أنقرة (زمان التركية) – اتسعت مياه بحر إيجة ونهر ماريتسا الذين يفصلان بين تركيا واليونان والتي عرفت كمقبرة للعديد من السوريين الفارين من الحرب خلال السنوات الأخيرة، لتحتوي أيضًا الأتراك الفارين من بطش النظام الحاكم.
ومؤخرًا بات أفراد حركة الخدمة ضحايا المياه الفاصلة بين الدولتين.
وفي الثالث عشر من الشهر الجاري، شهد نهر ماريتسا مأساة أشد، حيث انقلب مركب يحمل تسعة من أفراد على الأقل من حركة الخدمة، في نهر ماريتسا. وعثر على الشاطئ على جثمان سيدة مع طفليها الصغيرين، بينما لا يزال الآخرون في عداد المفقودين.
وبعد فترة حبس استمرت 11 شهرًا، أفرجت السلطات التركية في يناير/ كانون الثاني المنصرم عن أوغور عبد الرزاق والد الطفلين الذين لقيا مصرعهما غرقًا.
الأحداث التي دفعت الأسرة المنكوبة إلى خوض الرحلة الخطيرة بدأت عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة، فأوغور عبد الرزاق، البالغ من العمر 39 عاما ويعمل مدرسًا للغة الإنجليزية، وزوجته عائشة عبد الرزاق، البالغة من العمر 37 عامًا وتعمل مدرسة للغة التركية، من بين 30 ألف موظف حكومي فُصلوا من عملهم عقب تطبيق حكوم العدال والتنمية حالة الطوارئ في يوليو/ تموز عام 2016 بدعوى التصدي لمحاولة الانقلاب.
وفقد كلاهما عملهما بحجة انتمائهما لحركة الخدمة، من دون أن توجه لهما تهم مادية ملموسة، كما تعرضا لشيطنة اجتماعية ولم يحصلا على عمل لإدامة حياتهما في الداخل التركي، كما هو حال أمثالهم من زملاءهم.
وبعد ستة أشهر من فقدانه عمله اعتقل أوغور من منزله ومكث داخل سجن قانديرا 11 شهرًا ليتم إخلاء سبيله في يناير/ كانون الثاني هذا العام مع مواصلة محاكمته بتهمة الإرهاب.
قرر أوغور مغادرة البلاد برفقة أسرته على خلفية مطالبة النيابة حبسه من 6 أعوام ونصف حتى 22 عاما. وفي منتصف ليلة الثالث عشر من فبراير/ شباط الجاري انطلقت الأسرة برفقة طفليهما عبد القادر أنس (11 عاما) وخليل منير (ذو العامين) في رحلة الهروب من تركيا عبر نهر ماريتسا الحدودي مع اليونان.
وبعد السير لفترة طويلة برفقة المهربين، بلغت الأسرة في الخامسة صباحاً نهر ماريتسا وبرفقتهم أسرة أخرى، ففخر الدين دوغان (30 عاما) وأصلي دوغان (28 عاما) وطفلهما إبراهيم سليم دوغان (عامين ونصف) كانوا يهربون من عقوبة الحبس التي سيتلقونها بتهمة انتمائهم لحركة الخدمة. وكانوا برفقة صديق آخر لهم يُدعى فاتح ياشار.
صعد على متن القارب 8 أشخاص، من بينهم 3 أطفال برفقة المهربين للعبور إلى الجانب الآخر من النهر، لكن لسبب مجهول انقلب القارب أثناء عبوره النهر.
وخلال البحث الأولي تم العثور على جثمان عائشة عبد الرازق ونجليها، بينما لا تزال عمليات البحث عن المفقودين الآخرين قائمة.
ولكل لاجئ تركي قصة تدمي لها القلوب، ولعل أبرزها المأساة التي وقعت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حيث غرقت أسرة “معدن” المؤلفة من 5 أشخاض أثناء محاولتها العبور إلى جزيرة “ميدلي” اليونانية، هرباً من قرار اعتقال صدر ضد كل من الوالد والوالدة في إطار تحقيقات “الانقلاب” الذي وقع صيف 2016.
وقبل نحو عامين كان العالم يتحدث عن المأساة السورية بغرق الطفل أيلان، أما الآن فبات الأطفال والضحايا الأتراك يلقون المصير نفسه غرقًا.
ومن المحتمل أن تتزايد الوفيات المشابهة بسبب سياسة القتل الاجتماعي الذي تُطبق في تركيا ضد أفراد حركة الخدمة.
هذا ويقبع حاليا نحو 50 ألف من أفراد حركة الخدمة داخل السجون من دون محاكمة وتوجيه اتهامات ملموسة، بينما تتواصل التحقيقات بحق 120 ألف آخرين، ولجأ أكثر من عشرة آلاف شخص إلى الدول الأوروبية بخوضهم هذه الرحلة الخطيرة.
وغطى الإعلام الدولي بما فيه اليوناني حادثة وفاة المعلمة المحجبة من نساء حركة الخدمة مع طفليها الصغيرين غرقا في نهر مريج الحدودي مع اليونان ما عدا وسائل الإعلام التركية حيث تجنبت التعرض حتى لهذا الحدث الإنساني البحت خوفًا من غضب أردوغان.
يشار إلى أن نحو 600 أسرة تركية تصارع للعيش في اليونان التي باتت أحد الدول التي يلجأ إليها الراغبون في النجاة من حملات الاعتقالات العشوائية ضد حركة الخدمة.