القاهرة (زمان التركية) – فى نهاية العام المنقضى 2017 قام الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بجولة أفريقية شملت ثلاث دول وهي السودان وتشاد وتونس، وحاول عدد من الباحثين والكتاب تقديم تفسيرات لمغذي هذه الزيارة، وجاءت أغلبها متفقة حول رغبة تركيا في إحداث اختراق إقليمي للقارة السمراء.
وفى مقال للباحثة السياسية منى سليمان نشره موقع السياسة الدولية بعنوان “دوافع جولة أردوغان الأفريقية” تناولت الكاتبة العديد من الدوافع وراء تلك الجولة وعواقبها على الأمن القومى العربى.
ذكرت الباحثة أن جولة أردوغان التى كانت تحمل طابعًا اقتصاديًا أمنيًّا فى نفس الوقت استغرقت أربعة أيام بصحبة 200 من رجال الأعمال الأتراك، وتم توقيع 21 اتفاقية مع دول ثلاث فى العديد من المجالات.
وأشارت إلى أن حجم الاستثمارات بين تركيا والسودان وصلت حوالى 500 مليون دولار ويعتزمان رفعه إلى مليار دولار سنويا.
ووقع أردوغان 12 اتفاقية مع الخرطوم فى مجالات عدة فى الصناعة والزراعة والطاقة والتعليم، وأيضا على المستوى الأمني تم الاتفاق على إنشاء مرسى لميناء السفن المدنية والعسكرية بجزيرة “سواكن” السودانية بالبحر الأحمر وهو ما سيتيح لتركيا التواجد عسكريا ولأول مرة على سواحل البحر الأحمر منذ تفكك الدولة العثمانية، وهو ما سيمثل خطورة وتهديدا على الأمن القومي العربي، على حد قولها.
وقد صرح وزير خارجية السودان نافياً كل ماتردد عن منح السودان الجزيرة لتركيا، وقال إن السودان ستتيح لتركيا فرصة الاستثمار فى الجزيرة فقط لا غير.
وفى المباحثات التى أجراها أردوغان فى محطته الثانية من الجولة الإفريقية، التقى “أردوغان” نظيره التونسي “الباجي قائد السبسي”، ثم عقد عدة لقاءات مع رئيس الوزراء “يوسف الشاهد”، ورئيس البرلمان “محمد الناصر”، ورئيس حركة “النهضة” “راشد الغنوشي”، وتعهد “أردوغان” بتقديم الدعم اللازم للاقتصاد التونسي، وتعزيز التعاون الأمني بين البلدين، وأعلن عن منح الحكومة التونسية قروضاً ميسرة لدعمها بلغت قيمتها 30 مليون دولار. وتم الاتفاق على تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين لمواجهة خطر الإرهاب.
ومن الجدير بالذكر أن نقابة الصحفيين التونسيين قد نظمت وقفة تضامنية مع الصحفيين والإعلاميين المسجونين فى أنقرة، كما وصفت تركيا بأنها أكبر سجن للصحفيين فى العالم وفقا لأعداد المسجونين هناك بلا اتهامات واضحة.
بعدها توجه وفد الرئيس التركي إلى العاصمة التشادية “نجامينا” والتقى نظيره التشادى “إدريس ديبى” وشهدت الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات فى المجال الرياضي والتنمية والتعاون الفني وفي المجال الضريبي وحماية الاستثمارات.
وفي نهاية الزيارة، أعلنت “نجامينا” إطلاق اسم “إسطنبول” على شارع السفارة الأمريكية بالعاصمة التشادية، في مؤشر على قوة العلاقات بين تشاد وتركيا، وتطابق وجهات نظرهما في القضية الفلسطينية.
أهداف جولة أردوغان في أفريقيا:
وفى نهاية المقال سعت الكاتبة بحثاً خلف الدوافع وراء جولة “اردوغان” الإفريقية ولفتت إلى أن تعزيز الوجود الإقليمى وفتح دوائر جديدة للسياسة الخارجية أهم ما سعى إليه أردوغان خلال جولته، حيث إن أنقرة تعتزم إنشاء قاعدة عسكرية على جزيرة “سواكن” السودانية فى سواحل البحر الأحمر، وهذا يعدّ تهديداً للأمن القومى العربي وتهديدا للأمن المصري والسعودي الذى يقوم بتأمين شواطئه.
ومن ناحية أخرى سعت تركيا لفتح آفاق جديدة لسياستها الخارجية بعد توتر علاقتها فى الفترات الأخيرة مع العديد من الدول، فعلى الصعيد الأوروبي هناك توتر فى العلاقات مع النمسا وألمانيا، وفي أسيا مع السعودية والإمارات، ومؤخرا مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا مع سوريا والعراق، حيث إن هناك اتهامات مباشرة لتركيا بالتدخل فى الشؤون الداخلية لكلا البلدين، ولذا يسعى أردوغان لتطوير علاقاته بدول جديدة لكي يتمكن من فتح أسواق جديدة لبيع المنتجات التركية، ولاسيما بعد الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد عقب انخفاض سعر الصرف لليرة التركية مقابل الدولار.
وشددت الكاتبة على أن هناك سعيا متواصلا من “أردوغان” خلف حركة الخدمة التى نشأت فى الستينات على يد المفكر الإسلامى فتح الله جولن، وكان أردوغان قد اتهم حركة جولن بتدبير الانقلاب ضده فى عام 2016 دون أي برهان أو دليل واضح على ذلك. وحتى الآن يقوم أردوغان بملاحقة كافة أنشطة الخدمة التى تمتلك آلاف المؤسسات التعليمية والتربوية في أكثر من 160 دولة حول العالم تقدم خدماتها تطوعا للطلبة للنهوض بهم، ومما لاشك فيه من بين هذه الدول هناك العديد من الدول الأفريقية.
وبالفعل دعا أردوغان كلا من تشاد وتونس لإغلاق جميع مؤسسات حركة الخدمة مثلما وافقت السودان.
واختتمت الباحثة المصرية منى سليمان بقولها: “إن صانعي القرار العربي كانوا مدركين للتحرك التركي، ولتداعيات جولة “أردوغان”، حيث انتقد وزير الخارجية بالإمارات “أنور قرقاش” تصاعد النفوذ التركي والإيراني بالمنطقة، وأكد أن الدولتين لن تتمكنا من قيادة الدول العربية. وزيارة وزير الخارجية المصري “سامح شكري” لأبوظبي، وعقده لقاء مع نظيره الإماراتى الشيخ “عبد الله بن زايد آل نهيان” يوم 28 ديسمبر 2017، بحثا فيه الأوضاع العربية والإفريقية وأمن المنطقة، وجددا رفضهما لكل أشكال التدخل الأجنبي في شئون المنطقة والدول العربية من خارج الإقليم. وشكل ذلك الأمر رسالة مباشرة “لأردوغان” بأن تحركاته المهددة للأمن القومي العربي لن تمر بلا رادع أو رد. ولذا، فإن عام 2018 سيشهد المزيد من جولات التنافس الإقليمي العربي- التركي”، على حد تعبيرها.