بقلم: آدم يافوز أسلان
برلين (زمان التركية) – بعد أن رأى أردوغان أن قضية خرق العقوبات المفروضة على إيران المنظورة في نيويورك، ودعم المقاتلين الأجانب في سوريا، ستسببان له مشاكل في المستقبل لا محالة، بدأ يطبق مبكرًا “سيناريو التصادم مع الولايات المتحدة”.
فأردوغان يستبق الإجراءات المزعجة التي قد تصدر عن الولايات المتحدة ويتخذ تدابيره، تماما مثلما أعلن الحرب على مراكز دروس التقوية والتحضير الجامعي التابعة لحركة الخدمة فجأة بعدما أدرك أن الجبل الثلجي المتمثل في “تحقيقات الفساد والرشوة” على وشك الانهيار عليه، فوضع هذه الحركة كسد منيع ينقذه من البقاء تحت هذا الانهيار.
ينبغي تسليط الضوء على قضيتين في هذا السياق، الأولي أن خوف أردوغان من قضية خرق العقوبات وبطلها رجل الأعمال التركي الإيراني الأصل رضا ضراب لم ينتهِ، حيث لاحظنا في المحكمة مدى عزم رضا ضراب الإيراني على التحالف مع النيابة الأمريكية للاعتراف على أردوغان.
ولسنا بحاجة إلى معلومات استخباراتية استثنائية لنتوقع أن ضراب سيتعاون مع النيابة حتى الحادي عشر من أبريل/ نيسان المقبل الذي سيتم فيه إعلان القرار النهائي بحقه. وقد نشهد تطورات مفاجئة فيما يخص هاكان آتيلا، نائب رئيس بنك (خلق) التركي الرسمي المعتقل في أمريكا بتهمة خرق عقوبات أمريكا على إيران، فالكواليس تشهد تحركات كثيرة في هذا الصدد. أي أننا قد نشهد تطورات مفاجئة حتى الحادي عشر من أبريل/ نيسان القادم.
ومع أن الرأي العام المحلي والدولي لم يتفطن بعد، إلا أنه هناك سببًا آخر لاستراتيجية التوتر التي يتبعها أردوغان تجاه الولايات المتحدة، حيث تتحدث المؤسسات الفكرية في واشنطن منذ فترة عن أن روايات بعض المقاتلين الأجانب المقبوض عليهم في سوريا ستتسبب في مشاكل لتركيا على المدى الطويل.
والقضية الثانية التي يخشاها أردوغان تتمثل في الحديث أيضًا عن امتلاك وحدات حماية الشعب الكردية في قبضتها لأرشيف كبير عن علاقات نظام أردوغان مع المجموعات الإرهابية. في الواقع ليس سرا أن وحدات حماية الشعب الكردية ليست القوة الوحيدة التي تمتلك مثل هذا الأرشيف، فمن المعروف أن الروس أيضًا يحوزون ملفات تخص علاقة أردوغان بتنظيم داعش.
ويجب أن لا ننسى أن روسيا منحت تركيا “الضوء الأخضر” لعملية عفرين” في سوريا من جانب، وتنشر الصحافة الروسية في عناوينها أنباء تزعم أن “الجيش التركي يقتل المدنيين” من جانب آخر.
ولا يمكن أن تكون أنقرة غافلة عما يدور في واشنطن من حديث حول الملفات المذكورة أعلاه بحقها.
وفي ظل هذا الوضع، فإن بسط أردوغان جناحه لـ”المقاتلين الأجانب في سوريا”، وإظهارهم بجانب الجيش التركي هو إستراتيجية غريبة وخطيرة في الوقت نفسه. إذ إنه يكفل مجموعة من المسلحين في سوريا، رغم أنه اختلط الحابل بالنابل في هذه المجموعات المقاتلة ولا يعرف لحساب أي جهة أو دولة تعمل.
“أمريكا الممزقة باتت فرصة لأردوغان”
أمريكا تحت إدارة ترامب ليست قادرة على توحيد الخطاب فيما يتعلق بعملية عفرين كسائر القضايا الأخرى، فبينما يعلن البنتاجون أنه سيواصل التعاون مع الأكراد، تصرح الخارجية الأمريكية أنها تتفهم عزم تركيا على تأمين حدودها.
وبحسب رؤى الخبراء المتداولة في الصحافة الأمريكية فإن هذا الوضع يزيد من جرأة تركيا. وأكثر ما يلفت الانتباه في هذا الأمر هو سهام الانتقاد الموجهة إلى ترامب، ولعل أبرز هذه الانتقادات أن تناقضات ترامب في سياسته تجاه الأزمة السورية زادت من قوة روسيا ،كما يدور الحديث باستمرار عن حصول تركيا على موافقة روسيا وخوضها معركة عفرين، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة.
النقاط البارزة في التعليقات الأمريكية على عملية عفرين تتمثل في أن أردوغان يقود هذه الحرب في إطار سعيه لتحقيق مكاسب في السياسة الداخلية، وأنه يتعين على الولايات المتحدة حماية الأكراد لكونهم حلفاء لها، وأن تركيا تنحاز وتنزلق إلى المحور الروسي.
فعلى سبيل المثال أفاد الخبير في شؤون الشرق جاشوا لاندز في حديثه مع قناة الجزيرة أن الولايات المتحدة تنظر إلى تركيا باعتبارها حليفًا مفقودًا، مؤكدا أنه ليس بالإمكان إبعاد تركيا عن مسار تراجع الديمقراطية وتزايد والإسلام السياسي والاتجاه صوب الديكتاتورية، وأن هذا الأمر ليس بوضع يمكن للولايات المتحدة تغييره.
من جانبه حذر فريدريك س. هوف من معهد أتلانتيك للدراسات من احتمالية تحول معركة عفرين إلى مواجهة تركية أمريكية، كما يرى فريدريك أن التوترات بين تركيا والولايات المتحدة هي في الواقع فخ من تدبير الروس.
وفي الآونة الأخيرة بدأت وسائل الإعلام الغربية تفسح مزيدًا من المجال في صفحاتها إلى زيادة الوفيات من المدنيين بسبب عملية عفرين، فالأخبار المتعلقة بالوفيات من المدنيين ستزيد من وطأة الأجواء المعادية لتركيا.
“علينا عدم الدفع بتركيا إلى الروس”
الرأي الآخر البارز في الولايات المتحدة هو أن تركيا تتمتع بأهمية إستراتيجية، وأنه ليس من المنطقي خسارة تركيا من أجل وحدات حماية الشعب الكردية، مما يوجب على السلطات الأمريكية التعاون مع أردوغان. ومن المهم تسليط الضوء على هذا الرأي على الرغم من قلة المؤيدين له.
ويرجع المؤيدون لهذه الرؤية سبب دعمهم لها إلى عدم وجود بديل لأردوغان الذي لن يرحل عن السلطة على المدى القريب، فمثلما ذكرت مسبقا أن الأذهان في الولايات المتحدة مشتتة وتصريحات ترامب لا تعكس أي وضوح أو استقامة في الرؤية.
وفي ظل هذه الأوضاع يواصل أردوغان الحملات التي تحقق له مكاسب في السياسة الخارجية لتيقنه بأن الولايات المتحدة بحاجة إليه، ولن تخسره لحساب الروس، فقد حصد ثمار تمرده ضد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى اليوم في السياسة الداخلية.
“وجود الولايات المتحدة في المنطقة دائم”
حسنا، ماذا سيحدث إذا تقدمت تركيا صوب “منبج” الكردية في سوريا حيث تتمركز القوات الأمريكية؟ المصادر الأمريكية واضحة وصريحة في هذا الصدد، فقائد القوات المركزية الأمريكية الجنرال جوسيف فوتال أعلن أنه لا نية لسحب الجنود الأمريكان المتمركزين بالقرب من منبج.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد طالب الولايات المتحدة بقطع علاقاتها مع التنظيمات الإرهابية واستعادة الأسلحة التي منحتها للتنظيم والانسحاب من منبج.
وعلى الرغم من احتمالية تصادم الجنود الأتراك بالجنود الأمريكان، إلا أن واشنطن لا تنظر إلى هذا الأمر كسيناريو واقعي، وعلى الرغم من أن القضاء على تنظيم داعش الإرهابي كان الهدف الأولوي بالنسبة للولايات المتحدة، غير أنها بدأت مؤخرا تفكر في البقاء في المنطقة بصورة دائمة. أي أن الولايات المتحدة تخطط لمواصلة البقاء في الجانب الشرقي من نهر الفرات حتى ولو انتهت الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي.
هذا الوضع يثير غضب الروس بدون شك، حيث تشير التعليقات المتداولة في الصحافة الأمريكية إلى كون استنكار روسيا لسعي الولايات المتحدة للبقاء في المنطقة بصورة دائمة هو الدافع خلف موافقتها لتركيا على شن عملية عفرين.
خلاصة القول إن مستقبل سوريا سيتشكل وفقا لتوقعات روسيا وأمريكا وخططهم المستقبلية، أما أردوغان فيراهن رهانًا خطيرًا جدا في ظل روسيا التي تقرب إليها بفعل مخاوف رغباته الشخصية.
وفي نهاية عملية عفرين ستواجه تركيا ممرًّا كرديًّا أو محورًا شيعيًّا ممتدًّا حتى البحر الأبيض المتوسط عبر إيران والعراق وسوريا، وبدون شك تركيا ستعترض على ذلك في كلتا الحالتين.
تركيا لن تربح شيئاً في المعادلة الحالية، لكن أردوغان سيحقق مكاسب شخصية. وسيواصل تسيير مراكبه بالرياح التي يثيرها نتيجه لإحكام سيطرته على الإعلام بالكامل، فهدف أردوغان الوحيد من خارطة الطريق هو تأمين نفسه. ولأجل هذا يلعب لعبة خطيرة جدا بين روسيا والولايات المتحدة.
دعوني اختتم المقال باقتباس من المقال التحليلي لكاتب مجلة “التايم” إيان بريمر ألا وهو “أردوغان بحاجة إلى بوتين أكثر من حاجة بوتين إلى أردوغان، لذا من الجيد أن يتوخى أردوغان الحذر!”.