(زمان التركية)ــ هاجم نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض أوزتورك يلماز سياسة تركيا تجاه سوريا التي تحولت فجأة إلى العداوة عقب الانتفاضة السورية في 2011؛ معتبراً أن هناك من عززوا الشقاق بين أردوغان والأسد من أجل مصالحهم، مشددًا على أن تركيا “تُدفع دفعًا إلى فخٍ في سوريا”.
وأجرى موقع (أحوال تركيا) حوارا مطولا مع أوزترك يلماز. طرح معده الأسئلة التالية:
– بماذا يمكنكم ربط الإعلان عن عملية “عفرين” في الأيام التي تم الكشف فيها عن تشكيل تحالف بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية (معارض) ؟ وهلا تحدثت إلينا عن قرار الشراكة بين الحزبين؟.
تحالف الشراكة بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية ظهر كما تعلمون لأول مرة إبّان الاستفتاء الدستوري الذي شهدته تركيا في 16 أبريل 2017. لكن الآن أعرب رئيسا الحزب الأول (بن علي يلدريم)، والثاني (دولت بهجه لي)، عن رغبتهما في تعميق هذا التحالف. وأوضحا أنهما سيخوضان أول استحقاق انتخابي قادم في العام 2019، في ظل تحالفهما. وحزب العدالة والتنمية يحاول اللعب على أرضية أكثر قومية، من منطلق مصطلحاته هو. لكننا نعرف أنه حزب ليس وطنيًا ولا قوميًا. لأنه لو كان كذلك لاتخذ كأبسط شيء الخطوات اللازمة، بشأن أزمة الجزر الموجودة في بحر إيجه وتحتلها اليونان. لكننا لم نسمع لهم صوتًا في هذا الشأن. وكذلك المفاوضات الجارية بشأن الجزيرة القبرصية، تحولت إلى تنازلات، ولم يستطع أصحاب ذلك الحزب، تقديم أي قيود حيال ذلك. وطنية وقومية العدالة والتنمية لا تظهر إلا في الميادين والتجمعات الانتخابية، أما على أرض الواقع فلا نرى لها أثرًا يذكر.
وبخصوص عملية “عفرين”، فمنذ زمن طويل والجدل دائر بشأنها. كانوا يقولون في السابق إنهم لن يسمحوا لـ”بي كا كا” (حزب العمال الكردستاني) بالعبور لشرقي الفرات. لكننا الآن نرى أن “بي كا كا” بات يسيطر على مساحة تبلغ 650 كيلو مترا، بدءا من العراق عند الحدود الجنوبية لتركيا، وحتى نهر الفرات. وفيما بعد قالوا لن نسمح له (حزب العمال الكردستاني) بالعبور للغرب. وعلى عكس ما يقولون، أسست القوات الكردية كانتونات في عفرين. وفيما بعد أعلنت وحدات حماية الشعب الكردية، منطقة “روج آفا” تحت اسم منطقة فيدرالية ذاتية الإدارة. وعلى نفس الشاكلة لم نرَ من حزب العدالة والتنمية أي تحرك حيال كل هذه التطورات، سوى إطلاق التهديدات والوعيد هنا وهناك.
– حسنًا، لماذا الرئيس أردوغان مصمم بهذا الشكل بخصوص “عفرين” ؟.
حزب العدالة والتنمية في تركيا لم يقرأ جيدًا معادلة التوازنات في سوريا، وأوصلوا الملف السوري لوضع أشبه بمأزقٍ لا يمكن الخروج منه. سوريا حاليًا، وبحكم الأمر الواقع يتم تقسيمها. ولا يوجد شيء ملموس باليد بخصوص التوصل لحل سياسي لإنهاء الأزمة التي تشهدها البلاد. التقسيم من الممكن أن يفيد الجميع، لكنه لن يعود على تركيا بأي طائل أو فائدة على الإطلاق. لا توجد أية خطة بيد تركيا التي ينبغي عليها أن تعرقل الانقسام، وتكون أكثر الجهات الفاعلة تأثيرًا في تلك الأزمة. وفي المقابل حمّلوا تركيا مهمة حماية الجماعات الجهادية في إدلب، ويضعونها في نفس الخانة مع تلك الجماعات. أي أنهم حددوا مساحة مناورات تركيا بحماية الجماعات الجهادية في المدينة المذكورة حتى مدينة “الباب”. هذه السياسة لن تسفر عن شيء. ولا شك أنه لو كان هناك حوار مع الأسد اليوم، لحلت الأزمة السورية بدون الحاجة إلى أي تدخل في عفرين. تمامًا مثلما رفع الأسد علم بلاده على جزء من “منبج”، وحل الأمر دون الحاجة إلى عملية عسكرية. هذا كان من الممكن القيام به؛ لكن تركيا لا تعمل حاليًا على استيراتيجية يمكن أن تكسب بها. وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأميركية، في طريقها لتشكيل كيان شرقي الفرات، تعمل حاليًا على تشكيل جيش من المنتظر أن تستخدمه بشكل واضح ضد الأسد غربي الفرات، وضد العراق. والعدالة والتنمية لا يفعل شيئًا حيال الأمر؛ وذلك لأن الحكومة التركية هي السبب في وصول الأمر لهذه النقطة.
على جانب آخر ماذا سيحدث في إدلب؟ هل ستنشأ دول أخرى في تلك الأماكن التي يسيطر عليها هؤلاء المعارضون؟ الشئ الذي لا بد من فعله حيال ذلك هو تسليم تلك المناطق بشكل فوري للنظام، وبذلك يتم تعزيز قوته، وتتسنى له السيطرة على البلاد من جديد. لا بد أن تشهد سوريا ميلاد فترة سياسية جديدة. وحينما تبدأ سيظهر إن كان الأسد سيبقى على رأس السلطة أم لا. وأنا شخصيا لا أعتقد أنه يمكن له البقاء بعد الانتقال إلى عملية ديمقراطية في البلاد؛ وذلك لأن مصيره سيكون من خلال تصويت ديمقراطي. لكن على الجانب الآخر، ثمة تطورات من شأنها تقسيم سوريا. فها هي منطقة “داعش” شرقي الفرات، لم يتم تطهيرها بالكامل، وهناك أيضًا كيانات مختلفة في المناطق الأربعة التي تسمى “مناطق خفض التصعيد”. وهي مناطق تتم حمايتها. ففي الوقت الذي تستمر فيه مخطات التقسيم، لا توجد أية جهود من أجل توحيد البلاد، والحفاظ على سيادة أراضيها، وتكوين حدود آمنة عند حدودنا الجنوبية.
حكومة العدالة والتنمية بقيامها بعملية عسكرية في “عفرين”، فإنها تقدمها للرأي العام على أنها نصر كبير وعمل بطولي، لكن هذه الخطوة لن تعرقل مخطات تقسيم سوريا..فمثلا إذا رحلت عناصر “بي كا كا” عن “عفرين”، ماذا عن شرقي الفرات الذي تتواصل فيه أيضًا مساعي تأسيس دولة. وهذا يعني أن الحكومة التركية تركت الحل الذي يصب بمصلحة الوحدة في سوريا، وتعمل على حلول أخرى تساعد على التقسيم وهي تحاول تسويق المكاسب الضيئلة التي تحققها من وراء ذلك، وتقدم نفسها وكأنها فعلت شيئًا كبيرًا، طمعًا في أصوات الناخبين.
– قلتم من قبل إن تصريحات الحكومة بشأن “عفرين” كانت من أجل كسب أصوات الشريحة القومية في تركيا، لكن هل العدالة والتنمية يغامر بهذا المأزق من أجل مجرد انتخابات؟.
من أحضر صالح مسلم، الرئيس المشترك السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، إلى تركيا، والتقى به؟ حكومة العدالة والتنمية هي من فعلت ذلك. من أجرى مباحثات أوسلو (مع حزب العمال الكردستاني عام 2010)؟ هي نفس الحكومة التي استقبلت كذلك مسعود بارازاني، وكانت تتفاخر بذلك. وإذا انتبهتم للأمر، لوجدتم أن تلك الحكومة تقوم بذلك حينما تكون الأمور في صالحها، أما إن كانت غير ذلك، فكانت لا تقدم على هذه التصرفات. هذه الحكومة ليست لديها أية خطوط، أو مواقف ثابتة، ولا تمتلك أية نظرة قومية. فهي تعمل وتلهث وراء أشياء لا طائل من ورائها. فالمهم بالنسبة لهم الآن، هو التظاهر وكأنهم يفعلون شيئًا من أجل سوريا، وفي حقيقة الأمر لا تشغلهم مسألة الحفاظ على التراب السوري. من المهم بمكان لتركيا هو تحقيق الأمن على الحدود.
ولا شك أن تركيا يجب أن تأخذ كافة التدابير اللازمة في كافة الأمور المتعلقة بأمنها. ولا يحق لأي أحد على الإطلاق أن يقول لها “لماذا تتصرفين بهذا الشكل؟” ضد العناصر التي تهدد أمنها. سؤال كهذا ليس من حق أحد أن يسأله. لكن في النهاية نحن على دراية كبيرة بتوجه الحكومة، لا تقوى على اتخاذ أية تدابير في هذا الصدد. هذه الحكومة تسعى دائمًا لاستغلال كل شيء في السياسة الداخلية، في مسعى منها لحصد الأصوات الانتخابية من وراء ذلك. فنحن نعرف جيدًا أنها قبل أية انتخابات كانت تدعو بارازاني، وتحضره لتركيا، وذلك من أجل الفوز بأصوات الناخبين الأكراد. وفيما بعد تتفرق السبل بينها وبين بارازاني. والآن يريدون أن يتصالحوا مجددًا. لأجل ذلك فهذه الحكومة لا حدود لها، حتى في سوريا.
– سبق وأن قلتم، إن “تركيا إذا تم جرها للدخول في اشتباكات هنالك (في سوريا) مع التنظيمات الإرهابية، فإن المرحلة الثانية ستكون تأليب الأوضاع الداخلية فيها. حسنًا، ماذا ينتظر تركيا في هذه المرحلة؟.
ثمة تهديدان محدقان بتركيا، الأول هو أننا من الممكن أن نكون وجهًا لوجه مع روسيا في “عفرين”، والثاني هو أن تنظيم “بي كا كا” شرقي الفرات، من الممكن أن يجعلنا في مواجهة مع تنظيمات مسلحة أخرى. فهذان أمران يجب الانتباه لهما جيدًا.. والمتربصون من الممكن أن يؤلبوا الأوضاع داخل تركيا.
– مطلع الأسبوع كان لكم تصريح قلتم فيه “تركيا تنساق لفخ (في إشارة لعملية عفرين)، فهلّا أوضحتم لنا هذه المسالة.
نعم، تركيا من الممكن أن يجرها “بي كا كا” لفخ الصدام مع روسيا في “عفربن”. وبواسطة نفس التنظيم أيضا من الممكن أن تقع في فخ مماثل للصدام مع الولايات المتحدة الأميركية في منطقة شرقي الفرات. وبالتالي فإنه في ظل أجواء بهذا الشكل، من الممكن أن تتفجر الأحداث داخل تركيا. وهذا أمر خطير باستمرار، بل جد خطير. ومن ثم ينبغي عدم السقوط في الفخ. ولو قامت تركيا بأية عملية، فعليها أن تفعل ذلك باستيراتجيتها الخاصة، وليس بعقل الآخرين ومنطقهم.
– سبق وأن أطلقتم سلسلة تحذيرات بخصوص التطورات الأخيرة في إدلب، فما هو مغزى تلك التطورات بالنسبة لتركيا؟.
على تركيا وبشكل عاجل أن تسلم إدلب للأسد، وإذا لم تفعل فهناك خطر، وتهديد أيضا.
– ما هو هذا الخطر ؟؟.
المعارضون للأسد ممن تدعمهم تركيا، لما خسروا في حلب، ماذا فعلوا؟ ألم يهربوا لإدلب، واستقروا بها؟ والآن إدلب تشهد عملية وهم. سيهزمون. حسناً، إذا هزموا أيضا في إدلب، فإلى أين ستكون وجهتهم؟ ستكون تركيا بالطبع. وقدوم ما يقرب من 25 ألف جهادي لتركيا، خطر كبير بالنسبة لأمننا القومي. لذلك يتعين منح إدلب لنظام الأسد، ومن المهم العمل بشكل جماعي من أجل تحقيق الأمن في سوريا، والمصالحة بين المعارضين والأسد. الولايات المتحدة تستخدم التنظيمات الإرهابية وتدير أمورها، فلماذا نحن عاجزون عن الدخول في حوار مع النظام السوري؟.
– أنتم ممن يتابع عن كثب سياسة العدالة والتنمية بخصوص الأزمة السورية، وتوجهون لها انتقادات، فمن وجهة نظركم أي سياسة كان لا بد له اتباعها بشأن سوريا؟.
تركيا اعتقدت أنها ستفوز بشيء من هراء الربيع العربي، أي أنها رأت أنه من الممكن أن تشهد سوريا تشكيل حكومة على طراز الإخوان المسلمين المقربين لديها. وفي تلك الفترة زادت من وتيرة دعمها لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
لكن علينا ألا ننسى أن تركيا زُج بها في فخٍ بسوريا. ومن نصبوا هذه المكيدة والشرك، نجحوا في توسيع الفرقة بين الأسد وأردوغان. حسنًا ماذا حدث بسبب ذلك؟ لو لم تكن تركيا في تلك الفترة أداة تم استخدامها لتنفيذ استيرايجية تحجيم الأسد، لما وصل عدد السوريين الموجودين بيننا في تركيا إلى 3.5 مليون لاجئ، ولا كنا قد أنفقنا ما يقدر بـ30 مليار دولار كمساعدات لهم. بل لو لم تكن تركيا كذلك، لما فجرت الجماعات الجهادية والأصولية متفجراتها، ولما تشرذمت سوريا كما هو حالها الآن، ولما دب بلاء “داعش” في أوصال العراق، ، أبدًا ما كان شيئًا ليحدث مما نراه اليوم، حتى إن ضريح “سليمان شاه” كان سيظل في مكانه ولن يضطر أحد لنقله لمكان آخر. ولما تعرضت القنصلية التركية في الموصل للدهم من قبل تنظيم “داعش”. كل هذه الأمور بدأت بسبب وجود خطأ في السياسية التركية الخاصة بسوريا. لقد كان العدالة والتنمية أداة بقصد أو بغير قصد.
– ماذا ينبغي أن تكون المواقف التركية القادمة بشأن الأزمة السورية؟
على جميع الجهات الفاعلة الدولية في سوريا، العمل في سبيل التوصل لحل تكاملي شامل، وليس من أجل حل جزئي. على الجميع بلا استثناء من عرب وغير عرب، التحرك العاجل من أجل حل سياسي في البلاد. نحن حاليًا نستنفذ بعض قواتنا من أجل الجهاديين في إدلب، ومن أجل “بي كا كا” في عفرين. لكن مجددًا أؤكد على ضرورة أن تكون هناك استيراتيجية بإمكانها حل كل هذه الأمور، وهذه الاستيراتيجية هي، وحدة الأراضي السورية.
فبعد بدء العملية السياسية في سوريا، وتحقيق وحدة أراضيها، ستصبح هذه الهياكل والكيانات دائمة. وسيكون من الصعب تفكيكها بل وستصبح وكيلة من الباطن داخل البلاد لدول أخرى قوية. بل من الممكن استخدامها أيضا ضد تركيا. ومن ثم يتعين علينا أن نضع عقولنا في رؤوسنا، ونبذل قصارى جهودنا من أجل تسريع عملية التوصل لحل سياسي في سوريا، يجب علينا أن نجعل من جهودنا في هذا الصدد مغامرة نحقق من خلالها استيراتيجية من يريدون توحيد المنطقة، لا استيراتيجية من يريدون تفرقها وتشتتها.
– كيف يمكنكم تقييم المخطط الذي ينوي التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة تنفيذه بخصوص إنشاء قوة أمنية حدودية قوامها 30 ألف شخص؟.
هذا المخطط نراه خاطئًا تمامًا. فالولايات المتحدة تريد إعادة تنظيم وهيكلة هذه المنطقة، ولا شك أنها ستلحق الضرر الأكبر بإخواننا الأكراد الموجودين هناك؛ لأن واشنطن تبحث عن وكلاء رسميين لها، وهي تستخدم تنظيم “بي كا كا” لهذا الغرض. إذ تريد أن تستخدمه كتهديد لتركيا، والعراق وأيضا سوريا. الولايات المتحدة، تريد من خلال تأسيس كيان هناك، وقف التمدد الإيراني في المنطقة أي في سوريا، وذلك بالشكل الذي ترغب فيه المملكة العربية السعودية. المنطقة يعاد تقسيمها من جديد لتصبح أجزاءً صغيرة. ومن المؤسف أن هذا يتم بواسطة الدول التي يتعين عليها السعي لاستعادة سوريا لعافيتها، وتحمل على عاتقها مسؤولية ذلك.
– ما رأيكم في مزاعم انفصال تركيا عن حلف شمال الأطلسي(ناتو)، واقترابها من تحالف أوراسيا؟.
روسيا تريد انفصال تركيا عن الناتو. دعيني أتطرق إلى هذه النقطة وأنا أحذر من السياسات المتبعة في سوريا. على القيادة التركية ألا يكلفها غضبها من أميركا ذات مرة، سعيها للانفصال عن الحلف. وإذا كان لا بد وأن تنفصل، فمن الحتمي تقييم هذا الأمر بشكل منفصل عن أية اعتبارات أخرى. ومع هذا فأنا أرى أنه لا فائدة أو نفع قد نجنيه من وراء هذه الخطوة. وأؤكد أنه لا فائدة في انفصال تركيا عن الناتو، وغلق كافة أبواب الاتحاد الأوروبي أمامها، وابتعادها عن المجلس الأوروبي، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أي ابتعادها عن العالم المتحضر بأكمله. وحلف الناتو إن كان لا يفيد في أي شيء مطلقًا؛ لكن على الأقل أن أي دولة عضوة في الحلف لا يمكنها شن عمليات ضد تركيا لأنها دولة عضوة مثلهم. وهذه القرارات يتم اتخاذها بإجماع الآراء. وما أراه، هو أن تركيا منعزلة عن العالم أجمع لأنها انطوت على نفسها داخليًا بما تتبناه من نزعة استبدادية، وبما تنتهجه من سياسات مذبذبة وصلت لدرجة أن ما تقوله لا يتناسب مع ما تفعله. أي ما نقوله اليوم، يختلف عما نقوله بالغد. أمر ليس بسيطًا. وعندما تتفوهون بكلام سيئ، فلا شك أن هذا يأخذ وقتًا طويلا حتى يُستساغ. ولعل خير مثال على ذلك حادثة الطائرة الروسية التي أسقطتها الدفاعات التركية عام 2015، وبسببها لم تعد العلاقات بين البلدين لطبيعتها حتى الآن.
لا شك أننا دائمًا ما نقدم تنازلات. فها هي التنازلات التي نقدمها في مشروع السيل التركي الذي سيوفر نقل الغاز الطبيعي الروسي إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، وكذلك الإمكانيات التي نقدمها في عملية إنشاء المفاعل النووي فى محطة الطاقة النووية “أكويو” جنوبي البلاد. كما نقدم إمكانيات كبيرة لروسيا عند شراء الغاز الطبيعي، ونفس الأمر فعلناه في صفقة منظومة صواريخ اس 400 المتطورة التي أبرمناها مع موسكو. فالعلاقات لا تتقدم إلا بهذا الشكل. وكأن تركيا تقدم إمكانيات وتنازلات كبيرة حتى يتسنى لها إعادة إصلاح العلاقات مرة ثانية. فهذا الأمر لا ينبغي أن يحدث، وعلى الحكومة التركية ألا تكون مهتزة بهذا الشكل في علاقاتها مع الدول الأخرى، لأن ذلك يصّعب الأمور كثيرًا. لذلك على تركيا أن تقدر حساباتها بنفسها، وذلك لأن انتتهاج سياسة بعين الآخرين، أمر لا يلحق ضررًا إلا بنا نحن. فعلى سبيل المثال عدم تطوير العلاقات مع الرئيس المصري السيسي، أمر يضر تركيا. قد يخرج أحدهم ويقول، إنه لا توجد ديمقراطية في مصر، وهذا أقول له إنك قتلت الديمقراطية في بلدك أنت، وقد يخرج آخر ويقول السيسي ديكتاتور، وهم أيضًا(النظام المصري) يقولون عليكم مستبدين.
– كيف يمكنكم تقييم التغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية التركية منذ وظيفتكم بالموصل وحتى يومنا هذا؟.
السياسة الخارجية التركية، منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا، أخذت منحى سيء، بل وصلت لنقطة لا يمكن الخروج من داخلها. بل وأرى أنه من غير الممكن قدرة هذه الحكومة على إعادة تصويب تلك السياسة. لكني أرى أنه من الممكن الخروج من هذا الأمر من خلال تبني مقاربات تعرف هذه المناطق، وتدركها جيدًا، وتتخذ من الدول لا الجماعات والجهات الفاعلة الفرعية، أساسًا لها.
– ختامًا، أُريد أن أسألكم عن التوتر الذي وقع بينكم وبين وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو مؤخرًا داخل البرلمان، فخلال المشادة الكلامية التي وقعت اتهمتم الحكومة بـ”بيعكم لتنظيم داعش”، فهلا أوضحتم لنا سبب قولكم هذا؟.
ما يمكنني قوله في هذا الخصوص، هو أننا خلال تلك الفترة (حين أسرهم داعش خلال اقتحام القنصلية بالموصل) بقينا بمفردنا، كانت هذه العملية مؤلمة وصادمة بالنسبة لنا ولعائلاتنا، من حيث تصوري ورؤيتي بالنسبة للدولة. معذرة، على أولئك الذين جعلوا هناك (في منتدى دافوس الاقتصادي) من واقعة (دقيقة واحدة)، (التي قالها أردوغان في جلسة مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز)، عملًا بطوليًا، أن يفكروا وينتبهوا جيدًا وهم يتحدثون معي. فأنا رجل قاوم الاحتلال، والأسر من قبل “داعش” لمدة 101 يوم في الموصل. لذلك عليهم أن ينتبهوا ألف مرة عند الحديث معي.
وأنا لا أحمل ذرة واحدة من الاحترام تجاه أي شخص لا يحترمني. لأنه لا حدود للاحترام عندي حيال أي شخص يتلاعب دون أي قدر من التربية بمشاعر وطن، ومشاعر دولة كتركيا. وكما تعملون فإنني كنت قنصلًا عامًا للبلاد في الموصل، وهنالك كنت أدافع عن شرف بلدي رغم كل شيء، ولم ألحق بها أدنى ضرر، ولو كنت من أتباع العدالة والتنمية لأقاموا لي نصبًا تذكاريًا. وبالتالي إذا تحدثوا معي بهذه الطريقة فعندي الكثير لأقوله لهم.
– لكن الوزير جاويش أوغلو ألمح إلى هويتكم التي أخفيتموها.
الجميع يعلمون أنني قنصل عام، فما هذا الادّعاء المثير للسخرية؟ ماذا يعني؟ هل كنت على معرفة بداعش؟ ما الذي يزعج هؤلاء؟ حقيقة أجد صعوبة في استيعاب هذه التصرفات. ما الذي يلهث ورائه هؤلاء؟ وما هذه العقد الموجودة بداخلهم؟ نحن وقعنا في الأسر، وتعرضنا للتعذيب، وقاومنا ببسالة. وهناك وأنا قنصل عام التقيت بحوالي 550 دولة، ولم أتلاعب بشرف دولتي. لذلك على العدالة والتنمية.