(الزمان التركية) – في الخامس عشر من يوليو/تموز اتجهت أنظار العالم صوب تركيا، لمراقبة الأحداث التي تقع هناك، ففجأة ودون سبق إنذار تم الإعلان عن انقلاب عسكري في تركيا، ودون أي تحقيق تم اتهام الأستاذ فتح الله كولن بأنّه من يقف خلف هذا الانقلاب هو وحركته؛ في الوقت الذي رفض فيه الأستاذ فتح الله كولن أيّ انقلاب يحدث في تركيا، ومن هنا بدأ كثير من المهتمين بتركيا والوضع التركي في البحث والحديث عن الأستاذ فتح الله كولن وعن حركة الخدمة التي استلهمت فكرها منه، وقد أعدّت جريدة “الزمان التركية” هذه النبذة المختصرة للتعريف بالأستاذ فتح الله كولن وحركة الخدمة.
نبذة مختصرة عن حركة الخدمة
- من هو الأستاذ محمد فتح الله كولن؟
عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.
اتسع مدى تأثيره إلى خارج تركيا، فانتشر طلابه ومحبوه في 170 دولة عبر العالم.
ويتميز خطابُه الدينيُّ والفكريُّ بالدعوة إلى السلم العالمي من خلال الحوار بين الثقافات وبين أتباع الديانات المختلفة، حيث حصل على جائزة غاندي العالمية للسلام عام 2015، كما صنَّفتْه مجلة فورين بولسي الأمريكية في استطلاع لها عام 2008 نُشِرَ بالتعاون مع مجلة بروسبيكت البريطانية واحدا من أهم الشخصيات العامة المؤثرة في العالم.
- ما هي “الخدمة”؟
الخدمة حركة مدنية تربوية ومجتمعية ظهرت في تركيا عام 1966 على أساس أفكار واجتهادات المفكر التركي محمد فتح الله كولن. وقد أُطْلِقَ عليها اسم “الخدمة” نظرا لطبيعة أنشطتها القائمة على خدمة الإنسانية في مجال التربية والتعليم، وقد ظهرت أول مؤسسة أنشأتها لاستقبال الطلبة بتأثير من أفكار الأستاذ كولن سنة 1974 في مدينة إزمير، ومنها إلى بقية أنحاء تركيا، حيث تُعَدُّ الخدمةُ اليوم واحدة من أكثر الحركات المدنية انتشارا.
ومع بداية التسعينات وبفعل الحاجات التربوية والتعليمية والاقتصادية لأبناء دول آسيا الوسطى التي خرجت من سلطة الاتحاد السوفياتي، امتد نشاط المتطوعين من أبناء الخدمة –وخاصة المعلمين والتجار-إلى هذه الدول، ودول البلقان…
وخلال ربع القرن الأخير انتشر نموذج حركة الخدمة بدافع النجاحات التي حَقَّقَها، في أغلب الدول على امتداد القارات الخمس، حيث إن للخدمة اليوم أنشطةً وبرامج تعليمية وثقافية وغيرها في 170 دولة عبر العالم.
- ما هي رسالة الخدمة؟
تتلخص رسالة الخدمة كما تُعبّر عنها كتب وأفكار الأستاذ محمد فتح الله غولن المنشورة خلال الأربعين سنة الماضية في بناء الإنسان وإعداده تربويا وتعليميا وفكريا، حتى يكون مُؤهَّلا لإسعاد نفسه، ومساعدة غيره، ورقي مجتمعه، وتقدم بلاده؛ وليتشبع بقيم التعايش والحوار فيكون عنصر سلام في عالمه.
- ما رؤية حركة الخدمة في التغيير؟
تتلخص رؤية حركة الخدمة لبلوغ رسالتها في التركيز على العمق المعنوي والحضاري والمجتمعي للإنسان، حيث لا تشتغل بالعمل السياسي لأنها تَعْتَبِرُ التنافس على السلطة منهجا غيرَ مناسبٍ لتحقيق غاياتها الكبرى، المتمثلةِ في محاربة ثلاثة أعداء عالميين، هم الفقر والجهل والصراع بمختلف أشكاله، عن طريق التربية والتعليم والأنشطة الاقتصادية والإغاثية والتركيز على برامج الحوار في كل مكان من العالم.
- ما هي وسائل حركة الخدمة لتحقيق أهدافها؟
تتمثل الوسائل التي تستثمرها حركة الخدمة لتحقيق غاياتها في العمل الإيجابي البناء من خلال المجالات التالية:
- التعليم، ببناء المدارس والجامعات وإقامات الطلبة ومراكز الدعم المدرسي.
- الإعلام والنشر والثقافة والفنون، بتأسيس دور نشر الكتاب وإصدار الصحف والمجلات وتنظيم الندوات والمحاضرات وإقامة المعارض والمهرجانات الثقافية والفنية التي تُعَدُّ وسيلةً لتعارف الشعوب وتلاقُح الثقافات.
- برامج الحوار بموضوعاته ومجالاته المتنوعة وبين مختلف الفُرَقاء عبر دول العالم.
- الأنشطة الاقتصادية، بتشجيع الناس على الكسب الاقتصادي ومساعدتهم على امتلاك الخبرات في هذا المجال، ليتمكنوا من مساعدة غيرهم من المحتاجين، والاستثمار بدورهم في ميادين التربية والتعليم.
- العمل الإنساني والإغاثي، حيث تمتد أنشطة جمعية “كيمسه يوكمو” (هل من أحد؟) التي أسسها المتطوعون من أبناء الخدمة في عدد من الدول في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.
وتتميز المؤسسات القائمة على هذه المناشط بالاستقلالية التامة عن بعضها، وعدم وجود علاقة تنظيمية بينها قائمة على العضوية، بل على نسق مفتوح، مبنيٍّ على استلهام فكر الأستاذ محمد فتح الله كولن. وتعود تلك المؤسسات لأشخاص أو شركات خاصة أو جمعيات مدنية مستقلة أسسها متطوعو الخدمة.
- ما هي إنجازات حركة الخدمة؟
بلغ عدد المدارس التي أسسها المقتنعون بأفكار حركة الخدمة داخل تركيا وخارجها حوالي 3000 مدرسة، وعدد الجامعات 30 جامعة في دول كثيرة، ويتخرج من هذه المؤسسات التعليمية آلاف الطلاب الذين يستجمعون في تكوينهم البُعدَينِ المعرفيَّ والقيميَّ، وتَترسَّخ فيهم سلوكيات السلم وقبول الآخر والتعايش الإيجابي، حيث يدرس في تلك المؤسسات طلابٌ من مختلف الجنسيات والأديان والأعراق والطوائف عبر العالم، إلى درجة أنها تُعتبر “جزر سلام في عالم متوتر”، خصوصا في بعض مناطق الحروب والتوترات.
كما يقدم متطوعو حركة الخدمة خدماتٍ إغاثيةً وطبيةً ومساعداتٍ إنسانيةً في مناطق الكوارث وبُؤَر التوتر، والدول التي تعرف خَصَاصا لهذه الخدمات في آسيا وإفريقيا حيث تعمل مؤسسة “هل من أحد؟”.
وبالإضافة إلى أنشطتها المتنوعة في المجال الاقتصادي حيث تنشط في ربط علاقات الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك بالعالم، وأنشطتها في مجال تعليم اللغات والبرامج التعريفية بحضارات وثقافات المجتمعات المختلفة، فإن حركة الخدمة تُعَدُّ اليوم نموذجا عالميا رائدا في مجال تثبيث السلم العالمي من خلال الحوار الديني والثقافي، وتجربةً رائدة تستلهمها دول ومؤسسات مَعْنِيَّة بهذا المجال.
- أسئلة تتكرر حول الخدمة
علاقة حركة الخدمة بالأستاذ النورسي: هي علاقة محبة وتقدير وقراءة لرسائل النور واستفادة منها، سواء بالنسبة للأستاذ محمد فتح الله كولن أو لسائر محبيه من مُتطوعي حركة الخدمة، لكن في انفتاح على غيره من العلماء والمفكرين القدماء والمعاصرين والاستفادة منهم جميعا، كمولانا جلال الدين الرومي وغيره..
علاقة الخدمة بالسياسة: بالرغم من عدم اقتناع الخدمة بدخول حلبة التنافس على السلطة لبعده عن تحقيق غاياتها الأشمل في بناء الإنسان وتحقيق السلم العالمي.. فإنها لا تنتقِد الذين يمارسون العمل الساسي شريطةَ ألا يستغلوا القيم الدينية لتحقيق مكاسب سياسية خاصة. ولأن حركة الخدمة تؤمن بالحرية السياسية والحقوق الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة يجد كثير من المؤمنين بتلك المبادئ والمدافعين عنها أنفسهم قريبين منها في بعض المراحل، يشاركونها بعض برامجها أو يُدْعَون لأنشطتها دون أن تَتَّخِذَ الخدمةُ لونا سياسيا محددا أو خيارا حزبيا مُلْزِمًا للمتطوعين من أبنائها.
كما تؤمن حركة الخدمة بالشفافية، فكل أهدافها ومشاريعها والمؤسسات التي انبثقتْ من رؤيتها علنية، إذ ليس لديها ما تخفيه.
أما عن سؤال موقف حركة الخدمة من العنف فقد أثْبَتَ تاريخُها الممتد لخمسين عاما، أنه لم يسبق قط تَورطُّ أي شخص يحمل أفكارها في أي سلوك عنيف. لأن ذلك مناقض لمنهجها في التربية على السلم والتعايش، ولرؤيتها التي تؤكد أن “الإرهابي لا يمكن أن يكون مسلما، كما أن المسلم لا يكون إرهابيا”.
وعن موقف حركة الخدمة من المؤسسات العامة للدولة، ترى الخدمة أولا وجوبَ المحافظة على الدولة، وأن أسوأ دولة أفضل من لادولة، كما تنظر إلى سائر مؤسسات الدولة باعتبارها ملكا لأبناء الشعب، وتَعْتَبِرُ الانتساب إليها حقا لكافة المواطنين كما ينظم ذلك القانون دون اعتبارات تمييزية على أي أساس آخر. ويقوم عمل حركة الخدمة في كافة أنحاء العالم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
- ما الذي يمكن استفادته من سلوك حركة الخدمة في مواجهة الاتهامات الحالية لها؟
اجتاز المتطوعون في حركة الخدمة والمتعاطفون معها ظروفا قاسية بسبب الادعاءات الظالمة التي وُجَّهَتْ إليها، وافتراءاتِ وقوفها خلف “المحاولة الانقلابية” التي جرت في تركيا صيف عام 2016، وما تلا ذلك من ألوان الاضطهاد والظلم التي تَعَرَّضُوا لها. وهذه الظروف هي من جهةٍ، مُنَاسَبَةٌ لاختبار رؤيتها وسلوكها في كل الحالات بما في ذلك أصعبها.
فمن الدروس المستفادة من هذه التجربة: استمرارها في العمل الإيجابي، الذي يحقق رسالةً ساميةً آمنَ بها أبناؤها ونذروا حياتهم لتحقيقها، وذلك في كل مكان ومجال متاح.
الدرس الآخر هو التزامها الثابت –برغم تلك الظروف- بالخط السلمي الذي آمنتْ به ودعتْ إليه دائما، وعدم الانجراف إلى الصراع بأي شكل من أشكاله، سواء العنيف أو السياسي.
كما تُمَثِّلُ مقابلةُ المظالم بالالتزام بالقانون من قِبَل حركة الخدمة، والإصرارُ على الاحتكام إلى المؤسسات الشرعية درسا بليغا آخر في هذا السياق.