(زمان التركية)ــ تناول موقع (أحوال تركيا) قصة أحد السياسيين المشاركين في تأسيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، في تركيا والنائب السابق في البرلمان، بعد “خيبة الأمل” التي دفعته لمغادرة الحزب، وتحوله إلى أبرز المعارضين.
وأجري أحوال تركية” حوارا مع عبد اللطيف شنر النائب السابق عن حزب العدالة والتنمية، جاء فيه:
حرص عبد اللطيف شنر عند مشاركته في تأسيس حزب العدالة والتنمية الحاكم على الالتزام بالمثالية السياسية على قدر الإمكان، لكنه سرعان ما أصيب بخيبة الأمل إزاء توجه الحزب وأسلوب إدارته على المستويات العليا في 2007 ليغادر صفوفه بعد خمس سنوات قضاها كممثل له في البرلمان دون أي شعور بالندم. وفي السنوات الأخيرة، تحول شنر إلى أحد أبرز منتقدي حزب العدالة والتنمية وأسلوب قيادته، مهاجما باستمرار ما يصفه بخطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للاستمساك بالسلطة.
وللتعرف على المزيد من آرائه وآماله والمثل العليا التي أراد تطبيقها عند مشاركته في تأسيس الحزب ولماذا غادر الحزب الذي ساهم في خروجه إلى النور، حاورت “أحوال تركية” السياسي التركي الذي كان يشغل يوما منصب نائب أردوغان عندما كان الأخير رئيسا للوزراء، وتحديدا في الفترة بين 2002 و2007.
يقول شنر إنه ساهم بشكل كبير في تطوير أفكار الكيان الذي أصبح في النهاية حزب العدالة والتنمية، حيث ترأس العديد من اللجان وأدلى بدلوه في البرنامج النهائي للحزب. وبعد عدد كبير من الاجتماعات والمناقشات والمؤتمرات في العديد من المدن التركية، دشن مؤسسو الحزب ما كان يعتقدون أنه كيان يتحلى بالديمقراطية.
وأوضح شينر كيف عمل زعيم الحزب أردوغان في البداية على الدفع بأجندة ديمقراطية مع الترويج لفكرة بناء شراكة مع الاتحاد الأوروبي.
يتذكر شنر هذه الأيام قائلا “للأسف في تركيا، عندما تجد أي شخص يتحدث عن تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، تعلم في قرارة نفسك أنه لا يفعل ذلك إلا لخدمه مصالحه الشخصية.”
وأضاف أنه أدرك أنه كلما سيطر أردوغان أكثر وأكثر على المؤسسات الحكومية والهيئات الرقابية، كلما ابتعد عن القيم الديمقراطية التي استند عليها الحزب عند تأسيسه.
يقول شنر إن أردوغان عمد أولا إلى السيطرة على المحكمة الدستورية التى يقع ضمن مسؤولياتها الإشراف على الاحزاب السياسية، ثم وضع نصب عينيه القضاء على السلطات الواسعة التي كانت تتمتع بها المؤسسة العسكرية بوصفها حامية العلمانية في البلاد، وأطاح بأي معارض لسياساته من بين كبار قادة الجيش عبر الإقصاء والعزل من المنصب.
وقال شنر إن ترسيخ مبدأ الرقابة المدنية على الجيش كان يهدف في الواقع إلى تحقيق الصالح العام، لكن تعزيز هذه الرقابة للأسف ترك البلاد أيضا دون أي سلطة أخرى يمكن أن تحقق التوازن مع سلطة الرئاسة.
كما أصبحت المنظمات الإعلامية أكثر اعتمادا على الحكومة، ما ساهم في تصوير أي شخص ينتقد أردوغان على أنه صاحب نوايا مشبوهة، في حين تم الزج بالعديد من الصحفيين في غياهب السجون.
وتابع شنر قائلا إن حزب العدالة والتنمية أسس علاقات مع جماعات دينية بعينها على أساس المنفعة المتبادلة ودأب على مكافأة المنظمات التي تقف دائما في صف أردوغان.
ومع سيطرة الحزب بالكامل على نظام الضوابط والتوازنات في هيئات إنفاذ القانون وقضائه على كافة أوجه المعارضة السياسية وتعديل القوانين لصالح قيادات الحزب، وأخيرا إجراء استفتاء السادس عشر من أبريل 2017 الذي سمح بإجراء تغييرات جذرية على الدستور والجهاز القضائي، بات من الواضح أن تركيا في طريقها لأن تصبح خاضعة لحكم رجل واحد.
اليوم، باتت الحكومة التركية تشبه إلى حد بعيد حكومات الدول الـ56 الأخرى في الشرق الاوسط، وبلغت تركيا مرحلة لا يوجد فيها قضاء مستقل ولا ديمقراطية ولا صحافة حرة ولا احترام لحقوق الإنسان، بحسب قول شنر.
واعترف نائب أردوغان السابق أنه لطالما اختلف معه في العديد من الموضوعات، بما في ذلك الخصخصة، حيث قال إنه بصفته الرئيس السابق للجنة الخصخصة، أبدى معارضته لمزاعم حزب العدالة والتنمية بأن الخصخصة ستعود بالنفع على المواطنين. وعوضا عن ذلك، حسبما يقول شنر، يستغل مسؤولو الحزب الحاكم خطط الخصخصة من أجل الحصول على مزايا وتحقيق مصالح شخصية.
وعندما عاد أردوغان إلى قيادة حزب العدالة والتنمية بعد أن أقرت نتيجة استفتاء أبريل رفع مبدأ الحياد عن الرئيس، قال وقتها إن “هؤلاء الذين أداروا ظهورهم للحزب لم ينجحوا أبدا!” لكن شنر يقول “حزب العدالة والتنمية ليس قويا أو مزدهرا. ولا يعني كونه الحزب الحاكم أنه ناجح.”
ويضيف المؤسس المشارك للحزب أنه فقد الكثير من أفكاره الواعدة السابقة، قائلا إن “حزب العدالة والتنمية يتمحور الآن حول فكرة الزعيم، أو الرئيس أردوغان.”
ورغم ذلك، يرى شنر أنه لا يمكن لأي من الأعضاء السابقين في حزب العدالة والتنمية أن يشكل تهديدا قويا لأردوغان الذي يبدو عازما على المضي قدما في خطته للتشبث بالسلطة حتى النهاية.
يقول شنر “يسيطر أردوغان على 90 في المئة من المنظمات الإعلامية. والجمهور..أعني رجل الشارع العادي لا يدرك ما تعلمه أنت. إنهم يعتقدون أن البلاد تسير على ما يرام، والاقتصاد قوي، وأن القيادة التركية تحظى باحترام كبير في العالم.”
وينبه شنر إلى أن تركيا دخلت بالفعل في خلافات أو حتى في صراعات مع العديد من الـ128 دولة التي أدانت إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل في قرار تم التصويت عليه مؤخرا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأضاف “ورغم ذلك، فإن وسائل الإعلام في تركيا أغدقت بالثناء على أردوغان باعتباره زعيما عالميا عظيما!”
لكن هذا لم يمنع شنر من الشعور بالفخر إزاء مجهوداته على مدار السنوات السبع الأولى من عمر الحزب، كما يسعده أيضا أنه “لا علاقة له بالحزب” منذ عام 2007 إذ يقول إن السنوات السبع الأخيرة شهدت تآكلا ملحوظا في أيديولوجية الحزب وفي ثقة المواطنين فيه.
وبصفته زميلا سابقا لأردوغان، يتنبأ شنر بأن سقوط الرئيس التركي أمر وشيك ومحتوم، وربما يحدث خلال السنوات الأربع أو الخمس المقبلة.
وتابع قائلا “ليس لأردوغان أي صديق حقيقي قريب منه. فقد انفض الجميع من حوله والآن لا يرغبون في شيئ أكثر من التخلص منه. لقد طفح الكيل بهم، وسوف يتخلون عنه في أضعف لحظاته.”