(زمان التركية)ــ تناول تقرير نشرته صحيفة (القدس العربي) من إعداد بسام البدارين، الصعوبات التي تواجهها تركيا في علاقتها مع الولايات المتحدة خلال عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تحديداً فيما يخص الملف السوري والوجود الكردي المدعوم من واشنطن.
وجاء في تقرير الصحيفة: تواجه الحكومة التركية وهي تحاول تفكيك ألغاز مطبات وكمائن ومصائد المؤسسات الأمريكية المنصوبة لها في المنطقة، وتحديدًا في سوريا، ما يواجهه الكثير من الأصدقاء والحلفاء المفترضين في واشنطن من تباين وتناقض في مواقف وأفعال المؤسسات الأمريـكية نفسـها.
في الماضي القريب حاربت تركيا عسكريًا مع وزارة الدفاع الأمريكية بصورة ميدانية في الرقة وفي محيط جرابلس وفي الكثير من المواقع في عمق الحدود التركية السورية. فالشراكة بهذا المعنى عسكريًا وفي الميدان كانت موجودة في الكثير من المحطات.
حتى عندما تعلق الأمر بعملية درع الفرات حصل الأتراك على ضوء أخضر من البنتاغون، وتم تنسيق بعض العمليات مع أطقمه العاملة في الميدان. وفي مجال مكافحة الإرهاب تعاونت وتعاملت أنقرة مع الأجهزة الأمريكية في عدة محطات أيضًا.
لكن ما يحصل منذ نحو عامين ان تركيا لا تستمع للإيقاع ذاته بصورة موحدة داخل المؤسسات الأمريكية، ففي الوقت الذي حصل فيه تعاون ميداني مع وزارة الدفاع، لا تلتزم الاستخبارات الأمريكية بمعايير المصالح والتنسيق مع تركيا.
وفي حال الاتصال مع وزارة الخارجية الأمريكية تبرز مواقف إيجابية في القياس التركي، لكن سرعان ما تتحول إلى سلبية عندما يتعلق الأمر بموقف البيت الأبيض.
مثل هذه التعاكسات والتبديلات في المواقف الأمريكية أزعجت تركيا مرات عدة ، وأسهمت بدورها في تأسيس قدر من الانفتاح والتنسيق العملياتي مع روسيا، وفي بعض المراحل في امتلاك زمام المبادرة وفقًا للمعيار التركي فقط، والتصرف على أساسه ومن دون مراجعة موسكو أو البيت الأبيض.
يؤكد مسؤول بارز في الحكومة التركية لـ «القدس العربي» هنا أن التعامل مع المؤسسات الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب مرهقٌ جدًا، ولا يساعد في بناء تصورات استراتيجية، ومليء بالمطبات والألغام والرسائل التي لم تعد أنقرة تفهمها.
وهي مسألة يقدر المسؤول نفسه أن حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط جميعهم يعانون منها على نحو او آخر بنسب وطرق متفاوتة.
مؤخراً فيما يتعلق بتطورات الميدان في «عفرين» تحديدًا، برزت الحاجة الملحة أمنيًا لامتلاك زمام المبادرة، فقد وافقت تركيا في الماضي او سكتت على تزويد فصائل الحماية الكردية بأسلحة خاصة لمواجهة تنظيم داعش في الرقة، وتم رفض اقتراح تركي آنذاك بأن تشارك في معركة الرقة قوات الجيش السوري الحر على أن تدعمه تركيا عن بعد.
لكن الجانب الأمريكي رفض الاقتراح على أساس أن الجيش الحر غير مؤهل وأبلغت الإدارة التركية وقتها أن مجموعات الحماية التركية ستزود بأسلحة خفيفة وشاحنات لأغراض حرب العصابات فقط. تقبل الأتراك الأمر على مضض، حتى لا يتم اتهامهم بالسعي لإحباط خطط مكافحة الإرهاب.
لاحقًا هزمته داعش في الرقة وتم إخراجها من المعادلة، ففوجئت تركيا بسياسات تسليح أمريكية من النوع الذي يؤدي إلى تمكين وحدات الحماية الكردية وتعظيم شأنها بصورة لافتة جدًا، حيث تم تسليح هذه الوحدات بسلاح ثقيل برغم أن المعركة حسمت وطردت داعش بالسلاح الخفيف.
كان الأمر مريبًا جدًا، واعترضت تركيا مجددًا مع أصدقائها في البنتاغون وتم إبلاغها بجواب غير جدّي من نوع تمكين هذا السلاح لإقامة «سوريا الديمقراطية» لاحقًا.
هنا لعب الفأر مجددًا في الصدر التركي، فسوريا الديمقراطية المنشودة مستقبلًا ينبغي أن تكون موحدة الأرض والسيادة، ومنح عناصر وشرائح محددة في المجتمع السوري أفضلية تزويده بسلاح ثقيل يعني استحالة الاستنتاج أن الأمريكيين يريدون فعلًا سوريا الديمقراطية الموحدة، حيث أن هذا السلاح الثقيل في العديد من الفصائل المهمة لم يزود به الجيش السوري الحر.
طوال الوقت بعد حسم المعركة في الرقة لمصلحة فصائل الحماية الكردية احتفظ الكيان المسمى بقوات سوريا الديمقراطية بعلاقات دائمة مع حزب العمال الكردستاني الذي يعتبر الخصم الأبرز والأشرس للدولة التركية.
احتجت أنقرة مجددًا وزودت الأمريكيين بالوثائق والأدلة التي تثبت دخول حزب العمال الكردستاني على خطوط قصة سوريا الديمقراطية الجديدة .. تعاملت واشنطن بصورة غير جدّية مع الأدلة التركية وبالتالي خففت من أهمية المخاوف التركية.
زاد موقف واشنطن المريب هنا من هواجس المؤسسات التركية، وبدا أن الأمر يقترب من دعم أمريكي خفي لخطة تقضي باستبدال إرهاب الدولة الإسلامية بإرهاب كردي وفي منطقة حساسة جدًا جنوبي تركيا.
وزادت الهواجس والمخاوف عندما لاحظت نقاط المراقبة التركية المتقدمة شمالي سوريا بموجب اتفاق خفض التوتر مع روسيا أن المجموعات الكردية التي تزعم النضال من أجل سوريا الديمقراطية بدأت تنشط في اتجاهات مريبة جدًا، مثل الاتصال والتواصل مع قرى بأغلبية كردية داخل جنوبي تركيا، ومثل التحريك الديمغرافي في بعض النواحي والقرى والأحياء المختلطة.
ومع تفاعل نشاط عناصر محددة في حزب العمال الكردستاني ضمن الجهاز الاستشاري لقوات سوريا الديمقراطية وفصائل الحماية انتقلت المخاوف التركية من مستوى الارتياب إلى منسوب الخطر الحقيقي.
من هنا تحديدًا، على هذا الأساس والخلفية تقررت معركة عفرين وجوارها وتوسع نطاق عملية درع الفرات واتهم الرئيس أردوغان علنًا الأمريكيين برعاية وتسمين الإرهاب الكردي، وهدد بسحق المجموعات التي تمولها وتسلحها واشنطن في شمالي سوريا.
يحصل ذلك فيما استمعت «القدس العربي» أيضاً لمسؤول أوروبي يظهر ثقة بأن سيناريو خيار إسقاط إيران وتركيا لاستفتاء كردستان قابل للظهور مجدداً في محيط مواجهة عفرين، حيث يمكن لطهران وأنقرة إذا اتفقتا الإطاحة ميدانياً بأي ترتيب حتى لو دعمته واشنطن ومن خلفها إسرائيل.