بقلم: منى سليمان
شهدت الساعات القليلة الماضية عدة أحداث إرهابية في عدد من دول العالم راح ضحيتها عشرات القتلي والجرحي بدءًا من حادث (تفجير قنبلة بمسرح غنائي بمدينة مانشستر في إنجلترا، وتفجير بموقف حافلات بالعاصمة الأندونيسية جاكرتا، ومهاجمة أتوبيس سياحي لأقباط بمحافظة المنيا في جنوب مصر)، وقد تبني تنظيم “داعش” الإرهابي كافة تلك الحوادث التي مثلت رد فعل للتنظيم على نجاح القمة الإسلامية الأمريكية لمكافحة الإرهاب بالرياض يوم 22 مايو 2017، حيث أصدرت القمة “إعلان الرياض” الذي تعهدت فيه كل الدول المشاركة بالتعاون لمكافحة الإرهاب سياسيًا وعسكريًا وفكريًا. وقد اكتسبت تلك القمة أهمية خاصة حيث إنها كانت جزءًا من الجولة الخارجية الأولى للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الذي تعهد بوضع مكافحة الإرهاب كأحد أولويات إدارته، وهو ما يضاعف الاهتمام الدولي بمحاربة الارهاب خاصة في منطقة الشرق الاوسط التي تعد “مفرخة” للتنظيمات الإرهابية، فهل ستنجح الجهود الإقليمية والدولية في مكافحة الإرهاب؟ هل ستنجح الرياض وواشنطن والقاهرة تحديدًا وهي الدول الثلاث الراعية “لإعلان الرياض” في مواجهة تلك التنظيمات؟ أم أن الإرهاب سيستمر في حصد المزيد من الأرواح البريئة في كل دول العالم دون تفرقة بين مسلم ومسيحي أو عربي وغربي؟ هذا ما سنحاول مناقشتهفيما يلي:
أولا:الفعاليات السياسية بالرياض .. الأهمية والمضمون:
خص الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” المملكة العربية السعودية لتكون أولى محطات جولته الخارجية الأولى يوم 21 مايو 2017، وهو بذلك يكون قد نقض بروتوكولاأمريكيا متعارفا عليه منذ عقود بأن تكون الزيارة الأولى لإحدى دول الجوار الأمريكي مما يدل على أمرين ..الأول:رغبته في معالجة الفتور الذي ساد العلاقات الأمريكية العربية خلال فترة حكم سلفه “باراك أوباما”، والثاني: رغبة واشنطن في إعادة الانخراط بفاعلية في شؤون الشرق الأوسط مرة أخرى،وقد استمرت زيارة “ترامب” للرياض يومين، شهد خلالهما عقد 3 قمم هي القمة السعودية الأمريكية، القمة الخليجية الأمريكية، القمة الإسلامية الأمريكية لمكافحة الإرهاب.
- العلاقات السعودية والخليجية الأمريكية:
فور وصول “ترامب” للرياض الذي استقبل استقبالا حافلاً لم يحظ به أى رئيس دولة من قبل، عقدت قمة ثنائية “سعودية – أمريكية”، شهدت توقيعالبلدين حزمةواسعةمنالاتفاقياتالعسكرية والاقتصادية بلغت أكثر من 30 اتفاقية بلغت قيمتها 410 ملياراتدولار على مدى 10 سنوات، منها 110 ملياراتدولارعقود لاستيراد أسلحة أمريكية للمملكة سيتم تنفيذها على الفور، و350 ملياردولارسيتم تنفيذها على مدىالسنواتالعشرالقادمة. ليسجل بذلك أكبر صفقة في التاريخ بين أى دولتين.وقد لبت تلك الصفقات حاجة الرئيس “ترامب” لضخ المزيد من الاستثمارات الخارجية في الاقتصاد الأمريكي مما يعزز مكانته بالداخل، كما أنها عبرت عن توجه جديد في الداخل السعودي حيث وقعت الرياض على اتفاقات تهدف لتوطين تصنيع الأسلحة الأمريكية في الرياض لأول مرة في تاريخها، بغية تنفيذ رؤية 2030 للمملكة. ولتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وربطها بمزيد من الاتفاقات والمصالح الاقتصادية.
ثم عقدت في اليوم التالي القمةالخليجية – الأمريكية،التي شهدت إعادة التأكيد على الشراكة الإستراتيجية بين الطرفين، لاسيما محاربة الإرهاب واستقرار الشرق الأوسط.
- مضمون قمة مكافحة الإرهاب بالرياض:
عقدت في الرياض يوم 22 مايو 2017 قمة دولية لمكافحة الإرهاب، بمشاركة 55 دولةخليجية وعربيةوإسلامية وبرعاية المملكة العربية السعودية وكانت أبرز المشاركات للرئيسيين الأمريكي “دونالد ترامب”، والمصري “عبد الفتاح السيسي”. وقد تحدثت كل الدول في القمة وأعلنت عن رؤيتها لمكافحة الارهاب الذي لم يترك دولة إلا وأدركها بأفعاله الإجرامية، ثم صدر في ختام القمة إعلانالنوايابتأسيس “تحالفالشرقالأوسطالإستراتيجيفيمدينةالرياض”،الذيستشاركفيهالعديدمنالدولللإسهامفيتحقيقالسلموالأمنفيالمنطقةوالعالم،وسوفيتماستكمالالتأسيسوإعلانانضمامالدولالمشاركةخلالعام 2018. ويمكن تلخيص الرؤى الاستراتيجية في القمة فيما يلي:
*وصف الملك “سلمان” ملك السعودية في كلمته أمام القمة النظامالإيرانيبرأسحربةالارهابالعالميمنذالثورةالايرانية وحتىالآن.
*أجمعت كل الرؤى التي طرحت أمام القمة على ضرورة محاربة تنظيم “داعش”والقضاء عليه وكلالتنظيماتالارهابيةاياكاندينهااومذهبهااوفكرها.
* قدم الرئيسالمصري”عبدالفتاحالسيسي” رؤية استرايتجية متكاملة من أربع نقاط لمحاربة الارهاب وقد اعتمدها “مجلس الأمن الدولي” كوثيقة استراتيجية لمحاربة الارهاب، وهي تشمل (محاربةجميعالتنظيماتالإرهابيةبدونتمييز،مواجهةكافةأبعادالإرهابفيمايتصلبالتمويلوالتسليحوالأبعادالسياسيةوالأيدلوجية،القضاءعلىقدرةالتنظيماتعلىتجنيدواستمالةعناصرجديدة،تصويبالخطابالدينيبمايؤديإلىثورةفكريةشاملة)
*الرئيسالأمريكي”دونالد ترامب” جدد دعم بلاده لكافة صور محاربة الارهاب في دول الشرق الاوسط، بيد أنه نفي ضمنيا إرسال المزيد من الجنود أو الدفع بقوات برية جديدة للمنطقة، واقتصر قوله على “دعوة المسلمونبإخراجالإرهابيينمنمجتمعاتهم وبلادهم. لأنهلا يمكنلدولالشرقالأوسطأنتنتظرالقوةالأمريكيةلسحقالإرهابنيابةعنها”.
*مضمون إعلان الرياض:
- تأسيسمركزعالمىمقرهالرياضلمواجهةالفكرالمتطرف،ولتبادلالمعلوماتبشأنالمقاتلينالأجانبوتحركاتالتنظيماتالإرهابية.
- التزامالدولالراسخبمحاربةالإرهاببكلأشكاله،وتمالاتفاقبينالدولالمشاركةعلىالتصدىللجذورالفكريةللإرهابوتجفيفمصادرتمويله.
- توفير 34 ألفجندىكقوةاحتياطلدعمالعملياتضدالإرهابفىالعراقوسوريا.
- تعزيزالتعايشوالتسامحالبناءبينمختلفالدولوالأديانوالثقافات.
3- قراءة في مضمون “إعلان الرياض لمكافحة الارهاب”:
*التحضير الجيد والإعداد والتنظيم الممتاز من قبل الرياض أظهر للعالم أن الدول العربية والإسلامية تمتلك من الحضارة والثقافة ما يؤهلها لاستضافة مثل تلك المؤتمرات العالمية.
*الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” طرح رؤيته لمكافحة الإرهاب وهي رؤية وسط بين رؤية سلفه “باراك أوباما” والرئيس الأسبق “بوش الابن”، فهو يشيد للمرة الأولى بالحضارة والثقافة العربية وجدد دعم بلاده لها سياسيًا ودعم الدول العربية والإسلامية بعد الانتقادات التي وجهها من قبل للحضارة الإسلامية والمسلمين خلال حملته الانتخابية، ولكنه أكد بوضوح على رفضه التدخل العسكري المباشر في الدول العربية لمكافحة الإرهاب، أى أن واشنطن ستقدم الدعم اللوجيسيتي فقط لمحاربة الإرهاب.وستقوم بضربات جوية انتقائية ضد معسكرات الإرهابيين في سوريا والعراق وربما أفغانستان، بيد أنها لن تدفع بقوات برية موسعة أو تخوض حربا شاملة ضد الإرهاب.
*أجمعت دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية على مهاجمة إيران، ووصفها “ترامب” بأنهاتنشرالدماروالفوضىوتؤججالصراعالطائفيفيالمنطقة، مما يؤكد على تغير نهج واشنطن في التعامل مع طهران مما سيؤثر على دول الخليج والشرق الأوسط مستقبلا.
*لم يشر الإعلان بأى شكل للقضيةالفلسطينية رغم أن جرائم إسرائيل تمارس ضد الشعب الفلسطيني كل أنواع الإرهاب، إلا أنه تم تجاهلها كما ترددت شائعات إسرائيلية عن وجود صفقة بين الرياض وتل أبيب برعاية أمريكية يتم بمقتضاها تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل تخفيف القيود على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
* “ترامب”حدد مصالح بلاده في منطقة الشرق الأوسط .. بدءًا بحاجته للاستثمارات السعودية الضخمة في السوق الأمريكي وهي التي شجعته على القيام بتلك الزيارة، ثم حاجته للمشاركة العربية الهامة لمكافحة الإرهاب بقوات عربية بدلا من نظيرتها الأمريكية ليتجنب حدوث أى خسائر بشرية أو مادية في صفوف قوات بلاده، وقد عدد في خطابه العمليات العربية الناجحة التي قامت بها الأردن والإمارات ولبنان ضد التنظيمات الإرهابية في اليمن وسوريا وتمت بنجاح بعد التنسيق مع القوات الأمريكية.
ثانيًا: ردود الفعل :
الإعداد الجيد والحضور المكثف لرؤساء الدول أدى لنجاح القمة الإسلامية الأمريكية وإخراجها بمظهر مشرف أبهر الحاضرين، وكانت الرسائلالموجهة من القمة ضد الأطراف المتهمة بدعم ورعاية الإرهاب واضحة ومباشرة، وهي (إيران، قطر، داعش) مما أدى لبدء تلك الاطراف حالة من الاستنفار السياسي والأمني للدفاع عن نفسها ضد اتهامها المستمر بدعم الإرهاب حيث وجهت لها قمة الرياض تحذيرًا مباشرًا لوقف دعمها لمكافحة الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر عبر الدعم العلني أو اللوجيستي، وقد تلخص رد فعلها في:
*”داعش”:ردتنظيم “داعش” الإرهابي على القمة بتحد كبير حيث شن هجمات إرهابية شرقًا وغربًا، واستهدف عناصر جديدة وآليات تنفيذ جديدة ليثبت أنه مازال قادرًا على إيقاع المزيد من القتلي والضحايا، بل انه تعهد في بيان اصدره في اول ايام شهر رمضان الكريم بشن هجمات مكثفة على اهداف غربية طوال الشهر الكريم.
*قطر: مازالت أزمة تصريحات أمير قطر “تميم آل ثاني” مستمرة وسيكون لها المزيد من التداعيات، والتي أعقبت انتهاء أعمال القمة وتضمنت انتقادات حادة موجهة منه للمملكة العربية السعودية والإمارات ومصر، مقابل إعلانه صراحةً تعاونه مع إيران وإسرائيل بما يخالف الإجماع الخليجي، وهو إن دل على شىء يدل على استشعاره بالتهديد المباشر عقب إصرار القمة على محاربة الدول الداعمة للإرهاب والتنظيمات الإرهابية التي تقدم دعما لوجيستيا وماديا لها ومنها بلا أى مواربة قطر، فكانت تصريحات “تميم” ردًا على إعلان الرياض.
* لبنان:رفض رئيسالجمهوريةاللبنانية “ميشالعون” إعلان الرياض، رغم مشاركة بلاده في القمة، وذلك بعد وصف البيان “حزباللهاللبناني” بالتنظيم الإرهابي، وهو ما رفضه “عون” لانه حزب مشارك في الحكومة اللبنانية ومجلس النواب اللبناني.
* إيران: كانت الاتهامات مباشرة لطهران بدعم الإرهاب ونشر الفوضى في العراق وسوريا واليمن عبر دعم ميليشيات شيعية مسلحة فضلا عن التدخل في شؤون الدول الخليجية وتهديداتها المستمرة لمملكة البحرين، مما دفع الرئيس الإيراني المنتخب “حسن روحاني” لدعوة واشنطنإلىالتحاورمجدداًمعطهرانلأناستقرارالمنطقةلايتم دونمساهمةإيران،وهي دعوة تحمل تلويحًا بالمزيد من التدخل والعبث الإيراني بأمن المنطقة لأن بيدها الكثير من الملفات، فيمكن لطهران وقف دعمها للجماعات والميليشيات المسلحة التابعة لها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وأفغانستانوبذلك تنشر الاستقرار في دول المنطقة ويمكن حدوث العكس كذلك، فإيران التي حققت الكثير من الانتصارات السياسية خلال السنوات الأربع الماضية ومنها .. (الاتفاق النووي مع مجموعة (5+1)، الإعتراف الدولي بحل الأزمة السورية سلميًا، انتصار ميليشياتها المسلحة على “داعش” في العراق وسوريا)، مازالت تشعر أنها مهددة دوليًا إثر استمرار الانتقادات الأمريكية لها خاصة بعد تولى “ترامب” مقاليد الحكم بواشنطن.
ثالثًا: تحديات مكافحة الإرهاب:
رغم نجاح عقد القمة العربية الإسلامية الأمريكية وكثافة الحضور بها، إلا أن تحديات مكافحة الإرهاب عديدة وما أكثرها، فهناك تحديات داخلية تخص طبيعة كل دولة وطبيعة نظام الحكم بها وشبكة علاقاتها الدولية والإقليمية، وهناك تحديات خارجية خاصة بمدى التوافق بين الدول لمحاربة الإرهاب، ويتضح ذلك فيما يلي:
*غموض الإعلان وغياب آليات التنفيذ:رغم إن “إعلان الرياض” كان جامعا مانعا واهتم بمحاربة الإرهاب بجوانبه الفكرية والإعلامية، إلا أنه لم يوضح آليات تنفيذ لمحاربة الارهاب، كيف سيتم على سبيل المثال تجفيف منابع الارهاب، وهناك غياب لتعريف الارهاب بل وعدم اتفاق حول الدول الارهابية والتنظيمات الارهابية، وكذلك اختلاف كبير بين مصادر تهديد الامن القومي لكل دولة. كما ان الاعلان لم يوضح كيف سيتم تشكيل قوات من 34 الف جندي وما هي الدول المنوطة بهم وما هي اماكن تمركزهم؟ والعمليات التي سيقومون بها مستقبلا؟
*الخلاف على القيادة: بعدما أختتم ملك الأردن “عبدالله الثاني” كلمته تلى صيغة الصلاة على سيدنا “محمد” وأضاف لها كلمة “الهاشمي” ليربط نسبه بالعائلة الهاشمية الأردنية الحاكمة، وهو ما أعترض عليه ملك السعودية “سلمان” وعدل الصيغة بعدما حذف منها “الهاشمي”، هذه الحادثة وإن بدت بسيطة وعادية إلا أنها تدل على الخلاف على القيادة السياسية والعسكرية بين الدول العربية في أبسط الأشياء فكيف سيتم التعاون وقيادة قوات تبلغ 34 ألف جندي لمحاربة الإرهاب.
*الخلاف على مصادر تهديد الأمن القومي:لاشك أن واشنطن الرياض والقاهرة وأبو ظبي هى أهم الدول الفاعلة في المنطقة لمحاربة الإرهاب، وهناك تعاون استراتيجي عالي المستوى بينهم، إلا أن هناك خلافا بينهم على اولويات تهديد الامن القومي لكل دولة على حدة، فالسعودية والبحرين والكويت والامارات ترى إيران هي مصدر التهديد الرئيسي لامنها واستقرارها ، بينما تختلف معهم قطر وسلطنة عمان اللتان تتمتعان بعلاقات جيدة مع طهران.. وهناك الرؤية المصرية التي ترى أن جماعة الاخوان المسلمين هي المصدر الرئيسي للتهديد والداعم الاول للجماعات الارهابية في العالم فكيف سيتم ترتيب اولويات العمل فيما بينهم؟ ومن سنحارب اولا؟.
*الخلط بين الجماعات الإرهابية والمعارضة: هناك خلاف مستمر بين دول المنطقة، في تعريف الجماعات الإرهابية والجماعات المعارضة، فعلي سبيل المثال تصف بعض دول المنطقة جماعات المعارضة داخلها بأنها جماعات إرهابية لمحاربتها وإثارة الرأى العام الداخلي والخارجي ضدها ومنهم تركيا التي تصف جماعة “فتح الله جولن” بالإرهابية وهي احدى جماعات المجتمع المدني الفاعلة بنجاح داخل تركيا. وكذلك في مصر “الإخوان المسلمين” هي تنظيم إرهابي باعتراف عناصرها بيد أنها تصف نفسها بجماعة معارضة، وفي سوريا الجماعات المسلحة الكردية والإسلامية تصف نفسها بأنها معارضة وهي جماعات إرهابية وهكذا هناك العديد من الأمثلة دون معايير لتحديد ما هي الجماعة الإرهابية وما هي المعارضة.
* دلائل غياب تركيا:غياب الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” عن حضور القمة الذي فضل حضور مؤتمر حزبه في أنقرة لإعلانه زعيمًا له مرة جديدة، وأرسل وزير الخارجية “مولود جاويش أوغلو” لحضور قمة الرياض، دليل على عدم رغبته في الانخراط مستقبلاً بشكل كبير في جهود محاربة الإرهاب رغم كون بلاده من أبرز الدول المستهدفة من التنظيمات الإرهابية وكذلك من الدول التي تعد معبرًا للإرهابيين. وهو ما يدل على رفض “أردوغان” تهميش دور بلاده في محاربة الإرهاب مقابل الاهتمام بمشاركة مصر ودورها في محاربة الإرهاب، مما ينذ ر باحتمالية عرقلة تركيا لجهود محاربة الإرهاب عبر مساعدة التنظيمات الإرهابية في ظل استمرار التنافس الإقليمي بينها وبين عدد من دول المنطقة.
*التنافس السعودي الإيراني: إذا اتفقنا أو اختلفنا مع إيران إلا أنها تملك مفاتيح الاستقرار في بعض دول المنطقة (سوريا، العراق، اليمن، لبنان)، وحققت خطوات عدة متسارعة لأنها تملك مشروعاإقليمياواضح المعالم محدد تستخدم فيه القوة الصلبة والناعمة والوكلاء الاقليميين في عدد من الدول العربية لتحقيق أهدافها وبسط نفوذها والتوسع على حساب مصالح الدول العربية الكبرى بالمنطقة،وربما يكون هذا المشروع قد اتضح ببناء “هلال شيعي”(يربط بين عدة مدن هي طهران، بغداد، بيروت، دمشق) داخل الدول السنية ونشر المذهب الشيعي عبر إثارة النزاعات الطائفية في العالم العربي لتفكيكه والسيطرة عليه من الداخل ثم قيادة العالم الإسلامي، هذه هي اهداف إيران، فما هو الهدف السعودي السني؟ ليس هناك مشروع عربي سني محدد مقابل هذا النجاح الايراني؟ وما تقوم به الرياض هو مجرد رد فعل على التوسع الإيراني؟ وهذا أكبر وأهم التحديات المعرقلة الرياض لا ترغب في محاربة الإرهاب بل محاربة التوسع والتغلغل الإيراني في الدول العربية. وهذا التنافس السعودي الايراني سيستمر محددًا لطبيعة التفاعلات في الشرق الاوسط.
*التضارب بين التحالف الإسلامي وإعلان الرياض: في ديسمبر 2015 اعلنت الرياض عن تاسيس التحالف الاسلامي لمحاربة الارهاب بمشاركة 45 دولة وشن ذلك التحالف عمليات عسكرية مكثفة ضد جماعة “الحوثيين” الإرهابية في اليمن خلال العام الماضي، فهل انتهي دور هذا التحالف الإسلامي بإنشاء تحالف جديد إسلامي أمريكي لمحاربة الإرهاب؟ أم سيتم التعاون بين التحالفين؟ أم سيعمل كل منهما على حدة لتنفيذ أهدافه؟
*مستقبل دول الربيع العربي: لم يشر “إعلان الرياض” لحل قضايا دول الربيع العربي (ليبيا، سوريا، اليمن) التي تتركز فيها الجماعات الارهابية، وكان الأحرى بالإعلان التأكيد على ضرورة إحلال الاستقرار بدول الربيع العربي، وإلا فإنها ستبقي بيئة خصبة لتفريخ التنظيمات والجماعات الإرهابية الجديدة “كداعش”،فيجب حل قضاياها بشكل سلمي وعادل والعمل على “إعادة بناء الدولة” في تلك الدول مرة أـخرى.
*مشاكل “ترامب” الداخلية:أبدى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” رغبة حقيقية في القضاء على الإرهاب أو على الأقل محاربته في كل دول العالم، بيد أنه يواجه معارك داخلية وحملات شديدة لمحاكمته وعزله من منصبه، لإفشائه أسرارا سرية خاصة بالأمن القومي الأمريكي لوزير الخارجية الروسي، وبالطبع حال تم ذلك سيكون هناك رؤى جديدة لكيفية التعامل مع الإرهاب في المنطقة.
خلاصة ما سبق،نؤكد على أن القمة الرياض لمكافحة الارهاب تعبر عن رغبة إقليمية ودولية صادقة لمكافحة الإرهاب، بيد أن التحديات التي تواجه تفعيل عملها أكثر من أن تحصى، ولذا يجب على الرعاة لتلك القمة وخاصة (الرياض،القاهرة، واشنطن) تكثيف العمل لتفعيل إعلان الرياض وإلا فإن دول الشرق الأوسط ستبقي في انتظار المزيد من التنافس الإقليمي “السعودي الإيراني”، والصراعات على النفوذ والتناحرات السياسية الداخلية والمواجهات الأمنية، والمزيد من العمليات الإرهابية.
*باحثة دكتوراة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، متخصصة بالعلاقات الدولية والشأن التركي.