بقلم: لفنت كاناز
من قتل اليهود واستباح دمائهم؟ إنه هيتلر أليس كذلك؟ بل الإجابة خاطئة، فالألمان هم من قتلهم… فالجميع كانوا على علم بكل ما يجري.
أنا الآن أعكف على قراءة كتاب جمع المراسلات والخطابات المرسلة من قبل الجنود الألمان في الحرب العالمية الثانية إلى ذويهم وعائلتهم. كان الجميع على علم بما يجري من أقل رتبة إلى أعلى رتبة في المؤسسة العسكرية. بعضهم فضل أن ينقل الأحداث عن طريق التشبيهات والاستعارات وآخرين فضلوا الجرأة والشجاع وكانوا يسردون الأحداث بصراحة واضحة. بعضهم كان يشمئز مما يحدث، وآخرون يرون أن هذا ما يجب فعله.
عندما عرضت محاكم نورنبرغ مشاهد المجازر التي حدثت، كان هناك من يحنون رؤسهم، لأنهم كانوا شهودًا على تلك الأحداث.
هل الجنود فقط؟ كلا، كان اليهود الذين يرسلون إلى المعازل والمعسكرات يلقون أمتعتهم وممتلكاتهم في قارع الطريق، فظهرت صور لمشاهد سرقة الأشخاص العاديين ودهسهم لبعضهم البعض من أجل أن يحصل كل منهم على نصيبه في الغنيمة. بعد ذلك بدأوا يمرون بأصعب لحظات حياتهم على الإطلاق. بدأت الفوضى تعم البلاد بمدنها المختلفة بين أحداث سرقة وتخريب وحرق، ووصل الأمر إلى قتل بعضهم البعض.
شاء القدر أن اطلع على معلومة غريبة ومثيرة للغاية في هذا الكتاب؛ كان شهود “يهوه” -إحدى الطوائف المسيحية والتي لا تعترف بالطوائف المسيحية الأخرى- من وقفوا بجانب هتلر في مجازره ضد اليهود حتى اللحظات الأخيرة. من المتعارف عليه أنه وفقًا لاعتقاد هذه الديانة المسيحية أنها لا تلجأ للعنف ولا تحب الدخول في حروب، إلا أنه هذه المرة كانت تعدم رجالاتها الذين يفرون من تأدية الخدمة العسكرية. كانت الكنيسة على غير المعتاد قاسية متحجرة القلب، ولكن كان هناك محاولات للتوصل إلى حل وسط. كان قال لهم إنهم لن يتم إعدامهم إذا تمكنوا من السيطرة على الأراضي والمساحات خلف جبهة المعركة. إلا أن أغلبهم تردد ورفض المشاركة، وكان الرد قاس من قبل الكنيسة التي واصلت عمليات الإعدام في المتخاذلين والمكسرين لأوامرها.
****
في المستقبل القريب عندما يرحل هذا النظام المسيطر على الحكم في تركيا – وإن شاء الله يكون ذلك عن طريق الانتخابات، وإن كان هذا الأمل ضئيلاً – ستلقى كافة المساوئ والأوزار على كتف أردوغان، وسيخرج الجميع ليطهر يده من النجاسات التي أصابتهم في أظلم عهود دولة الجمهورية التركية.
فاردوغان ونظامه، هما حكاية أكبر فشل في تاريخ الجمهورية التركية على مدار 95 عامًا…
لكن الأمر في حقيقته ليس كما يعتقد ويحاول البعض لترويجه أن كل ما يحدث في تركيا من ظلم وانتهاكات يقف وراءه شخص واحد أو جماعة أو حزب بمفرده… وإنما الأمر أشبه بانفجار عجين في المرحلة الأخيرة لم يكن صالحًا منذ البداية ولم تفلح عملية تخميره
إن ما نعيشه اليوم في تركيا هو المباراة النهائية التي يلعبها الكيان الذي حاول إغلاق حزب العدالة والتنمية الحاكم في 2008، وحاول منع عبد الله جول من الترشح لرئاسة الجمهورية، ووجه لحكومة أردوغان ما يسمى “التحذير العسكري الإلكتروني” في 2007، ومنع الحجاب على الطالبات لسنوات طويلة، وأغلق عددًا لا يحصر من الأحزاب السياسية سابقًا، ويسخر من عامة المواطنين من خلال وسائل إعلامه المتملقة..
هذا النظام الذي لا يمكنه بأي حال من الأحوال الاستمرار بهذا الشكل، عاجلًا أو أجلًا سيكون مصيره الانهيار. أمَّا هذا البلد فإن كان لديه القليل من الحظ، فإن هذا الانهيار سيكون عن طريق صناديق الانتخابات. فالإطاحة بهذا النظام بالطرق الأخرى ستكون فاتورته موجعة للغاية على الجميع.