بقلم: آدم يافوز أرسلان
برلين (الزمان التركية) – بين ليلة وضحاها، تحول الرئيس السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري وعضو لجنة العلاقات الدبلوماسية لحركة المجتمع الديمقراطي في سوريا، صالح مسلم، من شخصية تسلط عليها الأضواء ويفرش لها السجاد الأحمر في تركيا، كما كان حاله قبل أعوام قليلة، إلى وضعه في قائمة الاعتقالات.
كان صالح مسلم من الشخصيات القليلة التي تحظى باهتمام كبير من قبل كبار المسئولين الأتراك؛ في كل زيارة له (زار تركيا 4 مرات) كان يتم استقباله من قبل مستشار وزير الخارجية فريدون سينيرلي أوغلو ورئيس جهاز الاستخبارات الوطنية التركية هاكان فيدان.
خلال المباحثات التي أجريت بين صالح مسلم والمسؤولين الأتراك بشأن زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل عبد الله أوجلان، حضر اللقاء رئيس إدارة الاستخبارات أوغور كاغان آييق، وأحد رؤساء جهاز الاستخبارات كمال أسكين طان.
فضلًا عن أن وسائل الإعلام التركية، آنذاك، تحدثت عن عقد وزير الخارجية في ذلك الوقت، أحمد داود أوغلو اجتماعا مع صالح مسلم، استمر لنحو ست ساعات متواصلة. وقالت بعض المصادر الحكومية للصحفيين “نحن نفتح صفحة جديدة، ونبدي اهتمامًا كبيرًا بتلك الزيارة”.
ومع إنزال علم وحدات حماية الشعب الكردي المعلق على الحدود التركية السورية، اعتبر البعض أنه انتصار للدبلوماسية التركية، خاصة وأن إنزال العلم جاء عقب لقاء صالح مسلم بالمسؤولين الأتراك مباشرة.
من المعروف عن الرئيس رجب طيب أردوغان تقلبه السريع وتذبذب مواقفه، وفي هذا الملف أيضًا كان تقلبه سريعًا تجاه صالح مسلم؛ إذ إنه بين ليلة وضحاها بات في قوائم الإرهاب، ووضع 4 ملايين ليرة تركية مكافأة لمن يأتي به.
وهنا تخطر على الأذهان أسئلة تتردد أصداءها في الشارع التركي، من قبيل: ألم يكن صالح مسلم إرهابيًا عندما كان يلتقي بالمسؤولين الأتراك رفيعي المستوى في قلب أنقرة؟ ألم تكن تركيا تعرف أنه رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي وله علاقة وطيدة برئيس حزب العمال الكردستاني المعتقل عبد الله أوجلان؟
هذا التقلب المفاجئ تجاه مسلم كان قد علق عليه رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليتشدار أوغلو متسائلًا: “لماذا أحضرتم صالح مسلم إلى تركيا، بعد أن حكم القضاء التركي بضم تنظيمي حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردي التي يترأسها إلى قوائم الإرهاب، بل وفرشتم له السجاد الأحمر لاستقباله؟”.
بالتأكيد الجميع على علم ودراية بهوية مسلم، ومن المعروف أنه يحمل هاتفًا محمولاً وضع فيه صورة عبد الله أوجلان كخلفية له؛ إلا أن أردوغان كان يضع نصب عينيه صناديق الانتخابات، لكي يضمن الحصول على أصوات الأكراد.
أمَّا الآن فقد بات من الضروري أن يتحول مسلم إلى “عدو لدود”، حتى يصبح صالح مسلم وعملية عفرين مجرد أوراق للعبة السياسة الداخلية لتركيا.
أمَّا حزب العدالة والتنمية فله هدف آخر من وراء ذلك الموقف؛ وهو أنه إذا تمكن من إحضار صالح مسلم مكبل الأيدي إلى تركيا، فإن هذا سيمثل ورقة رابحة في الانتخابات المقبلة. ليقف أمام الرأي العام التركي رافعًا رأسه، كما فعل قبل ذلك مع عبد الله أوجلان.
وقد أوضحت في كتاباتي ومقالاتي السابقة أن أردوغان لم يكن في نيته قط التوصل إلى حل في الأزمة الكردية. فقد كان هدفه الفوز في الصندوق الانتخابي، سواء خلال مفاوضات السلام أو حتى خلال الحرب التي شنها ضد الأكراد؛ فهو أطلق مفاوضات السلام الكردي مع حزب العمال الكردستاني عندما كان السلام سلعة رائجة، وبعد أن نال مراده منها في الانتخابات، عاد إلى الحرب مجددًا وبدأ يدمر مناطق شرق وجنوب شرق تركيا بحجة مكافحة الحزب الذي أجرى معه تلك المفاوضات.
الأمر لا يختلف كثيرًا فيما يتعلق بملف صالح مسلم؛ ففي الفترة بين عامي 2013-2014 كان من الضروري أن يكون صالح مسلم “صديقًا ودودًا” لحزب العدالة والتنمية، ولم يكن من المتوقع بأي حال من الأحوال أنه سيتحول اليوم إلى “عدو لدود”.
كما يبدو أن الأخطاء المرتكبة في الملف السوري وفاتورة الحوار بين صالح مسلم والمسؤولين الأتراك سيتحملها وزير الخارجية في تلك الحقبة أحمد داود أوغلو؛ لذلك فوجئنا بداود أوغلو يخرج على قنوات هيئة الإذاعة والتليفزيون التركية ويدافع عن سياساته السابقة تجاه سوريا.
إلا أن المجندين في مواقع التواصل الاجتماعي للدفاع عن الحزب الحاكم وأردوغان ووسائل الإعلام الموالية لهما تحمّل أحمد داود أوغلو مسؤولية تلك السياسات، لكن الجميع يعلم الحقيقة عن حزب العدالة والتنمية ويدرك حقيقة ما يدور في أنقرة، ويعلمون جيدًا أن أردوغان هو الآمر الناهي وصاحب الكلمة في صغار الأمور وكبارها.