بقلم: د. علي محمد الأحمر، الأستاذ المشارك، عميد كلية الآداب سابقًا بجامعة القلم كاتسينا، نيجيريا
نيجيريا (زمان التركية) – الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد!
يتفاجأ العالم الإسلامي بل ينفجع بتصريحات الرئيس التركي طيب رجب أردوغان التي تطاول فيها على مسلمات الدين الإسلامي _ نصا وأحكاما وثوابت- وأن الواقف على معطيات الفكر والمفكرين الإسلاميين يجد أن هذا التصريح ليس بدعا من الأمر، ولكن يمثل أكثر جرأة في تاريخ الفكر الإسلامي المعاصر، ذلك لأن الذين نادوا بالتحديث على مر العصور المتلاحقة لم يأتوا للإسلام والمسلمين إلا بالويلات، فمنذ أن بعث السلطان علي باشا بمجموعة من طلبة العلم إلى فرنسا وجعل عليهم رفاعة الطهطاوي ليكون لهم إماما رجع هذا الأخير ليرفع شعار التحديث، التحديث الذي لم يجلب شيئا سوى الانسلاخ من الدين وقيمه ومبادئه، فقال بإلغاء الحجاب والاختلاط وإقامة البارات واليالي الحمراء، وتلاه قاسم أمين ليرفع شعار تحرير المرأة مما أسماه “القيود الإسلامية” الملزمة بها، وكتب سلسته العجيبة المتمثلة في ثلاثة كتب هي: فجر الإسلام، وضحى الإسلام، وظهر الإسلام، هذه هي الويلات التي جرّنا عليها دعاة التجديد، ولم يستطيعوا أن يقدموا بديلا واحدا لنفع الأمة، فغاية ما يطمحون إليه هو أنهم يسلخون أمتهم من مبادئها وقيمها ليزجوا بهم في متاهات القطيعة الدينية، أو بالأحرى إلى مغبة انفصام الذات، فلا يقدر أن يميز المسلم موقعه من الدين، هل هو مسلم أو متأسلم، محافظ أو متسيب من الدين، متمسك بالدين أو علماني، مؤمن أو ملحد؟
أما عند العودة إلى أردغان فإننا نجده قد تجاوز كل الأطاريح التي تقدمته عن تحديث الإسلام، أو ما يسمى بالإسلام الحداثي، فإنه دعا بشكل صريح إلى أن الشعائر الدينية التي صلحت لما قبل أربعة عشر قرن من الزمان لا تصلح بحال لهذا القرن بكل ما يشهده من تعقيدات على مستوى الأصعدة الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية والتكنولوجية. إن هذه النظرة بقدر ما تدل على جهل عميق بالدين ومضامينه ومرونته، فإنها يدل كذلك على استخفاف بالدين ونصوصه وتاريخه وحاضره ومستقبله، ثم إنه ينزل به إلى مستنقع إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فيخرجه منه بالكلية، ولذلك لم يستطع أن يتحمل هذا التصريح حتى أشد الناس له حبا ولسيرته، وتبرأوا من تلك التصريحات المجحفة في حق الدين والمستخفة بعقول المسلمين، وإننا نضم صوتنا من نيجيريا إلى تلك الأصوات الحرة الداحضة لهذه الدعوى الباطلة الحقيرة والتي ردت عليه في عقر داره، مثمنين في الوقت نفسه تلك الحناجر التي بدأت تنفتض وتنشد التحرر والانعتاق من ربقة الظلم والاضطهاد التي مارسها أردوغان وأشياعه على شعب تركيا الأبي الصامد، وعلى حركة الخدمة التي أضاء شعاعها الخافقين حتى يرتدع هذا الجبروت الغاشم، وليعلم أن يد العدل ستطاله إن عاجلا أو آجلا، وأن سهام الليل لن تخطئ أبدا، فليبك على نفسه لأن الله تعالى يمهل ولا يهمل الظالم أبدا، وأن نصره للمظلومين آت ولو بعد حين، وهذا يقين منا وليس تمنيا. ثم إن الشعوب الحرة في العالم أدركت كل التخطيطات التي يحيكها هو وأذياله ضد هذه الحركة التي لا يزيدها هذا التضييق إلا إصرارا وتشبثا بالنهج القويم الذي ارتضته سبيلا قويما للفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار.