نورالدين عمر -كاتب كردي
برلين (زمان التركية) إقترابات سلطة العدالة والتنمية من الأزمة سورية بقدر ما فيها من مصالح سلطوية تخص العدالة و التنمية عموما و مصالح شخص أردوغان خصوصا، فهي بنفس المقدار،و ربما اكثر تضر بمصالح تركيا كدولة تحتاج إلى علاقات حسن الجوار ،و تحتاج إلى الأمن و السلام و علاقات متينة مع كافة الدول و بشكل خاص مع الدول المجاورة.
الرئيس التركي الحالي و حينما كان رئيسا للوزراء كان يتمتع بافضل العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد و كان لقب بشار لدى أردوغان هو “أخي”،لكن حينما بدات الأزمة السورية و تظاهر الجماهير السورية مطالبة بالتغير،حاول أردوغان اقناع بشار الأسد من أجل الالتفاف على مطالب الجماهير و تحقيق مصالح تخص العدالة والتنمية، على تأسيس حكومة تضم بالإضافة إلى النظام مجموعات سياسية و عسكرية تابعة لسلطة العدالة والتنمية،و حينما رفض النظام السوري تلك المقترح،بدا اردوغان بالتهجم على النظام السوري و وصفه بالنظام الدكتاتوري،فغاية اردوغان و العدالة والتنمية لم تكن التغير و لا الديمقراطية في سوريا،بل السيطرة على الحكم في سوريا و تأسيس نظام وفق افكار و أجندات AKP بطريقة الإتفاق مع النظام السوري،و حينما فشل لجأ إلى الخيار الثاني و هو دعم الجماعة العسكرية المتطرفة من تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” إلى فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام “جبهة النصرة”،و فتح لكل التنظيمات المتطرفة الحدود و الممرات الآمنة لتنقل و تجنيد المقاتلين من مختلف دول العالم و حتى أرسال الأسلحة و العتاد العسكرية لهم،و التغاضي عن جميع نشاطاتهم في المدن التركية،بل و فتح البيوت و المقرات الشبه علانية لهم .و مداوات الجرحى في مستشفيات تركية،و إطلاق صفة الجيش الحر على تلك المجموعات المتطرفة التي لا تمارس سوى القتل و الإجرام بإسم الدين و الإسلام.
كل إدعاءات سلطة العدالة والتنمية بمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية “داعش ” غير حقيقة،فهي السلطة التي قدمت أطنان من الأسلحة و العتاد لهذا التنظيم لهدفين فقط ، الأول هو أضعاف النظام السوري و جعله يوافق على مطالب العدالة والتنمية، و ثانيا هو ضرب وحدات حماية الشعب التي اعتبرها خطرا على الأمن القومي التركي.
فقد كان تنظيم الدولة يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي السورية المتاخمة للحدود التركية و لسنوات عديدة ،لكن سلطة العدالة والتنمية رفضت أن يطلق الجيش التركي و لو طلقة واحدة باتجاه داعش،و رفضت التعامل مع قوات التحالف الدولي المتشكلة لمحاربة تنظيم داعش بحجة أنها لا تحارب النظام السوري و وحدات حماية الشعب. لكنها حينما رأت إن تنظيم داعش ينهار ،و اصبحت وحدات حماية الشعب تسيطر على تل ابيض ومنبج و اقتربت من توحيد مناطق الجزيرة و كوباني مع عفرين، تغير لهجة العدالة والتنمية من داعش،و أمرت بالتدخل في جرابلس و اعزاز و الباب لمنع توحيد الإقليم الكردي كما أدعت، و تغيرت دعايتها السابقة و نسيت سقوط النظام،لا بل اتفقت مع روسيا و ايران لعدم نشوب أي تصادم مع قوات النظام السوري. و اصبحت سلطة العدالة والتنمية توصف نفسها و كأنها الوحيدة في محاربة تنظيم داعش.
سلطة العدالة والتنمية غير صادقة حتى الأن في محاربة التنظيمات المتطرفة ،بدليل أنها سمحت للآلاف من عناصر داعش بالهروب عبر مناطق حدودية و لم تسمح بشن أي هجمات أمنية للقبض عليهم في المدن التركية،إلا في بعض الحالات الشكلية و التي ربما كانت مقصودة لرفع شبهة التعامل مع داعش . أيضا وجود الجيش التركي في نقاط ما يسمى بنقاط المراقبة بمحافظة أدلب كان عبر اتفاق و تنسيق مع فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام هيئة تحرير الشام( جبهة النصرة سابقا)،و حتى هذه اللحظة هناك اتفاق و تنسيق متكامل بين سلطة العدالة والتنمية و جبهة النصرة .و غدا و حينما يتغير بعض الظروف سيدعي أردوغان إنهم القوة الوحيدة التي حاربت جبهة النصرة،كما أدعى الناطق بأسم الحكومة التركية بوزداغ منذ عدة ايام حينما قال :” نحن الدولة الوحيدة التي حاربت و كافحت ضد تنظيم داعش ” .
و هذه السلطة تقوم اليوم بمغامرة اخرى على حدود تركيا مع عفرين، قد تكون مغامرة كارثية على تركيا عموما و على الجيش التركي خصوصا. فتنظيم داعش و رغم انه كان في حالة الانهيار ألا انه ازهق أرواح 72 جنديا تركيا في مدينة الباب وحدها حسب تأكيدات مسؤولي العدالة والتنمية، و التي ربما يكون العدد اكبر .و سيكون الوضع في عفرين اصعب من الباب بعشرات الأضعاف،فوحدات حماية الشعب تملك الالاف من المقاتليين المدربيين على يد ضباط التحالف الدولي،و تملك ترسانة من الأسلحة النوعية،و أردوغان بنفسه أدعى إن ” الولايات المتحدة الأمريكية زودت هذه الوحدات ب 4900 شاحنة من الأسلحة و العتاد بالإضافة إلى حمولة ألفي طائرة من المساعدات اللوجستية و العسكرية. و عفرين ذات طبيعة جبلية اسس فيها الوحدات المئات من الممرات و الأنفاق،و جهزت دفاعاتها بكل انواع الأسلحة بما فيها صواريخ مضادة لدروع و المصفحات،و لذلك فهي مغامرة كارثية سيكون أثارها مدمرة على عفرين و على تركيا كذلك.
معركة عفرين لن تجلب الأمن و الإستقرار لتركيا،بل العكس فهي ستفتح أبواب اخرى للعنف،و سيدخل الجيش التركي في حرب استنزاف بمواجهة وحدات متمرسة بالقتال ،و قد يطول لسنوات. و سلطة العدالة والتنمية التي تحاول تصدير أزماتها الداخلية بحروب عبثية تجر معها كل تركيا إلى كوارث،و التي سيتوضح أحجامها في المستقبل القريب ،و هي بالنهاية ستجلب معها نهاية لتسلط هذه الفئة الإجرامية التي لا تهمها سوى مصالحها الدنيئة،و من اجل تلك المصالح مستعدة للجوء إلى كل الوسائل حتى وإن كانت تدميرية للمجتمع ،و لكن القلق هو إن هذه السلطة قد تدمر معها المجتمعات قبل أن تنتهي هي أيضا كما فعل سلطة صدام حسين و القذافي بالعراق و ليبيا . و لذلك فإن التخلص من هذه السلطة في تركيا تعني إنقاذ تركيا كدولة لها موقعها و أهميتها الاستراتيجية و إنقاذ مجتمع من العنف و التدمير و الحروب العبثية،و تحقيق السلم و الإستقرار في عموم تركيا و هذه المهمة لن يحققها سوى القوى الديمقراطية و المؤمنة بالتغير. و اخيرا فإن رياح التغير التي بدات في دول الربيع العربي و أثرت على إيران و هزتها من الصميم، ستهب على تركيا قريبا و تطيح بسلطة التسلط و الدكتاتورية التي تتستر تحت اسم العدالة والتنمية.