل وجهه تمامًا إلى القوميين.
كل هذا لا يكون إلا لدعم وتقوية خارجية، ألا ترى أن تصريحات أردوغان لقيت صدىً واسعًا بين رواد الإعلام الاجتماعي أيضًا، إذ نشر عديد منهم مقطع فيديو ينقل فيه زعيم حزب الوسط التركي الدكتور “عبد الرحمن كارسلي” خلال برنامج أذيع على قناة تركية عن الكاتب الصحفي “الإسلامي” المعروف “عبد الرحمن ديليباك” قوله في جلسة مع مجموعة من زملائه، بينهم الأستاذ علي بولاج المعروف بباعه الطويل في دراسات الإسلام السياسي: “القوى الكبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل لاحظت في تسعينات القرن الماضي أن الإسلام السياسي هو التيار الصاعد في تركيا، فطورت مشروعًا طرحته على عديد من الزعماء المنحدرين من التيار الإسلامي، بينهم زعيم حزب الرفاه نجم الدين أربكان وزعيم حزب الاتحاد الكبير محسن يازيجي أوغلو ورجب طيب أردوغان، وأعلنت استعدادها للتعامل مع أي زعيم يقبل هذا المشروع، ووعدت بحمله إلى السلطة وإزالة العراقيل التي من الممكن أن تقف أمامه، وذلك مقابل ثلاثة مطالب وهي: 1) أمن إسرائيل، 2) إعادة رسم حدود دول المنطقة، 3) إعادة تفسير الإسلام”. إلا أن الأولين رفضا ذلك وقبله أردوغان”.
يمكن أن نذكر أردغان في هذه المناسبة قول الله تعالى: “(أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ * كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ)
[سورة المرسلات 16 – 18]”
وكان ديليباك نفسه أكد صحة القول المنقول عنه في اتصال هاتفي جرى بينه وبين الكاتب الصحفي المعروف “أونال تانيك”، رئيس تحرير موقع “روتا خبر” الإخباري عقب تناوله هذه التصريحات في مقال له.
جدير بالذكر أن حزب أربكان تمّ تفتيته من خلال تأسيس حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان وزملاءه المنشقين من حزب الرفاه، كما أن يازجي أوغلو لقي مصرعه في حادث طائرة خاصة بحزبه أثناء الحملة الانتخابية للانتخابات المحلية في 2009، وهناك أدلة ووثائق قوية تثبت أن هذا الحادث كان مدبراً لقتله.
وكان الكاتب الإسلامي “محمد علي بولوط”كتب أن يازجي أوغلو قال لأردوغان: “يا أخي أردوغان! تعلمتُ مع مرور الوقت، ومن الأحداث التي عشتها، أنّه لا يمكن مزاولة سياسية مدعومة من قبل الأمريكيين والقوى الكبرى. إذا كنت ستزاول السياسة مستنداً إلى الشعب فأنا معك، وإلا فالأمريكيون لا يفعلون شيئا إلا لخدمة أنفسهم”. وعندما رد السيد أردوغان عليه قائلاً: “ننفّذ مطالب أمريكا لفترة معينة، ثمّ نستقل عنها ونقوم بخدمة شعبنا. وإذا ما حاولوا منعنا من ذلك ندفعهم بعيداً عنا ونمضي في طريقنا”. بينما ردّ يازجي أوغلو على أردوغان بقوله: “إن أمريكا ليست تلك القوّة التي يمكن دفعها والإفلات منها بهذه السهولة. ولا تنسَ أن مَن يدخل الحلبة مع الفيل يخرج منها مسحوقا”. ورفض عرضه بلطف”.
ونحن نؤمن بأن الملك بيد الله والعزة له.
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سورة آل عمران 26]
وقد أعاد آلاف من رواد الإعلام الاجتماعي هذا الفيديو معلقين عليه قائلين: “يبدو أن المهمتين الأوليين، أي أمن إسرائيل وإعادة ترسيم حدود دول المنطقة، نفذهما أردوغان بنجاح، واليوم جاء الدور على أداء مهمة “إعادة تفسير الإسلام” وفق أهواء تلك القوى الكبرى، حيث بدأ يتحدث عن ضرورة تحديث أحكام الإسلام”، على حد قولهم.
يمكننا أن نختم هذه المقالة بتذكير كل من له هذا الرأي بأن العز لله كما قال تعالى: “(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ) [سورة فاطر 10]” وقال تعالى: “(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [سورة المنافقون 8]”
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وآل وصحبه سلم تسليمًا كثيرًا