تقرير: محمد عبيد الله
برلين (زمان التركية) – تباينت آراء المحللين الأتراك حول النتائج المحتملة للعملية العسكرية التي أطلقتها تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان في مدينة عفرين شمال سوريا وسمتها “غصن الزيتون”، بدعوى الحليلولة دون إنشاء منفذ كردي يمتد إلى البحر الأبيض المتوسط تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردي أو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تعتبره امتدادًا لحزب العمال الكردستاني “الإرهابي” في سوريا، لكنهم يتفقون في نقطة واحدة وهي خسارة تركيا المحققة على كل الأحوال.
وحاول الكاتب الصحفي التركي المخضرم أمره أوسلو، عضو هيئة التدريس في أكاديمية الشرطة في تركيا سابقًا، الإجابة على سؤال “ما مصلحة روسيا في موافقتها على تنفيذ تركيا عملية “غصن الزيتون” في مدينة عفرين شمال سوريا؟”، مؤكدًا أن جواب هذا السؤال سيحدد ملامح المنطقة في المستقبل.
ففي بث مباشر عبر تويتر، نوه أوسلو بأن مصادر كردية سبق أن أعلنت اقتراح روسيا على الأكراد تسليم مدينة عفرين للنظام السوري برئاسة بشار الأسد، ولفت إلى أن موسكو سمحت لأنقرة بالتدخل العسكري في هذه المدينة عندما رفض الأكراد هذا الاقتراح الروسي. وأشار إلى أن روسيا بهذه الخطوة استطاعت قطع الطريق أمام الأكراد، حلفاء الولايات المتحدة، في مدينة عفرين.
وقال أوسلو: “موسكو تتوقع عدم مبادرة واشنطن إلى دعم الأكراد إزاء العملية العسكرية التركية في عفرين، وهي مصيبة في توقعها هذا. ذلك لأن واشنطن إن اعترضت على أنقرة فإن ذلك سيكون مكسبًا لموسكو، لأنه سيؤدي إلى ابتعاد أنقرة من واشنطن واقترابها من موسكو، وإن وقفت ضد الأكراد فسيكون ذلك مكسبًا لروسيا أيضًا، حيث سيتسبب في تحول الأكراد من واشنطن إلى موسكو. بمعنى أن موسكو نجحت بفضل سماحها لأنقرة بالتدخل في عفرين في وضع واشنطن في مواجهة حلفاءها”.
وأضاف أوسلو أنه من الممكن القول بأن روسيا تمكنت من ضرب مجموعة عصافير بحجر واحد، وفصل قائلاً: “مكسب روسيا العاجل من هذه الخطوة فتور العلاقات بين الولايات المتحدة وبين حلفاءها الأكراد والأتراك. في حين أن مكسبها على المدى المتوسط هو أن تركيا المتدخلة في عفرين والمتوجهة إلى منبج ستواجه القوات الأمريكية في نهاية المطاف. أما مكسبها على المدى البعيد فهو أن روسيا ستقترح على الأكراد التعاون معها متعهدةً لهم بإقناع نظام الأسد بفتح المنفذ الكردي الممتد إلى البحر الأبيض المتوسط من شمال حلب، نظرًا لاستحالة تحقيق هذا المنفذ عبر مدينة عفرين غير المتاخمة للبحر.. وعندها سيوافق الأكراد على هذا الاقتراح الروسي”، على حد قوله.
وتابع أوسلو قائلاً: “لبّ القول: إن عملية عفرين إستراتيجية روسية في حقيقة الأمر تقودها موسكو عبر مجموعة “أرجنكون” المصنفة ضمن المعسكر الروسي في مقابل المعسكر الغربي. فقد أصبحت روسيا بفضل هذه الإستراتيجية “اليد العليا” في المنطقة من خلال إراقة دماء الأكراد والأتراك من دون أن تتعب”، بحسب تعبيره.
وتشكك أوسلو فيما ستكسب تركيا من عمليتها العسكرية في مدينة عفرين، مؤكدًا أن النتيجة الحاسمة لهذه العملية هي اقتراب أنقرة بقيادة رجب طيب أردوغان إلى موسكو بقيادة فلاديمير بوتين أكثر، وبرودة العلاقات بين الولايات المتحدة والأكراد.
فيما لفت الكاتب ياشار ياكيش الذي سبق أن شغل منصب وزير الخارجية في حكومة أردوغان سابقًا (2002 – 2003)، في مقال كتبه لموقع “أحوال” التركي إلى احتمالية التقاء كل من أمريكا وروسيا على أرضية مشتركة في سوريا، مؤكدًا أن تركيا ستكون عندها الخاسر الوحيد في هذه الحرب.
وكتب أرطغرول جوناي، وزير الثقافة الأسبق في حكومة أردوغان سابقًا أيضًا، للموقع نفسه، مقالاً قال فيه إن الغرض من هذه التحركات التركية في سوريا ليس القيام بملاحقات لبعض عناصر إرهابية خلف الحدود، كما حدث سابقًا، بل الأمر يختلف هذه المرة، وأضاف: “ومع أن تركيا صرَّحت بأنها أخبرت “الدولة السورية” بهذه العملية، إلا أن الطرف الآخر يرفض هذا التدخل من الأساس بسبب طبيعة هذه العملية التي لا تقتصر هذه المرة على مجرد الملاحقات فقط. لهذا السبب كانت هذه التحركات بمثابة إعلان للحرب، وليس مجرد ملاحقة عادية لبعض العناصر الإرهابية”.
ووصف جوناي الحرب التي يقودها الرئيس رجب طيب أردوغان في سوريا بـ”حرب تعطَّلت فيها الفطرة، والعقل السليم”، وشدد على أن تركيا بتدخلها في هذه “المسرحية الهزلية” خطت خطوة أخرى باتجاه دوّامة سوريا، وارتكبت أكبر خطأ في تاريخ الجمهورية بشكل لا يمتّ للسياسة بصلة، وتحولت سياسة “تصفير المشاكل مع الجيران” التي اتبعتها تركيا حتى عام 2012 إلى سياسة جديدة مغايرة تمامًا تتخذ من اختلاق الأزمات، والتوترات، والصدامات منهجًا لها.