بقلم: ياوز أجار
أنقرة (زمان التركية) – بعد مداهمة فرق مكافحة الإرهاب مقر وقف “الفرقان” الإسلامي للتعليم والخدمات بالمدرعات والأسلحة الثقيلة في مدينة أضنة جنوب تركيا، واعتقال رئيسه الشيخ ألب أرسلان كويتول مع 25 شخصًا من رفقائه، من دون توجيه اتهام ملموس لهم، أقدمت السلطات على اتخاذ قرار بمنع جميع أنشطة الوقف.
أشار بيان صادر عن ولاية أضنة إلى تعليق أنشطة “الوقف” الموجود بمدينة أضنة وجميع فروعه بصورة مؤقتة بناء على الموافقات الصادرة عن وزارة الداخلية في الحادي والثلاثين من يناير/ كانون الثاني المنصرم، وذلك بموجب المادة 115 من القانون المدني التركي والمادة 33 من الدستور وفقًا لرؤى إدارة الأوقاف في إطار التحقيقات التي تحمل رقم 2016/47740 وتتولاها نيابة أضنة.
وقف الفرقان إحدى الجماعات الإسلامية العاملة في تركيا منذ عقود، ويقع مقره في مدينة أضنة وينشط في 3 مدن رئيسية، إلى جانب مدن أخرى، ومع أن المحللين يصنفونه ضمن “تيار الإسلام السياسي”، ويتطرق رئيس الوقف إلى قضايا سياسية في خطاباته من حين لآخر، إلا أنه لا يمارس السياسة، ويركز على أنشطة وخدمات مدنية وتعليمية ضمن القوانين المرعية في البلاد، ويتبنى منهجًا سلميًّا يرفض العنف، ويحذر أعضاءه من الانجرار وراء الحركات الاستفزازية.
حديث الشيخ عن الاعتقالات العشوائية أغضب السلطات
وخطف الشيخ كويتول الأضواء على نفسه بالتصريحات أدلى بها مؤخرًا والتي هزت الأوساط الحكومية وحلفاءها، حيث أكد كويتول أن الدولة العميقة / تنظيم أرجنكون هي التي تدير العمليات الأمنية ضد المواطنين المدنيين بدعوى انتماءهم إلى “حركة الخدمة”، وأن أردوغان بات رهين هذه الدولة العميقة بحيث لا يستطيع أن ينبس ببنت شفة إزاء “دوغو برينتشاك”، زعيم حزب الوطن وأحد القياديين البارزين في أرجنكون، على الرغم من أنه أعلن خلال بث تلفزيوني مباشر أنه من تنصت على مكالمات أردوغان ويحوز 38 تسجيلاً صوتيًّا يتعلق كلها بفساد أردوغان.
ووجه الشيخ كويتول في خطبة ألقاها مؤخرًا انتقادات لاذعة لحملات الاعتقال “التعسفية” التي تشنها القوات منذ المحاولة الانقلابية في صيف 2016. حيث استنكر في خطبته “الظلم” الذي تشهده تركيا حاليًا، ودعا أردوغان إلى تغيير اسم حزبه من “العدالة والتنمية” إلى “حزب الظلم والتنمية”، وأكد أن البلاد لم تشهد هذا القدر من الظلم على مدار تاريخها الطويل وأضاف: “لعنة الله على هذا النظام الظالم، ولا كتب الله نظام الحزب الواحد على تركيا مرة أخرى، فهناك عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء يقبعون داخل السجون ظلمًا بحجة الانقلاب الفاشل”.
وأدان كويتول أيضًا صمت رجال الدين تجاه هذا الظلم، ولفت إلى أن الظلم الذي تمارسه الحكومة تجاه آلاف الأبرياء ينفّر الناس من الدين، وأن السلطات تُسكت الجميع بحجة المحاولة الانقلابية، وتساءل عما سيحدث عندما يتبين أن مسؤولي الحكومة وأردوغان كانوا على علم بأمر المحاولة الانقلابية هذه، التصريحات التي تسببت في اعتقاله مع مجموعة من رفقاء دربه وتجميد أنشطة وقفه.
وبدأت تركيا تشهد نقاشًا حادًا في أعقاب اعتقال الشيخ كويتول في ظل وجود حكومة “إسلامية” من دون توجيه تهمة ملموسة، وأعاد هذا الأمر للأذهان التصريحات المثيرة التي أدلى بها دوغو برينتشاك، أحد أركان أرجنكون الموصوف في تركيا بـ”الحكومة السرية”، أكثر من مرة على مختلف الشاشات التلفزيونية.
كان برينتشاك أعلن حربًا على أردوغان عند خروجه من السجن عام 2014، عقب “التحالف الضروري المؤقت” بينهما، بعد ظهور فضائح الحكومة في 2013، حيث قال: “خرجنا من السجن كالسيوف المستلة من أغمادها، وسنقضي على كل الجماعات والطرق الإسلامية في تركيا وسنجتثها من جذورها. كما سنهدم الحكومة التي تريد تقسيم تركيا، وسنمزق سلطة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وسلطة الرئيس عبد الله جول وفتح الله كولن”، على حد قوله.
وقال في تصريحات أدلى بها لمجلة “نقطة” الإخبارية الأسبوعية في عام 2015 إن الرئيس أردوغان تم الاستيلاء عليه من جانب “القوى الوطنية”، قاصدًا بعبارة “القوى الوطنية” قادةَ وأنصار التيار القومي العلماني الطوراني المتشدد (Ulusalcılar)، الذين ينتمون إلى حزب الوطن، امتداد الحزب الاشتراكي وحزب العمال القديمين، بصورة أساسية، والذين يعتبرون أنفسهم “حراس الدولة التركية”، على حد وصفهم.
ليس لأردوغان كوادر في أجهزة الدولة
وأعلن برينتشاك في حوارٍ أجراه معه موقع “روتا” الإخباري في عام 2015 أيضًا أنهم من وضعوا “مشروع القضاء على حركة الخدمة” وليس حزب العدالة الحاكم والرئيس أردوغان، وأكد أنهم يستهدفون القضاء على كل الجماعات الإسلامية أصلاً، لكن أولويتهم هي القضاء على حركة الخدمة. وشدّد على أن العمليات الأمنية، التي تستهدف الخدمة ومؤسساتها التعليمية والخيرية، يتمّ تنفيذها في إطار البرنامج الذي وضعوه. وأفاد بأن الرئيس أردوغان انضمّ إلى صفّهم في مسألة فتح الله كولن، وأن أردوغان هو الذي تبنّى برنامجهم في هذا الصدد، وليسوا هم من ذهبوا إليه وتبنوا برنامجه.
وأعاد برينتشاك هذه التصريحات بعد الانقلاب الفاشل أيضًا، على شاشات القنوات، وأكد أنهم من أعدوا قائمة الأسماء الواجبة تصفيتها من الجيش وأجهزة الدولة الأخرى.
وتابع برينتشاك في تصريحاته لموقع روتا: “إن أردوغان عندما جاء إلى سدة الحكم في البلاد لم يكن لديه كوادر مؤهلة في مؤسسات الدولة لإدارة الأمور، فعمد إلى الاستفادة من كوادر منظمة فتح الله كولن، وشرع في التعاون معها حتى أطلقت حملة ضدنا عبر فتح قضية تنظيم ما يسمونه “أرجنكون” المزورة.. لكن بعد حدوث تغييرات جذرية في بنية جهاز القضاء تمّت تبرئة المتهمين في إطار قضايا مثل أرجنكون وباليوز وجيتام (مخابرات الدرك).. حيث أتى أردوغان إلى النقطة التي نقف نحن فيها”.
وادعى برينتشاك في تلك التصريحات أن حزب العدالة والتنمية لا يتمتع بقوةٍ في جهاز القضاء، وأن أعضاء المجلس الأعلى للقضاء والمدعين العامين يتألفون من أناس “جمهوريين” و”قوميين طورانيين” وليسوا من أنصار العدالة والتنمية. وزعم أن أردوغان سيحاكَم في محكمة الديوان العليا وقال: “هناك مدعون عامّون وقضاة يتمتعون بالضمير والشجاعة التي تكفي لمحاكمة أردوغان في محكمة الديوان العليا”.
الجدير بالذكر أن الكاتب والمفكر المتخصص في الفكر الإسلامي والحركات الإصلاحية علي بولاج المعتقل حالياً في إطار تحقيقات الانقلاب الفاشل، كان قال بُعيد نشوب خلاف بين حركة الخدمة وأردوغان في عام 2013 “إن عملية القضاء على نظام الوصاية والدولة العميقة (أرجنكون) بدأت تتجه اليوم في الاتجاه المعاكس بعد أن بدأت سنة 2002 (بوصول أردوغان إلى الحكم). ومع أن “البؤرة البيرقراطية العميقة” أو الدولة العميقة تدّعي اليوم (2014) أن ما يسميه “الكيان الموازي” رتّب مؤامرة ضدها عبر قضايا أرجنكون وباليوز وجيتام، إلا أنها من تحيك اليوم فعلاً “مؤامرة حقيقية” لكل الجماعات والحركات الإسلامية في تركيا وبمهارة فذة. الهدف الأول هو “حركة الخدمة” باعتبارها لقمة صعبة، ثم سيليها حزب العدالة والتنمية نفسه، ثم يعقبه الجماعات الإسلامية الأخرى واحدة تلوى الأخرى، باعتبارها لقمة سهلة. صدقوني، ولا يساورنّكم أدنى شك في ذلك، فإنه سيتم أكل الثور الأصفر أولاً، ثم الثور الأبيض، ثم الثور الأسود”.
خطة تنفير المجتمع من الإسلام
جدير بالإشارة إلى أن يوسف كابلان؛ المفكر والكاتب بصحيفة يني شفق، الموالية للرئيس أردوغان ادعى بعد الانقلاب الفاشل اقتراب الموجة الثانية والثالثة لهذا الانقلاب. إذ قال في مقال له: “إن الكماليين والفصائل العلمانية التركية هم من سينفذون الهزات الارتدادية للانقلاب. وهذه المرة سيبدأ الكماليون والعلمانيون بمهاجمة كل الجماعات والحركات الدينية دون تمييز بينها. وهذه الموجة بدأت بالفعل بعد ليلة الانقلاب. وفي الموجة الثالثة ستصطدم الجماعات ببعضها البعض، وستعمّ الفتنة والفساد والفوضى في كل مكان. وبهذه الطريقة سيتمّ تنفير المجتمع من الإسلام بسبب النقاشات الحمقاء وسيرتمي في أحضان العلمانية”.
اعتراف برينتشاك بأن جهازي الأمن والقضاء يخلُوانِ من أي كوادر تابعة لأردوغان، وأن أعضاء المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين يتألفون من أناسٍ “جمهوريين” و”قوميين طورانيين” يعطينا فكرة عمّن يقف وراء هذه العمليات التي بدأت في أعقاب بدء تحقيقات الفساد والرشوة عام 2013 وكسبت زخمًا كبيرًا بعد الانقلاب الفاشل الذي تصفه المعارضة بـ”الانقلاب المدبر”.
وفي ضوء تلك المعلومات، فليس من المستبعد أن يقول أردوغان في الأيام القادمة: “أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض”، كما قال المفكر الإسلامي علي بولاج.