تقرير: حمزة قدير أوغلو
برلين (زمان التركية) – أعلنت تركيا السبت الماضي انطلاق عملية عسكرية سمتها “غصن الزيتون” بهدف “إرساء الأمن والاستقرار على حدود تركيا والمنطقة، والقضاء على وحدات حماية الشعب الكردية وداعش في مدينة عفرين”.
وتركيا تعتبر عناصر وحدات حماية الشعب الكردية تنظيما إرهابيا وامتدادا لحزب العمال الكردستاني في سوريا.
وقال الجيش التركي في بيان له، إن العملية “تجري في إطار حقوق تركيا النابعة من القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن حول مكافحة الإرهاب وحق الدفاع عن النفس المشار إليه في المادة 51 من اتقافية الأمم المتحدة مع احترام وحدة الأراضي السورية”.
وأعلنت تركيا أنها لا تنوي البقاء في الأراضي السورية وهدفها الوحيد القضاء على ما أسمته “التنظيمات الإرهابية” في منطقة عفرين شمال سوريا.
لماذا سمحت روسيا والنظام السوري بدخول تركيا إلى عفرين؟
قال نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، قبل يومين من انطلاق عملية غصن الزيتون يوم الخميس الموافق 18/يناير-كانون الثاني/2018 إن أي عملية قتالية تركية ضد عفرين ستعتبر عملًا عدوانيًا. وأكد أن الدفاعات الجوية السورية مستعدة لتدمير أي أهداف جوية تركية إذا شنت طائرات تركية هجومًا على عفرين. وتابع “نحذر القيادة التركية أنه في حال المبادرة إلى بدء أعمال قتالية في منطقة عفرين فإن ذلك سيعتبر عملًا عدوانيًا”.
كما شدد نائب الوزير على أن “سوريا ستقابل أي تحرك تركي عدواني أو عسكري بالتصدي الملائم”، مشيرًا إلى أن “عفرين خاصة، والمنطقة الشمالية والشمالية الشرقية من الجمهورية العربية السورية كانت منذ الأزل وستبقى أرضا عربية سورية”.
وقد انسحبت قوات روسية، يوم الجمعة، من محيط مدينة عفرين شمالي سوريا باتجاه مناطق سيطرة النظام شمالي حلب، وذلك قبيل عملية عسكرية تركية مرتقبة ضد تنظيم ب ي د/ حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الكردي الذي يسيطر على المدينة.
جدير بالذكر أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، التقى قبيل عملية عفرين، رئيس هيئة الأركان العامة التركي خلوصي أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات التركي هاكان فيدان، في العاصمة موسكو.
وقالت وزارة الدفاع الروسية، في بيان بعيد اللقاء، إن اللقاء “جرى في أجواء بناءة”.
الأكراد يرفضون عرضا للنظام السوري
حمّل أكراد سوريا، روسيا، مسؤولية الهجوم العسكري الذي تنفذه أنقرة وقوات سورية موالية لها على عفرين، كاشفين عن عرض رفضوه من قبل روسيا والنظام قبل ثلاثة أيام، قضى بتسليم عفرين للنظام السوري، وهو ما دفع روسيا لمنح تركيا غطاء سياسياً للتوغل إلى ثالث مقاطعة فيدرالية شمال سوريا الكردية.
وكشف القيادي في «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي إبراهيم إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»، أن اجتماعاً عقد قبل يومين من بدء الهجوم التركي على عفرين في قاعدة حميميم العسكرية، ضم مسؤولين أكراداً وآخرين من النظام السوري برعاية روسية، تلقى خلاله الأكراد عرضاً بتسليم عفرين إلى النظام، لتجنيبهم معركة تركية في عفرين.
وقال إبراهيم الذي يشغل موقع “عضو الهيئة الإعلامية” في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومسؤوله الإعلامي في أوروبا: “رفضنا الموضوع بالمطلق؛ لأن روسيا أرادت ابتزاز الإدارة الذاتية والضغط عليها للقبول بتسليم عفرين لقوات النظام السوري”.
ما الذي تغير؟
وفي هذا السياق قال الخبير الروسي أوليغ موسكفين وأندريه ريزشيكوف في مقال نشره موقع “روسيا اليوم” أن روسيا وتركيا تتفاوضان على صفقة كبرى حول عفرين، وهي مدينة يريد أردوغان احتلالها بشدة، فيما يسيطر عليها- حتى كتابة هذا المقال- الأكراد أصدقاء روسيا، حيث توجد قوات روسية. وهناك من يقول بأن موسكو تريد أن تسلم هذه المدينة إلى أنقرة، والحصول على شيء في المقابل.
ويضيف المقال أن الأحداث في عفرين يمكن أن ترتبط ارتباطا وثيقا بما يحدث في منطقة أخرى، هي إدلب. فكما هو معروف، في إدلب، ينقسم التأثير بين عدة مجموعات، من أهمها حركة “هيئة تحرير الشام” التي وصفها بـ”الإرهابية”. وتحاول القوات السورية الموالية للحكومة إحكام السيطرة على قاعدة “أبو الضهور” الجوية. ونتيجة لذلك، ينبغي أن تصبح هذه المنطقة مجردة من السلاح مع الحفاظ على الحكم الذاتي المحلي. وقد وافقت أنقرة على عدم التدخل في ذلك وسحب الوحدات الموالية لتركيا من جنوب إدلب، وفق المحلل الروسي.
وقال رئيس دائرة دراسات نزاعات الشرق الأوسط في معهد التنمية الابتكارية، أنطون مارداسوف، أن روسيا لا يمكنها الآن أن تعوق عملية الأتراك في عفرين.
وأضاف مارداسوف، لصحيفة “فزغلياد” إن “دمشق تتمنى لو تقوم تركيا بجمع أكبر عدد ممكن من فصائل المعارضة لمهاجمة عفرين، العملية التي ستمكن دمشق من السيطرة على أقصى قدر ممكن من الأراضي في إدلب.
وسيطرت قوات النظام السوري والميليشيات التابعة لإيران، بدعم جوي روسي، على مطار أبو ظهور العسكري بمحافظة إدلب الشمالية الموجودة ضمن مناطق خفض التوتر قبل يومين.
وتؤكد الأخبار أن القوات التابعة للنظام السوري تواصل تقدمه في مدينة إدلب.
كما تخلت أمريكا منذ بداية انطلاق عملية غصن الزيتون عن أكراد مدينة عفرين.
أعرب وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، أنه لا يعتقد اصتدام بلاده مع حليفتها في حلف شمال الأطلسي تركيا على خلفية الأحداث التي تجري في عفرين السورية .
كما طالبت أمريكا الأكراد بتجنب حشد القوات لنصرة المسلحين الأكراد في مدينة العفرين، مهددة بالتخلي عن الدعم للمسلحين في حال توجههم إلى عفرين.
نفس السيناريو حدث في حلب!!
تحدث الخبراء عن تأثير مشاركة الفصائل السورية في درع الفرات على جبهة حلب كثيرًا.
وقال بكر صدقي من صحيفة الشرق الأوسط إن تركيا تخلت عن حلب للروس، مقابل إطلاق يدها ضد الكيان الكردي في الشمال، بدلالة الدور المحتمل للاستخبارات التركية في اغتيال القيادي الكردي البارز باهوز أردال.
وأضا صدقي: “إذن في ظل تطمينات أمريكية بشأن عدم تمدد الكيان الكردي إلى غربي نهر الفرات، وسماح روسي بحرب استخبارية تركية ضد الفرع السوري للعمال الكردستاني، لا يستبعد أن تتطور إلى حرب أوسع، مقابل تخلي تركيا عن فصائل المعارضة الإسلامية الحليفة لتركيا، والقبول بحصار حلب ضمناً”.
الصفقة قريبة بين أردوغان والأسد.. وغصن الزيتون الأخير!
رغم هجوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على نظام الأسد ووصفه إياه مؤخرا بـ”الإرهاب”، إلا أنه ليس من المستبعد وجود صفقة غير معلنة بين الطرفين، وخاصة في ظل التعاون الخفي في مدينة عفرين وحلب وإدلب بتوسط روسي.
وأردوغان لم يستبعد إمكانية إجراء اتصالات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، في إشارة إلى أن موقفه قد يلين تجاه رئيس النظام السوري في شهر نوفبر الماضي.
ورداً على سؤال عن احتمالية إجراء اتصال أو تعاون مع الأسد، في ظل معارضة الزعيمين للمقاتلين الأكراد، قال أردوغان لصحافيين: “الأبواب السياسية دائماً مفتوحة حتى اللحظة الأخيرة”.
كان ذلك أثناء عودته من لقاء ثلاثي مع روسيا وإيران لدعم تسوية سلمية في سوريا، جرى في منتجع سوتشي على البحر الأسود نهاية العام الماضي.
أكد على ذلك مؤخرا رئيس حزب الوطن التركي المقرب من النظام السوري وروسيا دوغو برينتشاك، أحد رموز الدولة العميقة تنظيم أرجنكون (حسب المحكمة التركية التي حكمت عليه في وقت سابق بتهمة تشكيل تنظيم للقضاء على السلطة السياسية في تركيا ثم أفرج عنه أردوغان بموجب صفقة جرت بينهما).
وأكد برينتشاك خلال مداخلته الأسبوع الماضي على قناة خبر ترك أن الرئيس أردوغان لا بد أن يتعاون مع نظام الأسد للقضاء على ما سماه الإرهاببين من حزب العمال الكردستاني شمال سوريا، مشددا على أنه لا يستبعد صفقة قريبة بين الطرفين في ظل تعاون مشترك غير معلن في عفرين، وذلك بسماح النظام السوري اختراق مجاله الجوي أمام المقاتلات التركية.
وكانت صحيفة آيدينليك التركية المقربة من برينتشاك أعلنت العام الماضي بدء محادثات بين الحكومة التركية والنظام السوري.
وبذلك يتبين أن غصن الزيتون في الحقيقة صفقة قدمتها تركيا بقيادة الرئيس أردوغان للنظام بشار الأسد، فيما قدمت للأكراد الصواريخ والأسلحة والدمار.
مكاسب الرئيس أردوغان من “عفرين“
وأخيرا أنه لا شك أن مكاسب الرئيس أردوغان داخليا تكمن في كسبه دعم القوميين الأتراك، وخاصة بعد إعلان التحالف بين حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة أردوغان وحزب الحركة القومية بقيادة دولت بهشالي.
هذا وأعلن الحزبان الأسبوع الماضي تشكيل لجنة لبحث هذا التحالف في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في تركيا عام 2019.