أنقرة (الزمان التركية)ـ قال رئيس حزب الوطن التركي دوغو بيرينشيك في الجزء الثاني من الحوار الذي أجراه معه موقع “أحوال تركية” إن الأوضاع الاقتصادية في البلاد “قد تؤدي إلى دعم محاولة انقلاب أخرى”.
في الجزء الأول قال بيرينشيك إن الخبير الإستراتيجي الروسي المقرب من الكرملين ألكسندر دوجين نقل معلومات بشأن نشاط غير عادي في الجيش إلى مستشارين كبار في فريق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم 14 يوليو قبل يوم من وقوع محاولة الانقلاب. وفيما يلي الجزء الثاني من المقابلة:
“تقول إن الحكومة علمت بهذا الأمر من قبل؟ إذن، لماذا انتظرت؟ هل كان بإمكانها الحيلولة دون مقتل 250 شخصا؟
ضع نفسك محل الحكومة. تلقيت هذه المعلومات فماذا ستفعل؟ عشية 15 يوليو اتصلت بشكل مباشر ببن علي يلدريم (رئيس الوزراء) واتصلت بفريق الرئيس. بالطبع لم أتمكن من الوصول إلى السيد يلدريم ولا الرئيس، لكنني اتصلت حتى أبلغ طواقهما أن الجيش التركي ليس منخرطا في هذا الانقلاب وأن الانقلاب فخ نصبته الولايات المتحدة وبدعم من فتح الله غولن وان الجيش التركي يعارض تماما الانقلاب وان علينا أن نتماسك في تلك الليلة.
لكنني لاحظت ذلك وهو أن علاقات الحكومة بالجيش كانت منهارة. لأنهم (مسؤولي الحكومة) ظلوا يسألوا هل هذا حق؟ هل انت متأكد من أن الجيش غير متورط في الانقلاب؟ هل هو كما تقول من تدبير جماعة أخرى؟ وأسئلة كهذه. لذلك علمنا أنها (الحكومة) غير قادرة على الحصول على معلومات موثوقة من داخل الجيش.
ينبغي علينا أن ننظر في موقفهم (مسؤولي الحكومة) بعناية. وهو أنه ينبغي علينا تقييم الموقف الذي تسبب فيه حزب العدالة والتنمية الحاكم وننظر في المواقف المتأزمة والسلبية التي تسبب فيها ليحدث هذا. ثم بوسعنا أن نجيب على سؤال ماذا كان بوسعهم القيام به… وهو انه لم يكن بوسعهم الكثير لأنهم لم يملكوا القدرة على الرد بشكل فعال.
ألا تستغرب من أن شخصية رفيعة بمستوى القيادة في الجيش احتجزت في حفل عرس بعد يوم من قيام الكسندر دوجين بإبلاغ الحكومة؟ لم يرفعوا مستوى التهديد؟ ولم يرفعوا درجة التأهب واليقظة؟
إذا كنا نحن حزب الوطن في السلطة لاتخذنا خطوات فورية لجعل كل العناصر تحت السيطرة واعتقلنا أطرافا عدة ونزعنا أسلحتهم. إلى أي مدى كان حزب العدالة قادرا على القيام بشئ في ذلك الوقت هذا أمر لا نعرفه إلا منهم (أعضاء الحزب والحكومة). لكن افتراض إنهم كانوا يعرفون من قبل بوجود ترتيبات لانقلاب وانهم غضوا الطرف عنها حتى يتمكنوا من الإمساك بوسائل لقمع الناس فهذا أمر غير واقعي بالمرة.
من الخطير جدا تخيل ذلك، لأنهم لم يكونوا أقوياء بدرجة كبيرة . أن تترك بعض السلطات في الجيش والأشخاص الذين انخرطوا في الانقلاب يمضون في خططهم حتى يتسنى لك اعتقالهم في وقت لاحق أمر غير واقعي. لا يتماشى مع الواقع.
هناك أمر آخر بالطبع وهو مسألة الحكم أو السلطة. دعنا نفترض أن الشرطة كانت معهم لكن داخل الشرطة يوجد الكثير من خلايا فتح الله غولن. أو أنهم (الحكومة) لا يملكون سيطرة على الجيش. إنهم في وضع بائس.
أيضا في مواقف كهذه، لا يرغب بعض الناس في تصديق أن ذلك يحدث وهو أن المخابرات مخطئة وكذا وكذا. لكن أعتقد أن السبب كان ضعف القدرات.
ينبغي أيضا أن تملك السيطرة على الشرطة أو الجيش وإن لم تملك هذه السيطرة فلن تتمكن من إحباط محاولة انقلاب بمجرد هاتف. وهذا يمكن أن يكون عنوانا ’لا تستطيع أن تخمد انقلابا بالهاتف”.
بالفعل إذا انتبهت إلى الرئيس خلال إعلانه في الهاتف، بوسعك أن ترى في وجهه أنهم لا يسيطرون على الموقف ومدى ضعفهم. لم يكن لديه سلطة ولا قوة ولا سيطرة.
هل تعتقد أن جماعات أخرى متورطة في الانقلاب مع جماعة فتح الله غولن؟
لم تشارك أي جماعة أخرى في هذا. بوسعي قول هذا بكل تأكيد. لكن من الواضح أن أطرافا أخرى فكرت في الاستفادة من الانقلاب وفكرت في تحسين موقفها. وأيضا هناك من ظهروا وكأنهم يقولون “دعنا نرى من يخرج فائزا وسأقف إلى جانبه”.
الشرطة أو الضباط الذين كانوا يحمون أردوغان في مرمريس تبين أنهم أعضاء في منظمة “فتح الله غولن الإرهابية”. الطيار الذي قاد طائرة الرئيس من دالامان إلى إسطنبول يفترض أنه من المنظمة. الطيارون الخمسة الذين قصفوا مقر الانقلاب وهو قاعدة أكينجي الجوية جرى اعتقالهم واتهامهم بأنهم أعضاء في المنظمة. الضابط في مقر هيئة الأركان العامة في أنقرة الذي جعلناه بطلاً تبين أنه عضو في منظمة غولن. وهناك من قالوا إن أعضاء في منظمة غولن كانوا يحمون أردوغان من الانقلابيين. ماذا ترى في ذلك؟
ربما هؤلاء الناس كانوا أعضاء في منظمة غولن لكن لماذا لم يقتل الطيار أردوغان؟ لأن قتل الرئيس لم يكن الغرض. أولا، مدبروا الانقلاب لم يرغبوا في قتل أردوغان ولكن محاكمته أمام القضاء لإهانته وخلق موقف يؤيدهم. إذا كانوا يريدون قتله لاستطاعوا. لكن من الواضح أنهم كانوا يسعون لإلقاء القبض عليه سواء كانوا اعضاء في منظمة غولن أو لا، لكن لم يكن باستطاعهم مخالفة أوامر الجيش.
انظر بعناية، يوجد صراع سياسي خطير يقف فيه الناس أمام الدبابة. كأنك تقول “الجماهير اخمدت الانقلاب وفازوا على الجيش” هذا عنوان قوي جداً. ولكن قلت لبن علي يلدريم عندما اتصل بي. الجيش أوقف الانقلاب. بالطبع الجماهير كانت في صف الجيش.
إذا كانت الولايات المتحدة هي من دبر الانقلاب فلماذا سمحت بانقلاب على مستوى الهواة كهذا؟
الولايات المتحدة تخسر في كل مكان. إنها تخسر في سوريا وتخسر في إيران وقد ورطها (رئيس إقليم كردستان العراق مسعود) بارزاني في الاستفتاء وتبين أنها بلا قوة.
وبالنظر إلى السنوات القليلة الماضية في التاريخ الأمريكي ترى هذا الوضع دوما. عجز ويأس وعدم قدرة على المساعدة. كقوة مضمحلة فإن الأمور التي تستطيع الولايات المتحدة القيام بها محدودة. إذا قرأت أحدث تقرير (للرئيس الأمريكي دونالد) ترامب عن الأمن سترى بالتفصيل هذا العجز وعدم المقدرة على المساعدة. الاعتقاد في أن الولايات المتحدة تقدر على فعل أي شيء وإنجاز انقلاب ناجح أصبح شيئا من الماضي.
في مقابلة لكم يوم 27 نوفمبر 2015، قلتم إن حركة فتح الله غولن قد تم القضاء عليها إلى حد كبير وان هذا كافيا وإن الجيش لم يُمس لكنك لا تعتقد أن فتح الله غولن له أي نفوذ حقيقي داخل الجيش. هل كنت مخطئاً؟
هذه نقطة ممتازة. إنهم منظمون جيدا لدرجة أبعد مما كنا نظن في حزب الوطن. حقيقة، لقد انخدعنا فيهم ودخلنا السجن. أصدقائي وأنا دخلنا السجن في إطار قضية ارغينيكون. لقد عرفنا منظمة غولن منذ 50 عاما لكن لم نعرف مطلقا انهم بهذه القوة داخل الجيش.
هل نستطيع أن نقول أن احتمال وقوع انقلاب آخر من الجيش او أي شيء مشابه أصبح صفرا بعد كل هذا “التطهير والتصفية”؟
بسبب الأزمة الاقتصادية التي نواجهها، ربما يوجد من يرغب في حدوث انقلاب في حضن الجيش. وبمعنى أوضح إننا ندخل فترة ازمة اقتصادية طويلة وعميقة.
تتحدث عن 2018؟
نعم 2018، بوسعنا ان نراها. ستقل الواردات والصادرات والشركات التي تعتمد على التجارة الخارجية سوف تعاني. وسوف تغلق بعض الشركات أبوابها. وسيتم تسريح موظفين.
تقول إن كل هذا يقود إلى انقلاب آخر في البلاد؟
لا، لا أقول إن هذا سيقود إلى انقلاب، لكن إن لم نجد حلا للكثير من هذه المشكلات وإن وقعت احتجاجات في الشوارع ولم نسيطر عليها فإن الولايات المتحدة تخطط لهذا ومستعدة لتنفيذ هذه الخطط.
حقيقة، لقد قالوا ذلك، قالت بعض الأطراف الأمريكية إنها سوف تحول تركيا إلى جحيم في 2018, وفي ظل ظروف كهذه وحتى إن لم يكونوا يرغبون في ذلك فإن بعض الناس ستقول إنه لا يوجد سلام في تركيا وسوف يتركون الأمر للجيش ليدير ذلك. لكنني أعتقد أن الجيش سيظل حكيما امام هذه الخطط ولن يسقط في الفخ.
تركيا تدخل فترة حلول ولا يوحد انقلاب في المستقبل القريب لكن يوجد حل اقترحناه نحن حزب الوطن. لماذا نعتقد دوما أنه لا توجد حلول للازمات؟ إنني أقول إن تركيا ستخرج بحل من هذه الأزمة ويوجد مقولة عظيمة هي “النهايات السوداء المسدودة ينتج عنها حلول قوية”.
تركيا تدخل طريقا مسدودا لكننا سنخرج منه بحل قوي تماما مثل مصطفى كمال وهذا الحل هو حزب الوطن.
في الولايات المتحدة تكتب الصحف الامريكية باستمرار ان انصار حلف الناتو خسروا داخل الجيش التركي. ويقولون ان المؤيدين للتحالف الأورو-آسيوي فازوا وتحليلهم صحيح. وهذا يظهر أن احتمال وقوع انقلاب قد زال لأنه لم يكن ليأتي إلا من المؤيدين للجانب الأطلسي.
عبد الله غول احتل عناوين صحيفة ايدنليك لعدة أيام وتقول المقالات إنك تحمل أردوغان المسؤولية أليس هذا يعني أنك تلوم غول على أمور حملتها لأردوغان؟
لا لكن إذا نظرت الى الماضي فإنهم عملوا معا بالطبع. حكومة أردوغان تلاحق غولن وحزب العمال الكردستاني حاليا. وعبد الله غول على الجانب الآخر جزء من القيادة التي رسمتها الولايات المتحدة. إنني لم اقل إنه جزء من الخطة لكنه صديق لمنظمة غولن.
فيما يتعلق بالولايات المتحدة ماذا تعتقد في نهاية قضية رضا ضراب؟ هل ترى محاكمات أخرى؟
لا ينبغي لتركيا أن تقلق كثيرا بهذا الأمر. الحكومة فعلت خطأ جسيما وإذا كانت الحكومة قد قالت ’أهلا أمريكا إننا دولة مستقلة ونستطيع أن نقيم تجارة ومعاملات مالية مع إيران’ فهذه المحاكمة كانت ستكون بلا معنى وغير مهمة.
لكنها (الحكومة) لم تهتم بذلك. وتظهر القضية انه يوجد بعض الفساد في تركيا. وتبين أن أشخاصا بعينهم استفادوا شخصيا وأخذوا علاوات أو رشى. وحزب العدالة والتنمية قلق للغاية.
ماذا تعتقد في التطورات التي تحدث الآن في إيران؟
الولايات المتحدة ليس لديها بدائل في إيران ولا تستطيع إزاحة النظام الحالي والمنافسة السياسية حاليا هي بين آية الله علي خامنئي المحافظ والرئيس الإصلاحي حسن روحاني، وتوجد أيضا بعض المخاوف الاقتصادية التي أدت إلى بعض الاضطرابات والاحتجاجات. وفور وقوع الاحتجاجات دخل عناصر من الولايات المتحدة وإسرائيل وسعت تلك العناصر إلى تأجيج الاحتجاجات وتحويلها إلى صراع أكبر.
وإذا جرى تنصيب حكومة مقربة من واشنطن في إيران فإن ذلك سيكون ضد المصالح التركية لأن تركيا وإيران يتعاونان في الوقت الراهن وأحبطا خطة أمريكا في كردستان.
يوجد صحفيون حاليا في السجن مثل أحمد اتلان ومحمد اتلان ونازلي إليكان وشاهين ألباي وحتى إن ظهروا من قبل في محطات تلفزيونية وصحف مقربة من انصار غولن فلا يوجد سبب مقنع لارتباطهم بغولن. وأيضا يوجد صحفيون من خلفيات دينية وكردية في السجون. لقد أصبحت تركيا سجنا للصحفيين فماذا ترى؟
نحن لا نؤيد سجن الصحفيين على أساس قيامهم بأعمالهم لكن هل من ذكرتهم كانوا يؤيدون أعمالهم الصحفية أم أن السلطات ألقت القبض عليهم لارتباطهم بمنظمة فتح الله غولن الإرهابية أو حزب العمال الكردستاني؟
الأمر متروك للقضاء. هؤلاء الناس كانوا يخدمون صراحة أغراض منظمة غولن خلال محاكمات إرغينيكون وباليوز.
دعني أطرح عليك مثالا، عناوين الأخبار التي ذكرت أنني عبرت إلى العراق في حقيبة سيارة ومعي 23 ألف بندقية مع رئيس الأركان. انت تحتاج إلى 20 شاحنة لنقل هذا العدد من البنادق.
أكين اتالاي مسجون أيضا بسبب القضية ضد صحيفة جمهوريت. هل ستستمر محاكمة جان دوندار وإرديم غول التي تتعلق بمزاعم قيام شاحنات تابعة للمخابرات التركية بنقل أسلحة إلى سوريا. وقبل حدوث أي من هذه المحاكمات، كانت صحيفة أيدنليك أول من تحدث عن هذه الشاحنات. ماذا ترى في هذه المحاكمة؟ هل هذا إفشاء لأسرار الدولة؟
ينبغي عليك مراجعة القضية بإمعان. أولا عندما تحدثت أيدنليك عن هذه القصة لم تكن السلطات أعلنت عن حظر نشر.
ثانيا لدينا رأي الادعاء : هل يستطيع دوندار نشر هذه الأخبار بنية كاملة للإطاحة بالحكومة. و لا أقول إن رأي الادعاء صحيحا أو خطأ لكنني أشرح سبب عدم خضوع الصحيفة للتحقيق. ومرة أخرى، نشرت أيدنليك الأخبار لأهداف صحفية من أجل إعلام الجماهير.