تقرير: ياوز أجار
أنقرة (زمان التركية) – في تصريحات قبيل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الفاتيكان، أفاد سفير تركيا لدى الفاتيكان “محمد باتشاجي” أن “القدس” و”حركة الخدمة” ستتصدران مباحثات أردوغان مع بابا الفاتيكان فرنسيس.
وأضاف باتشاجي أن أردوغان سيطالب بابا الفاتيكان بمواصلة “حوار الأديان” معهم عوضًا عن حركة الخدمة التي تستلهم فكر الداعية الإسلامي فتح الله كولن.
ويستقبل الفاتيكان الرئيس أردوغان بعد 59 عاما على آخر زيارة لرئيس تركي.
وفي عام 1955 كانت أول زيارة رسمية تركية للفاتيكان، وأجراها رئيس الوزراء التركي حينها عدنان مندريس، ثم زار الرئيس التركي الأسبق جلال بايار الفاتيكات في عام 1959، قبل تأسيس العلاقات الدبلوماسية مع تركيا، وزار الفاتيكان كذلك رئيس الوزراء الأسبق تورجوت أوزال في عام 1988 بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية معها.
ويُعد بذلك أردوغان أول رئيس تركي يجري زيارة إلى الفاتيكان منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والفاتيكان في عام 1960.
من جانبه، أشار باتشاجي إلى أن هذه الزيارة ستسهم في خلق “صورة” إيجابية للفاتيكان داخل تركيا ولتركيا داخل الفاتيكان.
وأعلن أردوغان أنه سيتوجه مساء الأحد المقبل إلى العاصمة الإيطالية روما التي تضم بداخلها دولة الفاتيكان البالغ تعدادها السكاني نحو 800 نسمة، حيث سيلتقي في الخامس من الشهر الجاري مع بابا الفاتيكان، ومن ثم رئيس وزراء الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين.
وشدد باتشاجي أن أردوغان سيبلغ بابا الفاتيكان خلال اللقاء أنه يتوجب مواصلة حوار الأديان مع تركيا التي تمثل “الإسلام الصحيح” عوضا عن حركة الخدمة!
كولن أول من دعا لحوار الأديان
يُذكر أن المفكر الإسلامي التركي فتح الله كولن قد التقى في عام 1998 مع بابا الفاتيكان آنذاك يوحنا بولس الثاني، ووصف اللقاء بأنه يهدف للحوار الذي يُعد وسيلة للسلام الدولي. ذلك لأن كولن آمن بأن العالم أصبح، بفضل تقدم وسائل الاتصالات الحديثة، قريةً صغيرة عالمية بحيث لن تحقق أي حركة قائمة على الخصومة والعنف والعداء أي نتيجة إيجابية، ولا بد أن يكون الحوار والإقناع السبيلَ الأوحد لنشر المعتقدات والأفكار. لذلك أكد في كل خطاباته ومحاضراته ودروسه أن الإسلام لا يمتّ بصلة إلى الإرهاب، ولا يمكن تجويزه مهما كانت الذرائع والمبررات، بل أعلن في كل مناسبة أنه “لا يمكن أن يكون المسلم إرهابيًّا، كما لا يمكن أن يكون الإرهابي مسلمًا”.
لكن اتهم حينها العديد من الكتاب والسياسيين الإسلاميين، وعلى رأسهم بعض قادة وأعضاء حزب الرفاه الإسلامي، وإعلام تنظيم “أرجنكون” الموصوف في تركيا بالدولة العميقة، فتحَ الله كولن بالسعي لـ”تنصير الإسلام” بحيث تمادى بعضهم في انتقاداتهم وأوصلوا الأمر إلى حد تكفيره.
أما الرئيس أردوغان فكان موقفه من حوار الأديان وكذلك حوار الحضارات إيجابيًا في الفترات الأولى من حكمه، لدرجة أنه أمر مؤسسة الشؤون الدينية بإطلاق حوار الأديان بصورة رسمية على غرار حركة الخدمة، ومن ثم تولى أردوغان نفسه مشروع “تحالف الحضارات” مع إسبانيا في المجال الدولي. لكن تغير موقف أردوغان من الحوار عقب عودته إلى الخطاب الإسلامي الراديكالي ضروريًّا، بالتزامن مع وقوعه في فضائح الفساد والرشوة والتعاون مع تنظيم داعش والمجموعات الراديكالية الأخرى. بالإضافة إلى أن موقفه من حركة الخدمة تغير أيضًا وبدأ يتهمها بالوقوف وراء تحقيقات الفساد في عام 2013، وبالتالي بكونها “حركة منحرفة تسعى لتشويه الإسلام” في سياق العالم الإسلامي، وبكونها “حركة إسلامية راديكالية” في سياق العالم المسيحي!
وبعد أن اتهم أردوغان كولن بتدبير الانقلاب الفاشل في عام 2016، أوردت النيابة العامة في مذكرة الاتهام الخاصة بكولن اتهامًا “رسميًّا” يزعم أن التحقيقات كشفت أن “زعيم منظمة فتح الله كولن… تم تعيينه باعتباره “الكاردينال السري” من قبل البابا يوحنا بولس الثاني أثناء لقاءهما في الفاتيكان”. كما أمر أردوغان رئاسة الشؤون الدينية بإعداد تقرير يحرّف ويضلّل بل يكفّر كولن وأفراد حركة الخدمة. إلا أن التقرير اعتبره علماء وكتاب محايدون تقريرًا سياسيًّا أعده “موظفون” يعملون لصالح الدولة / الحكومة ضمن مؤسسة رسمية ويحصلون على رواتبهم منها، الأمر الذي يزيل عنه صفة “العلمي” والموضوعي”.
3500 شرطي يحرسون أردوغان في الفاتيكان!
زيارة أردوغان المقررة إلى الفاتيكان أصبحت مدار حديث مواقع التواصل الاجتماعي أيضًا، وتطرق حساب “نبض تركيا” المختص في الشأن التركي على موقع تويتر إليها من خلال مجموعة تغريدات. وانتقد نبض تركيا قيام 3500 شرطي خاص بحراسة أردوغان خلال زيارته لبابا الفاتيكان يوم الاثنين القادم”، وتساءل قائلا: “أين أنت أيها الزعيم “الشعبي” من مبدأ: كن عند الناس فردا من الناس! ألم تكن أنت من كفّرت كولن للقاءه بابا الفاتيكان، وزعمت أنه تسلم منه مهمة تحريف الإسلام؟ وهل تريد أن تختطف منه ذلك الدور يا ترى؟!”، على حد قوله.
ثم لفت إلى التناقض الحاد الذي وقع فيه أردوغان في اتهاماته لحركة الخدمة إذ قال: “حركة الخدمة “إسلامية متطرفة” في الغرب؛ و”مسيحية” في الشرق (الإسلامي) بحسب أردوغان! أردوغان يقول للدول ذات الأغلبية المسلمة: مدارس حركة الخدمة سوف تجعل أطفالكم مسيحيين! بينما يقول للبلدان ذات الأغلبية المسيحية: مدارس هذه الحركة سوف تجعل أطفالكم مسلمين!”.
أردوغان على خطى كولن!
وتطرق “نبض تركيا” إلى تصريحات سفير تركيا لدى الفاتيكان محمد باتشاجي التي قال فيها بأن أردوغان سيطالب بابا الفاتيكان بمواصلة حوار الأديان معهم عوضًا عن حركة الخدمة”، حيث قال بأسلوم ساخر: “إن أجرى الحوارَ أردوغانُ فهو جائز، لكن إذا أجراه الآخرون فهو حرام!”، ثم سلط الأضواء على الفرق بين مفهوم حوار الأديان والهدف منه لدى كل من أردوغان وحركة الخدمة قائلاً: “الفرق أن الخدمة كانت “فاعلا” انطلقت من مقوماتها الذاتية بينما هو (أردوغان) أداة ومفعول في هذا المشروع”، وفق رأيه.
ثم فصل “نبض تركيا” هذا الفرق بين حركتي أردوغان والخدمة بقوله: “أردوغان سيقود حوار الأديان بالتعاون مع بابا الفاتيكان، مع أنه لا يؤمن به، بل هدفه من هذا الحوار وهذه الزيارة هو السعي لإزالة صورته الملتصقة بتنظيم داعش وكسر عزلته العالمية؛ أما حركة الخدمة فتؤمن بضرورة الحوار بين معتنقي الأديان كمبدإ إسلامي”، ثم أشار إلى الآية الكريمة (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).
وكشف “نبض تركيا” عن هدف أردوغان من حوار الأديار وزيارة الفاتيكان قائلاً: “والشاهد الملموس على أن هدف أردوغان من حوار الأديان وزيارته لـبابا الفاتيكان هو “عملية تلميع صورة قد تلطخت بـتنظيم داعش” تصريحات سفير تركيا لدى الفاتيكان نفسها حيث قال: “الزيارة ستسهم في خلق صورة إيجابية للفاتيكان داخل تركيا ولتركيا داخل الفاتيكان!” المسألة ليست الحوار بل خلق صورة!”، على حد تعبيره.