تناول الكاتب طارق عباس في مقاله بجريدة (المصري اليوم)، كيف أن الرئيس التركي رجب أردوغان ماهر جدًا في إلقاء الخطابات الحنجورية، بينما كلماته ووعودة معدة للإستهلاك المحلي فقط، وهي طريقة لا تكفي لأن تصنع منه زعيمًا كما يتمني، وفي إطار محاولات أردوغان لفرض الوصاية على الشرق الأوسط، تطرق الكاتب إلى استمرار أردوغان في افتعال الأزمات مع مصر والتي كان آخرها محاولاته وقف أي تعاون مصري قبرصي خصوصًا فيما يتعلق بمجال الطاقة.
وجاء في المقال: تشعر وأنت تتابع تحركات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، أنك أمام رجل يريد الزعامة رغم أنه ليس زعيمًا، يحلم بأن يكون أسدا بين بلدان الشرق الأوسط وهو نعامة فى حظيرة أمريكا وإسرائيل والاتحاد الأوروبى، يبدو فى مواقفه صلبًا عنيدًا وفى تصريحاته عنتريا أشر وفى خطاباته بليغا شهما وصاحب مروءة، يستهوى بها مشاعر الضعفاء والبسطاء والجهلاء، بينما لا تخرج تلك المواقف والتصريحات والخطابات عن كونها للاستهلاك المحلى ويقتصر الحصاد منها على العدم الذى لا يقود إلا إلى العدم.
فماذا فعل أردوغان مع إسرائيل عندما قامت قطاعات من قواتها البحرية بمهاجمة السفينة التركية «مافى مرمرة» وهى فى طريقها لقطاع غزة فى مايو 2010 وكانت محملة بالمؤن فى محاولة لفك الحصار المفروض على أهل القطاع، وعلى متنها أكثر من 581 ناشطًا فقتلت منهم ما لا يقل عن عشرة أتراك وأصابت غيرهم عشرات؟، كل ما فعله وقتها الندب والصراخ واللطم ثم انتهى الموقف بعد سبع سنوات ببضعة ملايين من الدولارات على سبيل التعويضات لأهالى الضحايا وكأن القضية اقتل من تشاء ثم ادفع مقابل فعلتك حفنة من الدولارات على سبيل التعويض لإسكات الأفواه الغاضبة؟. ماذا فعل أردوغان فى مواجهة قرار ترامب بنقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس الشرقية واعتبارها عاصمة أبدية لإسرائيل؟ هل قطع علاقاته معها؟ هل فعل ما من شأنه تأديب أمريكا ومعاقبتها على ذلك القرار الخطير؟. كل ما قام به أردوغان أنه حذر وتوعد وحرض وهدد وشجب وأدان ولكونه حارسا من حراس المصالح الأمريكية مر القرار بردًا وسلامًا على إسرائيل ولم يبق من أردوغان سوى قنابله الصوتية التى تصيب الأذن بالأذى ولا يُشَم لها رائحة بعد ذلك.
ومؤخرا يرتكب أردوغان حماقة جديدة بمحاولة تحرشه الدائم بمصر والذى تبدى آخر فصل له فى الاعتراض التركى على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص التى تنظم بينهما الحقوق فى التنقيب عن البترول والغاز فى شرق البحر المتوسط، وبعد إعلان مصر عن اكتشافها الضخم لحقل ظهر، قام أردوغان ولم يقعد، وحذر القبارصة اليونانيين من الاستمرار فى التنقيب وتعمد إعطاء الضوء الأخضر لقطاعات من قواته لاعتراض بعض سفنها وهى تمارس مهام التنقيب، إلا أن تلك التحركات لم تزعج مصر ولا قبرص، لعلمهما بأنها مجرد تحركات سياسية لا أكثر وليقينهما بأن التلويح الدائم من جانب أردوغان باستخدام القوة العسكرية ضدهما هو محض فقاعات فى الهواء تلفت الأنظار ولا تغير الواقع، وهناك دلائل كثيرة تؤكد على ما أشرت إليه منها:
أولا، أن مصر ليست رخوة ولا ضعيفة تملك من القوة العسكرية ما يمكنها من أن تدافع به عن نفسها وعن مصالحها وفى عملية «سيناء 2018 » التى تقوم بها قواتنا المسلحة بعزم وثبات رسائل واضحة لكل من يفكر فى المساس بشبر واحد من تراب هذا البلد وبكرامته الوطنية.
ثانيا، أن اتفاقية الحدود بين مصر وقبرص هى اتفاقية دولية اكتسبت شرعيتها أولا من تصديق برلمان الدولتين عليها ثم أودعت فى الأمم المتحدة التى لا يمكنها القبول بمثل هذه الاتفاقيات إلا فى ضوء القانون الدولى وطبقا للحدود المتفق عليها والمعترف بها عالميا، وبالتالى فإن تركيا طبقا للحدود الجغرافية والخرائط الجيولوجية والقوانين الدولية ليس لها الحق فى المساس بسيادة مصر أو قبرص على مياههما الإقليمية.
ثالثا، أن الشركات التى تقوم بعملية التنقيب عن الغاز فى شرق البحر المتوسط لصالح الدولتين هى شركات عالمية تابعة لدول كبرى، لن تقبل مطلقا المساس بمصالحها وتهديد اقتصادها والتأثير السلبى عليه.
وقد اتضح هذا الموقف بإصدار الاتحاد الأوروبى بيانا شديد اللهجة ضد تركيا يحذرها فيه من تكرار اعتراض السفن التى تنقب عن الغاز فى شرق المتوسط.
رابعا، الحروب التى دخلتها تركيا فى شمال سوريا وضد الأكراد والتركمان فى العراق وضد الحزب الكردستانى كلها تؤكد أنها فشلت ولم تحصل تركيا من ورائها سوى خيبة الأمل فى إشارة واضحة إلى أن القوات التركية لم يعد بمقدورها التورط فى المزيد من الحروب والأزمات.
……