بقلم: ياوز أجار
برلين (زمان التركية) – رأينا في مقالنا السابق كيف أن عناصر جناح أرجنكون القومي التركي استطاعوا الهروب من قبضة العدل رغم ارتكابهم أحد أكبر عمليات الاغتيال صدمةً طيلة العهد الجمهوري في وضح النهار. فمع أن المجرمين الذين قتلوا الكاتب الصحفي أرمني الأصل “هرانت دينك” كانوا معروفين بأسماءهم وهوياتهم، وأن السلطات تعهدت على نفسها بالاستمرار في التحقيقات مهما توسعت، إلا أن أيدي أرجنكون الطويلة عرقلت مرة أخرى تكلّل جهود جهاز القضاء الرامية إلى الكشف عن أبعاد هذا التنظيم بالنجاح.
من حسن الحظ أن عمليات الاغتيال التي كان يرتكبها أرجنكون الذي أحاط تركيا كالأخطبوط بأذرعه المختلفة لم تعد تبقى مجهولة الفاعل، خاصة بعد حادثة “سوسورلوك” المرورية التي ظهرت فيها للعيان لأول مرة العلاقاتُ القذرة بين ثلاثية “الدولة” و”السياسة” و”المافيا”. لكن التحقيقات كانت تقتصر في أغلب الأحيان على الوسطاء المنفذين فقط ولا تشتمل على المخططين والمحرضين الحقيقيين، في ظل غياب إرادة سياسية صارمة ووسائل إعلام جريئة تقوم بعملية الرقابة على أداء السلطات الثلاث وتضطلع بدورها في نقل البلاد إلى حقبة ديمقراطية حقيقية.
“نقطة” تكشف المستور
لا بد أن يفتح التاريخ صفحة خاصة لمجلة “نقطة” الإخبارية الأسبوعية المعروفة بتوجهاتها الليبرالية لشجاعتها غير المسبوقة في تاريخ الصحافة التركية. إذ نشرت المجلة في 29 مارس/ أذار 2007 مذكرات قائد القوات البحرية الجنرال “أوزدين أورنيك” تكشف الغطاء عن تجهيز مجموعة من الضباط والجنرالات العسكريين أربع خطط انقلابية ضد حكومة أردوغان بين عامي 2003 و2004. إلا أن المخططين لهذه الانقلابات الأربعة التي حملت أسماء “ساري كيز” (الفتاة الشقراء)، و”آي إيشيغي” (ضوء القمر) و”ياكوموز” (بريق البحر) و”ألديفين” (القفاز) لم يستطيعوا نقلها إلى ساحة الفعل بسبب معارضة رئيس هيئة الأركان العامة آنذاك الجنرال “حلمي أوزكوك”.
وكانت تلك المخططات الانقلابية تعبر عن انزعاج الجنرالات من سياسات حكومة أردوغان، وتتحدث عن ضرورة إعادة تشكيل تركيا بكل كياناتها ومؤسساتها مجددًا، بدءًا من القوات المسلحة والبرلمان والبيروقراطية والحكومة وانتهاءً بإعادة كتابة الدستور ووضع وثيقة سياسة “أمن قومي”، وذلك عبر تشكيل خلايا تنظيمية تتكون من أشخاص ذي صلات مع فصائل مختلفة في المجتمع، دون أن تعلم تلك الخلايا بوجود الخلايا الأخرى، وتعمل بدون معرفة الهدف الرئيسي الذي سوف تحققه. وكانت نوهّت بأهمية الاستعانة بوسائل الإعلام في توجيه الرأي العام وبلزوم استخدام أساليب الحرب النفسية وتكتيكات حرب العصابات. لكن اللافت أن الانقلاب لم يكن موضع اتفاق بين جيمع الجنرالات حيث يدل ما ورد في مذكرات الجنرال أورنيك على وجود حالة من عدم الاتفاق داخل القوات المسلحة حول مسألة الانقلاب، ويقترح الجنرالات وسائل للتغلب على تلك الحالة.
نفى الجنرال أورنيك المذكرات المنسوبة إليه زاعمًا أنه لم يسجل ملاحظاته أبدًا في فترة شغله منصب قائد القوات البحرية، لكن تبين أنه نصح الطلبة العسكريين بتسجيل مذكراتهم وملاحظاتهم في حوار أجرته معه جريدة “البوصلة” التي كان يصدرها شباب القوات البحرية.
وكان رئيس الأركان حينها الجنرال أوزكوك أكد في أثناء إدلاءه بأقواله بصفته “شاهدًا” في قضية أرجنكون التي انطلقت بعد بضعة أشهر من نشر هذه المذكرات، أنه كان على علم بمخططي “آي إيشيغي” و”ياكوموز” الانقلابيين، وأنه استدعى قائد قوات الدرك آنذاك “شنار أرويجور”، الذي اعتقل فيما بعد في إطار قضية أرجنكون، واستفسره عما إذا كان هناك مخطط من هذا القبيل. ولما نفى وجود هذا النوع من المخطط حذره قائلاً: “على الرغم من ذلك، فإن دعوتكم رؤساء الجامعات والصحفيين كثيرًا إلى مقر قيادة قوات الدرك سيترك انطباعًا خاطئًا لدى الرأي العام!”.
سر يعلمه الجميع!
ويؤكد الكاتب الصحفي الليبرالي المعروف “علي بايرام أوغلو” أن خطط الانقلاب كانت “سرًا يعلمه الجميع”، إذ قال لصحيفة “طرف” بأن الصحف الكبرى كانت على دراية بخطط الانقلاب المذكورة، حيث كان الجنرالات يعقدون اجتماعات مع مجموعة من الصحفيين ورؤساء التحرير ويطالبونهم بتقديم الدعم، إلا أن تلك الصحف لم تنشر هذه الأخبار في البداية. وعندما أدرك الجنرالات أن الدعم الموسع الذي يبحثون عنه لن يحصلوا عليه ارتبكوا ووقعوا في حالة من الفوضى. وقد بادر شنار أيرويجور، على وجه الخصوص، إلى وضع خطة لتنفيذ الانقلاب بمفرده.
وفي أعقاب نشر المذكرات الخاصة بالمخططات الانقلابية، قامت السلطات الأمنية بمداهمة مقر مجلة نقطة في 13 أبريل/ نيسان 2007 بموجب قرار صادر من المحكمة العسكرية، بدلاً من فتح تحقيق للتأكد من صحة المعلومات التي وردت في هذه المذكرات. وقررت السلطات بعد عملية التفتيش الاستيلاء على حواسيب المجلة وأطلقت عديدًا من التحقيقات بحقها. وفي ظل الضغوطات التي مارسها الجانب العسكري، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الداعمة لبقاء نظام الوصاية في البلاد، اتخذ مالك مجلة نقطة قرارًا بإغلاقها.
من جانب آخر، بادر الجنرال أورنيك إلى رفع دعوى قضائية ضد الكاتب الصحفي المخضرم “آلبير جورموش” الذي نشر تلك المذكرات، وذلك بتهمة “الافتراء” و”الإهانة”. ومع أن المحكمة رفضت دعوى الجنرال وقضت بتبرئة ساحة الصحفي جورموش، إلا أنها لم توافق على طلب الأخير بتوسيع نطاق هذه القضية من أجل البحث والتحقيق في المزاعم التي ترد في المذكرات حول الخطط الانقلابية أيضًا.
وقد نشر الصحفي جورموش فيما بعد ما يخص الرأي العام مما يرد في المذكرات المنسوبة إلى الجنرال أورنيك في كتاب مستقل، وكتب في مقدمته: “أعتقد أن نشر هذه المذكرات لعب دورًا مهمًا في سبيل الانتقال إلى حقبة ديمقراطية صحيّة، وتنبيه المجتمع إلى ضرورة الوقوف في وجه المبادرات والمحاولات الهادفة إلى تقويض أسس ديمقراطيتنا الناشئة والكيانات العميقة التي تحاول توجيه السياسة المدنية من وراء الجدر”.
أردوغان يراهن على مدعي العموم
في 29 مارس/ أذار 2007، أي بعد 4 أيام من نشر المذكرات في مجلة نقطة، قال رئيس وزراء تلك الفترة رجب طيب أردوغان: “أعتقد أن مدعي العموم سيتحركون للقيام بوظيفتهم تجاه ما يرد من ادعاءات في هذه المذكرات”، غير أنه لم يخرج أحد ليتولى التحقيق فيها، نظرًا لأن تركيا كانت تشهد لأول مرة الكشف عن مخطط انقلابي قبل تنفيذه، لكن لم يكن لدى المدعين العامين تلك الشجاعة الكافية للتحقيق مع جنرالات يعتبرون أنفسهم حراس “النظام” و”مصالح الدولة”، بينما ينظرون إلى السياسيين على أنهم نفعيون لا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية والحزبية. وكان الجنرال “خورشيد طولون” الذي كان أحد الشخصيات العسكرية الوارد اسمها في المذكرات الانقلابية رد على الرئيس أردوغان في 5 إبريل/ نيسان 2007، أي بعد 5 أيام من تصريحاته المذكورة، بشأن دعوته مدعي العموم إلى “فعل اللازم” إزاء ادعاءات المخططات الانقلابية قائلاً: “نواب الجمهورية التركية يعلمون جيدًا ما هي المهام التي ينبغي عليهم القيام بها والمهام التي يجب عليهم أن يتجنبوها”.
لذا ظلت ادعاءات التخطيط للانقلاب دون أي تحقيق طيلة عامين كاملين، ثم خرج المدعي العام الشهير “زكريا أوز” ليطلق أول تحقيق في الجنرالات الذين وردت أسماؤهم في مذكرات الجنرال أورنيك في 5 ديسمبر / كانون الأول 2009 بعد بدء تحقيقات أرجنكون الشهيرة. إذ أمر باستدعاء كل من قائد القوات البرية الجنرال “آيتاتش يالمان” وقائد القوات الجوية الجنرال “إبراهيم فيرتينا” وقائد القوات البحرية أوزدين أورنيك صاحب المذكرات الانقلابية واستجوبهم حوالي 8 ساعات، ثم قرر إخلاء سبيلهم قيد المحاكمة نظرًا لعدم احتمالية تعتيم أدلة الإدانة وفرار المتهمين.
إلا أن السلطات القضائية اعتقلت كلاً من قائد قوات الدرك آنذاك الجنرال شنار أرويجور والجنرال خورشيد طولون الذين ورد اسمهما في هذه المذكرات في تموز / يوليو 2008، لكن في إطار قضية أرجنكون التي انطلقت في عام 2007. وطالبت النيابة العامة لكل منهما في مذكرة اتهامها التي أعلنتها في 25 مارس/ أذار 2009 بالحبس المؤبد ثلاث مرات مع الأشغال الشاقة. فقد أفادت مذكرة الاتهام أن خطة “ساري كيز” (الفتاة الشقراء) الانقلابية أعدها كل من الجنرالات أرويجور ويالمان وأورنيك وفيرتينا، إلا أنها لم تجد صلة تربطهم بتنظيم أرجنكون ما عدا أرويجور، لذا قررت فصل ملف الجنرالات الثلاثة من أرويجور المتهم في إطار قضية أرجنكون.
بحسب لائحة الاتهام، فإن الجنرال أرويجور بعد قرار التخلي عن تنفيذ خطة ساري كيز الانقلابية بدأ يعمل دون علم الجنرالات الآخرين على إعداد خطة آي إيشيغي (ضوء القمر) للانقلاب على حكومة أردوغان ضمن قيادة قوات الدرك، وواصل العمل على هذه الخطة حتى بعد تقاعده على نحو يخدم أهداف وإستراتيجات تنظيم أرجنكون الإرهابي. وقد وصف المدعي العام زكريا أوز “مجموعة العمل الجمهورية” التي أسست بشكل غير قانوني ضمن قيادة قوات الدرك بقيادة الجنرال أرويجور بين عامي 2003 و2004 بـ”المجموعة التي قامت بتنظيم أنشطة وفعاليات استفزازية مختلفة في مسعىً لتشكيل رأي عام حول وجود خطر رجعي ديني في البلاد تمهيدًا للإطاحة بحكومة أردوغان”.
وبعد فترةٍ سحبت قضية مذكرات الجنرال أورنيك من زكريا أوز وأحيلت إلى المدعي العام الجديد “محمد أرجول” في إسطنبول، إلا أنه بعد أن فحص الملفات المسندة إليه أعلن في 26 أكتوبر / تشرين الأول عدم اختصاصه في الموضوع، وعدم وجود صلة بين مذكرات الانقلاب وقضية أرجنكون، وقرر إحالة الملف إلى النيابة العامة في العاصمة أنقرة، بسبب أن الأحداث التي تضمنتها مذكرات الجنرال أورنيك وقعت فيها وليس في إسطنبول. أما نيابة أنقرة فتهربت من المسئولية وزعمت عدم اختصاصها في الموضوع أيضًا، وادعت وجود صلة بين هذه القضية وقضية أرجنكون، ثم أرسلت الملف إلى إسطنبول مجددًا في نيسان / أبريل 2011.
قضية لم يجرؤ أحد على التحقيق فيها!
ومع أن جميع المدعين العامين كانوا متفقين حول صحة مذكرات الخطط الانقلابية وكانت الادعاءات الواردة فيها خطيرة للغاية، إلا أن الجميع كانوا يتجنبون “القيام بما يلزم”. فقد تغير المدعي العام المشرف على هذا الملف 6 مرات بعد أن بدأ في عام 2007، ثم انتقل أخيرًا إلى مكتب التحقيق في الإرهاب والجرائم المنظمة بمدينة إسطنبول، لكنه أيضًا أعلن عدم اختصاصه في القضية في تموز / يوليو 2014، وبقي الملف دون صاحب! وستقرر محكمة جنايات بكركوي في إسطنبول مصير هذا الملف.
تركيا فشلت مرة أخرى في محاسبة كيانات غير قانونية وأهدافها المشئومة بعد أن اتفقت حكومة أردوغان مع تنظيم أرجنكون في أعقاب ظهور فضائح الفساد والرشوة عام 2013 وأغلقت أو علّقت كل القضايا الخاصة بهذه الكيانات ومخططاتها الانقلابية وأفرجت عن الجنرالات العسكريين المعتقلين في عام 2014.
ثم انقلب الأمر على عقب بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وبات المجرمون أبرياء والضحايا مجرمين، إذ طالب الجنرال أورنيك، صاحب المذكرات الانقلابية، بمحاكمة كل من عبد الله جول وأحمد داود أوغلو لمسئوليتهما في القضية المفتوحة بحقه وزملاءه.
الواقع أن هدف هذه التصريحات التي أدلى بها الجنرال لصحيفة “سوزجو” بعد محاولة الانقلاب الفاشلة هو الرئيس أردوغان، لكن نظرًا لأنه يبدو اليوم الحاكمَ في تركيا فإن الجنرال يفضل عدم استهدافه بصورة مباشرة ويفضل الهجوم على عنصرين كانا فاعلين في حزب العدالة والتنمية سابقًا.
حليف أردوغان: ندخل جهنم للصداقة مع إيران!
إن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن تنظيم أرجنكون استعاد قوته السابقة بعد التصقيات التي أجراها في المؤسسة العسكرية بتوظيف أردوغان. إذ أعلن زعيم حزب الوطن دوغو برينتشاك الذي حكم عليه في إطار قضية أرجنكون ثم خرج من السجن بعد الاتفاق مع أردوغان أنهم استطاعوا تصفية 30 ألف جنرال/جندي كانوا حليفين لحلف شمال الأطلسي الناتو بعد الانقلاب الفاشل، وذلك في مؤتمر صحفي عقده في إيران مع مجموعة من الجنرالات المتقاعدين. وقال أيضًا: “لن نسلِّم تركيا لفتح الله كولن ولن يعود المفصولون إلى الجيش مرة أخرى. كولن كان يقول بأنه لو كان طريق الجنة يمر من إيران لاستأذنت ربي وذهبت من أطرافها.. أما نحن الوطنيون (الطورانيون) فنقول لو كان طريق الصداقة مع إيران يمر من جهنم لسلكنا هذا الطريق، ذلك لأن صداقة إيران تعني بالنسبة لنا الجنة”، على حد تعبيره. ولا شك أن هذه التصريحات تكشف عن هوية حلفاء أردوغان الجدد.
تركيا لم تستطع أن تحكم على الجنرالات الانقلابيين لكن محكمة حقوق الإنسان الأوروبية عاقبتها بسبب مداهمة مقر مجلة نقطة، بدعوى الكشف عن “وثائق سرية” تعود لرئاسة الأركان العامة، بعد نشرها مذكرات الجنرال الخاصة بالانقلاب، وأغرمتها بدفع 8 آلاف و250 يورو لمجموعة من الصحفيين، بينهم آلبير جورموش، بتهمة انتهاكها “حق الرأي العام في الحصول على المعلومات وحرية الإعلام والتعبير”.
أردوغان يضع نقطة النهاية لحياة “نقطة”!
ومن ثم عادت مجلة نقطة إلى حياة النشر مجددا في 18 أيار / مايو 2015 بعد أن اضطرت إلى إغلاق أبوابها عقب الضغطات التي مارستها الأوساط العسكرية والكيانات التي توظف العسكريين ومخططاتهم الانقلابية في مصالحها، إلا أن الرئيس أردوغان أمر الشرطة بمداهمة مقر المجلة في أعقاب نشرها على غلاف أحد أعدادها في 2015 صورة يظهر فيها أردوغان وهو يلتقط صورة سيلفي (ذاتية) أمام جنازات الشهداء، مستلهمة الفكرة من الصحف البريطانية التي نشرت في وقت سابق صورة تظهر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير وهو يلتقط صورة سيلفي وخلفه مشهد من مشاهد الحرب. كما أمر بحظر توزيع المجلة ومصادرة وجمع الأعداد الموزّعة، واعتقال كل من رئيس تحرير المجلة “جوهري جوفين” ومدير نشرها “مراد تشابان”، بتهمة “تحريض الشعب على حمل السلاح في وجه الحكومة” و”عمل دعاية لتنظيم إرهابي”. وفي نهاية المطاف أغلق أردوغان المجلة مرة أخرى ضمن المجلات والصحف التي أغلقها بموجب قرارات الطوارئ التي أعلنها بدعوى التصدي لمحاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف 2016 ولم يشفعها كشفها عن المخططات الانقلابية ضد حكومته بين أعوام 2001 و2004.
وكانت المجلة نشرت هذه الصورة للاحتجاج على مساعي أردوغان إلى زيادة التأييد الشعبي لحزبه العدالة والتنمية، واستمالة القوميين الأتراك إلى جانبه، عبر استغلال جنازات الشهداء في العمليات المنفذة ضد حزب العمال الكردستاني الإرهابي، عقب الإطاحة بطاولة مفاوضات “السلام الكردي” معه، بعد توجه الأكراد إلى دعم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بدلاً من حزب أردوغان، ما تسبب في دخول الحزب الكردي إلى البرلمان بشكل مستقل وخسارة حزب أردوغان الانفراد في الحكومة، ليضطر بعد ذلك أردوغان إلى إعلان انتخابات مبكرة في محاولة لإعادة الحكومة إلى حزبه منفردًا، وقد نجح في ذلك وانفرد حزبه بالحكومة مجددًا، بفضل الاستراتيجية التي اتبعها في الدعاية الانتخابية، وهي اللعب على وتر الإرهاب وإخافة المواطنين من عودة العمليات الإرهابية السابقة إلى المشهد التركي مجددًا، حيث شهدت تركيا حقيقة مشاهد دموية راح ضحيتها الآلاف بعد فاصلة دامت قرابة 5 سنوات، لكن الاستراتجية آتت أكلها وعادت الحكومة إلى حزب أردوغان مرة أخرى.
أردوغان يستخدم اليوم الإستراتيجية ذاتها للغرض ذاته، حيث يقود حربًا ضد الأكراد في عفرين، لجني ثمرات الأصوات من القوميين قبيل الانتخابات الرئاسية، مع أن تركيا في غنى عن هذه الحرب.
مجلة نقطة الليبرالية لم تجد لها مكانًا للعيش والاستمرار سواء في عهود الهيمنة العسكرية أو عهود ما يسمى بالازدهار الديمقراطي في عهد أردوغان، إذ تغيرت أسماء المهيمنين لكن لم تتغير عاداتهم وتقاليدهم.