(زمان التركية)ــ كشف في وقت سابق موقع مهتم بقضايا الشرق الأوسط مخططًا إسرائيليًا يهدف إلى تنفيذ عملية في الجنوب السوري مشابهًا لعملية “غصن الزيتون” التي تقودها تركيا حاليًا في الشمال.
وفي عام 2016 ذكرت الصحفية اللبنانية نور سماحة في تحقيقها المنشورعلى موقع (Al-Monitor) أنه تم الإعلان عن إنشاء وحدة اتصال اسرائيلية للتنسيق مع السوريين المقيمين في الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة في جنوب سوريا.
ولتشابه المخطط الإسرائيلي ولو نظرياً مع المخطط التركي، نعيد نشر التحقيق الذي جاء بعنوان (هل تنشئ إسرائيل منطقة آمنة في جنوب سوريا؟).
وجاء في تحقيق الكاتبة نور سماحة: تم توزيع مساعدات إسرائيلية في خلال شهر رمضان على 35 قرية في هذه المنطقة. في 11 تموز/ يوليو، نشر الجيش الإسرائيلي جرافات ودبابات في القنيطرة، داخل الأراضي السورية بعمق 300 متر، وبدأ الحفر مهددا بإطلاق النار على أي شخص يقترب منه.
وعلى الرغم من السياسة الإسرائيلية الرسمية القاضية بعدم التدخل في الحرب السورية – باستثناء تقديم العلاج لأكثر من 2000 سوري، بينهم مقاتلين من جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة – أكدت للمونيتور بعض الشخصيات من المعارضة السورية أن لديها علاقات قوية مع مسؤولين اسرائيليين ووجود اهتمام متزايد في إنشاء منطقة آمنة في جنوب سوريا، والوقائع على الأرض تثبت أن المشروع قد يكون قيد التنفيذ.
وقد زار كمال اللبواني، المعارض السوري والمؤيد لإنشاء منطقة آمنة في جنوب سوريا، مسؤولين في إسرائيل على مدى العامين الماضيين ولاحظ في خضم زيارته الأخيرة في شباط / فبراير الماضي تغيرا واضحا في لهجة صناع القرار الإسرائيليين.
وقال اللبواني للمونيتور: «فوجئت أنه تمت الموافقة على إنشاء منطقة آمنة في الكنيست وأنهم مستعدين للمساعدة إذا طالبنا بذلك،» مضيفا انه التقى عددا من كبار المسؤولين و الدبلوماسيين الأجانب لدعم فكرة المنطقة الآمنة.
ونقل اللبواني عن سفير الولايات المتحدة في إسرائيل قوله «إن الأميركيين لن يقولوا لا،» مضيفا إنه عندما تم تقديم الاقتراح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، «لم يقل لا«.
وشدد اللبواني إنه من المفترض إنشاء المنطقة الآمنة المقترحة التي وافق عليها الإسرائيليون بعمق 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية وحوالي 20 كيلومترا على طول الحدود، بدءا من جنوب هدار (قرية درزية موالية للحكومة) وصولا إلى جنوب القنيطرة، لتتضمن المنطقة 17 قرية مع عدد سكان يبلغ حوالى 15،000 نسمة.
وأوضح اللبواني «إن [الإسرائيليون] قالوا إنهم سيستخدمون أمنهم القومي كسبب معلل أمام المجتمع الدولي، وإنهم يريدون حماية حدودهم، ما سيسمح للأردنيين والأتراك بإنشاء [مناطقهم الآمنة الخاصة بهم] بعد قيام إسرائيل بذلك.
وقد أبصرت وحدة الاتصال النور في أيار / مايو 2016، وذلك بهدف تنسيق المساعدات الإنسانية والطبية للسكان في جنوب سوريا في محاولة لكسب القلوب والعقول. ويقال إن الوحدة ترتكز على وحدة ياكال الإسرائيلية التي استحدثت لجنوب لبنان في خلال الحرب الأهلية اللبنانية كآلية للتفاعل مع المواطنين والميليشيات اللبنانية.
عام 1975، في بداية الحرب الأهلية في لبنان، بدأت إسرائيل التواصل مع السكان في إطار ما سمي بسياسة السياج الجيد، وأنشأت اسرائيل بحسب سكان لبنان شبكة من المتعاونين مشددة على المخاوف الطائفية من الفلسطينيين. وفي غضون أشهر، أنشأت إسرائيل جيش لبنان الحر بقيادة اللبناني سعد حداد الذي تم فصله. وعام 1980، عندما كبر حداد وأصيب بمرض، أصبح اسم هذه القوة جيش لبنان الجنوبي وكانت بقيادة انطوان لحد، علما أن مهمة هذا الجيش كانت استهداف أعداء إسرائيل والفلسطينيين واللبنانيين، وتمهيد الطريق لغزو إسرائيل واحتلالها لجنوب لبنان.
ويبدو أن سيناريو مماثل بدأ يشق طريقه في جنوب سوريا بعد مرور 40 عاماً.
أما روبرت روك، رئيس قسم التاريخ في جامعة توسون في الولايات المتحدة، فقال للمونيتور إن «تاريخ اسرائيل الطويل في العلاقات على طول حدودها الشمالية وعبرها يجعلها لاعبا دائما يرى الوضع في سوريا الجنوبية ضمن معاييره الاستراتيجية.» وأضاف روك، وهو متخصص في شؤون إسرائيل وسوريا، إن «ما يجري أشبه بترتيب «السياج الجيد،» علما أنه إلى جانب العلاقات العامة والإنسانية الجيدة، لا شك أن هذه العملية تتضمن عملا استخباراتيا.»
تجدر الإشارة إلى أنه جراء الانسحاب القسري للحكومة السورية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة باتت المنطقة تحت سيطرة مجموعة متنوعة من فصائل المعارضة والجماعات المتطرفة، وما زاد الضغوط على السكان هو التدفق الداخلي للنازحين الهاربين من الاشتباكات بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة من جهة وبين فصائل المعارضة المتناحرة من جهة أخرى.
وقال اللبواني: «عندما تمد إسرائيل الشعب السوري في الجنوب بالمساعدات والأدوية، يتوقف هذا الشعب عن اعتبار إسرائيل كعدو له أو كخطر عليه. واليوم الجو مناسب جدا لذلك» مضيفا إن إسرائيل تدير شبكة شاملة لجمع المعلومات الاستخبارية والاتصالات في جميع أنحاء الجنوب.
وأضاف: «الناس فقراء وجياع الآن، لذلك هم مستعدين للتعاون مع أي شخص لقاء القليل من المال،» معقبا إن «بإمكان إسرائيل الوصول إلى أي مكان والحصول على الكثير من المعلومات.
أما موتي كاهانا الذي يعمل بشكل وثيق مع اللبواني والمؤسس الإسرائيلي الأمريكي لمنظمة أماليا غير الحكومية في الولايات المتحدة والتي تسعى للدفاع عن المنطقة الآمنة، فقال إن الحكومة الإسرائيلية أعطته الضوء الأخضر للعمل ضمن المنطقة الآمنة المحددة.
من مكتبه في نيويورك، قال كاهانا للمونيتور: «لقد بدأنا العمل.» وفي الأسابيع القليلة المقبلة، سنقدم الإمدادات إلى المنطقة الآمنة في سوريا.» وأضاف قائلا: «ستسمح لنا الحكومة الإسرائيلية بتقديم الإمدادات الإنسانية للشعب السوري،» مشيرا الى ان اسرائيل «مستعدة للسماح لمنظمة غير حكومية أمريكية – أي نحن – بتوسيع الإمدادات وتقديمها «.
وأوضح كاهانا إن المرحلة الأولى تقضي بجلب الأدوية والمعدات، فيما تسعى المرحلة الثانية لفتح المدارس والتركيز على التعليم، وتهدف المرحلة الثالثة إلى المساعدة في إنشاء قوات الشرطة المحلية وتجهيزها. وقال كاهانا: «لقد حددنا البلدات والقرى التي سيتم العمل فيها، ولكن لا أستطيع أن أكشف بعد عن مواقعها بالضبط،» رافضا تحديد جماعات المعارضة التي تنسق المنظمة معها.
وبعد إنشاء وحدة الاتصال، ظهرت فجأة المساعدات الإسرائيلية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. في هذا السياق، قال أبو عمر الجولاني، المتحدث باسم مجلس قيادة الثورة في القنيطرة والجولان للمونيتور: «لقد وصلت هذه المساعدات من مرتفعات الجولان المحتلة بفضل شبكة من المتعاونين مع الإسرائيليين.
وأضاف: «لا نعرف من هم، ولكنهم عملوا في جوف الليل وقاموا بتوزيع المساعدات على 35 قرية، بما في ذلك صيدا الجولان، صيدا الحانوت، غدير البستان والحيشا،» وهو ما يشير إلى نظام توزيع منتظم بحسب الجولاني مع قدرة وصول واسعة إلى جميع أنحاء المنطقة.
هناك حوالي 14 لواء في المنطقة، من الجيش السوري الحر لجبهة النصرة وشهداء اليرموك التابع للدولة الإسلامية. وبحسب اللبواني «ما من مجموعة من هذه المجموعات لديها مشكلة مع إسرائيل، والعكس صحيح أيضا.» وأضاف «إن المشاكل داخلية بين مختلف المجموعات.
أما عصام الزيتون، المعارض السوري الذي يتمتع بعلاقات مع إسرائيل، فأكد أيضا وجود علاقة سرية بين إسرائيل وعدد من قادة الألوية، وتحديدا تلك التي تشارك في مركز العمليات العسكرية في الأردن. الزيتون، وهو السوري الوحيد الذي دعته إسرائيل لحضور مؤتمر الأمن السنوي في هرتسليا، هو من المدافعين عن إنشاء منطقة آمنة بموافقة إسرائيل.
وقال الزيتون للمونيتور: «لقد عملت على مدى السنوات الخمس الماضية لفتح هذه النافذة المغلقة،» في اشارة الى الشراكة مع إسرائيل. وأضاف قائلا: «لقد تم غسل أدمغتنا لعقود من الزمن بهدف إقناعنا أن إسرائيل عدوتنا. إلا أن هذا منافي للحقيقة، وإسرائيل هي الوحيدة التي تقوم بضرب أعدائنا.
وبحسب الزيتون، المنطقة الآمنة المقترحة «تبدأ من جباتا الخشب [جنوب هدار] وتمتد إلى صيدا الجولان وتل الحارة» أي أنه تخطى الإحداثيات التي قدمها اللبواني، مسلطا الضوء على المناطق التي تم توزيع المساعدات الاسرائيلية فيها مؤخراً.
بالنسبة لإسرائيل، من المفيد جدا إنشاء منطقة آمنة في المنطقة إذ بإمكان هكذا مشروع منع القوة الجوية السورية من الطيران فيها على مقربة من الحدود ومنع حزب الله من شن هجمات على الجولان المحتلة، ما يسمح لإسرائيل ترسيخ قبضتها على أراضي يدعي قادتها أنها تنتمي لها ويناشدون المجتمع الدولي للاعتراف بأنها كذلك.