(زمان التركية)ــ تناول السياسي التركي يشار ياكش العضو البارز في حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي تقلد في السابق منصب وزير خارجية تركيا، تحليلاً من وجهة نظر أكثر “واقعية” للإعلان الأمريكي الذي أزعج تركيا حول تشكيل قوة أمنية في شمال سوريا، ثم التراجع لاحقًا عن ذلك؛ مسلطًا الضوء على روسيا كلاعب أساسي في هذا المشهد، وليست تركيا.
وقال يشار ياكش في مقال نشرته صحيفة (أحوال تركية):
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في 13 يناير أنها ستشكل قوة أمنية حدودية في سوريا قوامها 30 ألف فرد. وسيأتي نصف المقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية التي تجهزها وتدربها الولايات المتحدة.
من المقرر نشر القوة على الحدود بين سوريا وتركيا في الشمال وعلى الحدود السورية العراقية شرقاً وعلى نهر الفرات أيضاً. وتشبه هذه المنطقة المساحة التي تسيطر عليها حاليا قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية.
وتراجع وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون ووزارة الدفاع (البنتاجون) عن الخطوة في وقت لاحق لكن تيلرسون قال إن تجهيز وتدريب الأكراد سيستمر كما هو.
وبالنسبة لصناع السياسة الواقعيين، الخطوة الأولى كشفت بوضوح عن مخططات الولايات المتحدة أما الخطوة الثانية فتبدو محاولة لإرضاء بعض الحساسيات.
ربما تتباهى تركيا بأنها أقنعت الولايات المتحدة بتغيير رأيها خاصة وأن التغيير حدث عقب لقاء وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بنظيره الأميركي على هامش لقاء في مدينة فانكوفر الكندية.
ومن المرجح أن يبقى الهدف النهائي وفحوى الخطوة الأولى دون تغيير وهو تشكيل منطقة يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا.
سمة مميزة أخرى لهذه المنطقة وهي أنها تحتوي تقريبا كل النفط والغاز ومصادر المياه السورية. أما مسألة تحولها لمنطقة تتمتع بالحكم الذاتي أو منطقة فدرالية داخل الأراضي السورية فهذا سؤال آخر إجابته في قادم الأيام.
ويوجد انحراف عن الصواب في أكثر من مناسبة :
أولاً، الولايات المتحدة تؤسسس جيشا في أراضي دولة أخرى دون موافقة حكومتها. ولا يمكن تبرير ذلك وفقا للقانون الدولي. وقد تكون سابقة لحالات أخرى قد تتحول ضد المصالح الأميريكة في المستقبل.
الأمر الثاني هو أنه جرى عرض الخطوة باعتبارها مبادرة من التحالف الذي يقاتل داعش. وقرار كهذا يحتاج اجماعا أو توافقا على الأقل. ولم يظهر أنه جرى التوصل لتوافق في هذا الصدد. وتركيا التي لعبت دورا مهما في الحرب ضد داعش عارضت هذه الخطوة بشدة.
الأمر الثالث هو أن الأكراد أقلية في المنطقة المعنية بالقرار. ولذلك فالإجراء وصفة لمزيد من العنف في المستقبل.
عارضت روسيا هذه الخطوة صراحة منذ اليوم الأول. لكن إذا كان الهدف النهائي للولايات المتحدة هو استخدامها كورقة تفاوض لإجبار الرئيس السوري بشار الأسد على التنحي ولوضع أسس دولة كردية في المستقبل، فربما تجد أرضية مشتركة مع روسيا.
ربما تفكر الولايات المتحدة في ضرب عصفورين بحجر واحد وهو إقامة دولة صديقة لإسرائيل في المنطقة والحط من قدر دول تعيش بها أقليات كردية كبيرة العدد وجعلها طيعة أكثر بالنسبة لواشنطن.
أما تركيا فأعلنت مرات عدة أنها لن تسمح بتأسيس حزام كردي في شمال سوريا. وهذا الشقاق بين تركيا والولايات المتحدة قد يتسع أكثر إذا نفذت تركيا عملا عسكريا ضد الأكراد المجهزين بعتاد أميركي في عفرين أو في أي منطقة سورية أخرى.
وفي ضوء شبكة المصالح المعقدة هذه، هل يمكن تصور حدوث اتفاق بين واشنطن وموسكو؟
روسيا داعم مهم للقضية الكردية. ومسودة الدستور التي أعدتها روسيا لسوريا تقترح وضع فدرالي للأكراد. لذلك، ربما تجد الولايات المتحدة وروسيا توافقا بشأن المسألة الكردية في سوريا.
نفس الفكر ينطبق على مسألة تنحي الأسد. فروسيا تؤيد وحدة الأراضي السورية وإن كانت في هيئة هيكل فدرالي. وأعلن قادة روس في مناسبات متعددة أن المهم بالنسبة إليهم هو وجود حكومة منتخبة ديمقراطيا في سوريا تستطيع مواصلة التعاون معها سواء تحت قيادة الأسد أو غيره.
هذه المعايير تعرض على الولايات المتحدة وروسيا منطقة تقارب محتملة إذا لم تخرج التطورات السياسية والعسكرية عن السيطرة. ونتيجة كهذه ستثير إحباطا شديدا في تركيا تجاه كلا الطرفين.