تقرير: محمد عبيد الله
برلين (زمان التركية) – تتواصل أصداء الزيارة المهمة التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى العاصمة التركية أنقرة قبل نحو أسبوع، في وقت تشهد المنطقة أحداثًا ساخنة للغاية بسبب عملية “غصن الزيتون” العسكرية في مدينة عفرين السورية.
وكان المفكر الإسلامي فتح الله كولن وأنشطة حركة الخدمة في تركيا والولايات المتحدة ضمن القضايا التي بحثها تيلرسون مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يتهمه بتدبير الانقلاب الفاشل في عام 2016 ويصف حركة الخدمة بـ”التنظيم الإرهابي”، بحسب رأيه.
تيلرسون: أدلتكم غير مقنعة
وكرّر الجانب التركي مرة أخرى مطالبة واشنطن بإعادة فتح الله كولن، غير أن الجانب الأمريكي أكد مجددًا أنه ينظر إلى هذه القضية من زاوية الأدلة والبراهين التي تثبت الجرائم المسندة إليه، لافتًا إلى أن الحكومة التركية لم تقدم حتى اللحظة أدلة موثوقة في هذا الصدد.
قال تيلرسون في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو إنه تناول مخاوف تركيا بشأن كولن وحركته خلال لقاءه مع الرئيس أردوغان، وتابع: “لقد اتفقنا على مواصلة تحقيق وفحص الأدلة التي قد تقدمها الحكومة التركية لنا. ونحن نجري تحقيقاتنا المستقلة للتأكد من عدم قانونية أنشطة حركة الخدمة في الولايات المتحدة”.
وألمح وزير الخارجة الأمريكي إلى عدم تلقيهم من حكومة حزب العدالة والتنمية حتى اليوم أي أدلة مقنعة تدل على صحة اتهاماته ضد فتح الله كولن، حيث أعلن قائلاً: “نحن منفتحون ومترقبون لتلقي معلومات وأدلة جديدة قد تقدمها الحكومة التركية لنا بهذا الشأن”.
وقال رئيس تحرير جريدة “توديز زمان” سابقًا الكاتب الصحفي المخضرم “عبد الله بوزكورت”، في رسالة نشرها عبر حسابه على موقع تويتر، تعليقًا على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بشأن حركة الخدمة: “ريكس تيلرسون أعلن بصورة واضحة أن الحكومة التركية لم تقدم حتى اليوم إلى الولايات المتحدة أي دليل موثوق يدين الأستاذ فتح الله كولن”.
اتفاقية سرية بين أردوغان وواشنطن
وفي إطار تعقيبه على مباحثات تيلرسون في تركيا، وجه زعيم المعارضة الرئيسي، رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو، انتقادات لاذعة إلى إجراء هذه المباحثات بصورة سرية تمامًا، ولفت إلى أن أردوغان لم يستخدم حتى المترجم في لقاءه مع تيلرسون، واستعان بوزير خارجيته مولود جاويش أوغلو في عملية الترجمة.
وأعرب كيليجدار أوغلو عن استياءه من توقيع الرئيس أردوغان على ما سماه وثيقة “الاتفاقية التركية الأمريكية” دون الكشف لأحد، بما فيهم المسئولين المعنيين، عن مضامينها، وشدد على أن الولايات المتحدة لا ترى حركة الخدمة ولا وحدات حكاية الشعب الكردية تنظيمًا إرهابيًّا، وأن تيلرسون لم يصف أيًّا منهما بتنظيم إرهابي في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره التركي، ثم تساءل: “إذن على ماذا اتفق الطرفان التركي والأمريكي في هذه المحادثات الثنائية؟ كيف يمكن لأردوغان التوقيع على هذه الوثيقة؟ ولماذا يتم التكتم على محتواها؟”.
زعيم حزب الوطن اليساري دوغو برينتشاك الذي يوالي روسيا وسوريا، والذي بدأت تصدعات بينه وبين أردوغان عقب تحالف بين الطرفين بعد تحقيقات الفساد والرشوة في عام 2013 حتى وقت قريب، هو الآخر انزعج من سرية الاتفاقية التركية الأمريكية، ووصف الأمر بأن “أردوغان يكتم أسرار الاتفاقية من الدولة”، واعتبره مخالفًا لأعراف وعادات الدولة التركية، على حد تعبيره.
انقلاب محكوم عليه بالفشل!
جدير بالذكر أن الرئيس أردوغان، على الرغم من أنه وصف محاولة الانقلاب بـ”الهدية الإلهية”، لأنها منحت لهم الفرصة لتطهير الدولة من أفراد حركة الخدمة، على حد تعبيره، إلا أنه خرج ليلة الانقلاب واتهم كولن بتدبير هذه المحاولة، قبل إجراء أي تحقيق مبدئي.
أما كولن فاستنكر محاولة الانقلاب في الليلة ذاتها ونفى اتهامات أردوغان جملةً وتفصيلاً، ودعاه والمجتمع الدولي إلى تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق الخاصة بالانقلاب، معلنًا استعداده للعودة إلى تركيا والقتل شنقًا في حال إثبات هذه اللجنة ولو واحدا من اتهامات أردوغان.
غير أن أردوغان لم يستجب لهذه الدعوة حتى اليوم، بل توجه إلى إطلاق عملية تصفية شاملة في أجهزة الدولة، وبدأ يعتقل أو يفصل موظفين بتهمة الانتماء إلى حركة الخدمة، رغم أنهم يتبنون أفكارًا متباينة، بحيث تجاوز عدد المعتقلين 55 ألف شخص، بينهم 18 ألف سيدة ومعهن حوالي 700 طفل رضيع، فضلاً عن طرد عشرات الآلاف من الموظفين من وظائفهم.
واتهم زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو أردوغان بتدبير “انقلاب محكوم عليه بالفشل”، وتوظيف ذلك في التخلص من معارضيه أو المختلفين معه فكريًّا، من أجل إزالة العوائق التي تقف عثرة أمام تأسيسه نظامه الشخصي تحت مسمى “النظام الرئاسي بنكهة تركية”.