تقرير: محمد عبيد الله
برلين (زمان التركية) – تتجه الأنظار نحو الشمال السوري في ترقب وحذر للعملية العسكرية التي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغانت انطلاقها في “أي لحظة”؛ وعلى عكس ما هو شائع من تحليلات، زعم الخبير الأمني والكاتب الصحفي التركي المعروف “أمره أوسلو” أن وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري لن تبدي مقاومة تذكر أمام العملية العسكرية التركية في مدينة عفرين السورية!
وذكر أوسلو أن الولايات المتحدة أعطت قبل عدة أيام إشارات تدل على أنها لن تتدخل في اشتباكات محتملة بين القوات التركية وعناصر كردية في مدينة عفرين معلنةً أنها لا تقوم بأي عملية في هذه المدينة، وادعى أن روسيا أيضًا ستسمح لتركيا بالدخول إلى عفرين مقابل تنازلات ستقدمها لها تركيا، وفق قوله.
وعزا أوسلو سبب ذلك إلى أن مدينة عفرين لا تحتوي على أهمية إستراتيجية بالنسبة لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري الذي يعتبر امتدادًا لحزب العمال الكردستاني في سوريا، مؤكدًا أن مدينة “منبج” التي يسيطر عليها الأكراد استراتجية بالنسبة للحزب الكردي، ولا توجد أنباء عن تخطيط تركيا لتنفيذ عملية في هذه المدينة.
ولفت أوسلو إلى أن وحدات حماية الشعب الكردي ستبدي مقاومة شكلية في الدفاع عن مدينة عفرين لتظهر نفسها أنها لم تتخلَّ عن أكراد هذه المنطقة، سعيًا للحفاظ على سمعتها، ثم استدرك، وقال: “لكنها ستبدي مقاومة حقيقية إذا ما قررت الحكومة التركية تشميل العملية العسكرية مدينة منبج أيضًا، كما أن الولايات المتحدة ستتدخل عندها بعمق، وذلك نظراً لأن هذه المدينة مهمة للغاية بسبب أنها بوابة المنفذ البحري الكردي المؤدي إلى البحر الأبيض المتوسط.
وفصل أوسلو ذلك قائلاً: “الهدف المعلن لتركيا من العملية العسكرية في عفرين هو الحيلولة دون إنشاء معبر أو منفذ كردي يبدأ من القامشلي التي تقع في جهة الشمال الشرقي على الحدود مع تركيا وعلى مقربة من سفح جبال طوروس بمحاذاة مدينة نصيبين التركية ويمتد إلى البحر الأبيض.. غير أن حزب الاتحاد الديمقراطي أو العمال الكردستاني لن يستطيع الوصول إلى البحر أصلاً ولو واصل السيطرة على هذه المدينة، ذلك لأنها ليست متاخمة للأبيض المتوسط، وإنما تفصل بينهما مدينة هاتاي التركية على كل حال، فلا يمكن له الوصول إلى البحر بدون إذن من تركيا. بمعنى أن وصول المنفذ الكردي من عفرين إلى البحر الأبيض غير ممكن بدون المرور من جنوب مدينة هاتاي المتاخمة لمدينة اللاذقية السورية. وهذه الحقيقة تجعل مدينة منبج استراتيجية بالنسبة للأكراد بدلاً من عفرين”.
وقال أوسلو إن المنفذ الكردي سيتحقق على يد روسيا والنظام السوري لا الولايات المتحدة، وإن المساومة الحقيقية تجري بين تركيا وروسيا، مشيرًا إلى أن الهدف الإستراتيجي لروسيا هو اختطاف تركيا من الحاضنة أو المظلة الأطلسية (الناتو)، وهذا يدفعها إلى السكوت على رغبة تركيا في الدخول إلى عفرين، لكنها لا تقدم لها موافقة صريحة في الوقت الراهن، في مسعىً للحصول على تنازلات من تركيا.
وتابع أوسلو أن استهداف تركيا الأكراد أو وحدات حماية الشعب الكردي في سوريا يفاقم التوتر بينها وبين واشنط، ذلك أن الأخيرة تعتبر الأكراد في سوريا حليفها الإستراتيجي في مكافحة تنظيم داعش الإرهابي، وهذا ما يحمل روسيا على موافقة ضمنية على كل ما هو يساعد على إبعاد تركيا من واشنطن والمعسكر الغربي بشكل عام.
ورجح الخبير الأمني أمره أوسلو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يجري مساومة مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان على انسحاب قوات الجيش السوري الحر من المناطق السورية الواقعة في جنوب مدينة هاتاي التركية وتسليمها إلى النظام السوري مقابل السماح له بتنفيذ عملية عسكرية في مدينة عفرين، وأضاف أن أردوغان إذا ما وافق على ذلك فإنه سيكون قد ارتكب حماقة، على حد تعبيره.
وأردف أوسلو أن موافقة إدارة أردوغان المحتملة على تطهير المناطق الواقعة في جنوب مدينة هاتاي من المعارضة السورية هي التي ستفتح المجال أمام تحقق حلم حزب الاتحاد الديمقراطي / العمال الكردستاني في المنفذ الكردي الممتد إلى البحر الأبيض، ذلك لأن هذا المنفذ يخطط له أن يمر بأغلب الاحتمال من “منبج” شمال شرق ريف مدينة حلب إلى جبل حلب أو جبل الأكراد الواقع جنوب هاتاي المتاخمة لمحافظتي اللاذقية وإدلب ومنه إلى مياه البحر الأبيض المتوسط.
وانتهى أوسلو انطلاقًا من الأسباب المذكورة إلى أن العملية العسكرية التركية في مدينة عفرين ستكون أسهل حتى من عملية درع الفرات المزعومة بأنها نفذت ضد تنظيم داعش، واستدرك قائلاً: “إلا أن أردوغان يثير ضجة كبيرة وكأنه سيقود حربًا ضروسًا ضد حزب الاتحاد الكردي / العمال الكردستاني والولايات المتحدة، لكن الجيش التركي لن يواجه إلا مقاومة صورية في مدينة عفرين، نظرًا لأنها لا تتمتع بأهمية إستراتيجية بالنسبة له، بل مدينة منبج هي الأهم ولن يتخلى عنها بسهولة.. إلا أن أردوغان يحاول استغلال هذه العملية العسكرية في السياسة الداخلية وتحويلها إلى ذخيرة قبيل انتخابات 2019 أو انتخابات مبكرة محتملة”.
ويشير بعض المراقبين إلى أن تركيا لن تكسب شيئًا من هذه العملية العسكرية سوى انتصار نفسي مؤقت، إلا أنها ستسفر عن نتائج سلبية مستديمة، ويعبرون عن مخاوفهم من أن تكون هناك مساومة سرية بين الأطراف اللاعبة في سوريا، بما فيها أنقرة، حول تسليم المناطق السورية الواقعة في جنوب تركيا التي تسيطر عليها قوات الجيش السوري الحر إلى النظام السوري، كما حدث لمدينة حلب عقب عملية درع الفرات، وينبهون إلى أن المنفذ البحري الكردي سيتحقق بإذن من النظام السوري وروسيا مقابل استمرار بشار الأسد في الحكم وحفاظه على المناطق التي يسيطر عليها في الوقت الراهن.